"الحقائب-ضبّوا الشناتي": عمق الوجع السوري... في بساطة لافتة

28 يوليو 2014
أحد مشاهد "الحقائب - ضبّوا الشناتي"
+ الخط -

ليس مسلسل "الحقائب - ضبّوا الشناتي" أفضل أعمال الثنائي الكاتب ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو، لكنّه عمل يُعتبَر الأفضل بين كوميديا 2014 السورية. لا سيّما أنّه بدا مخلصاً للحارّ واليومي في حياة السوريين، من دون أن يصطنع المفارقة المضحكة أو يسقط في الاجترار.

نجح المسلسل في نبش الوجع اليومي البسيط ليجعله مادّة للسخرية. فقارب، ضمن قالب درامي تراجي - كوميدي، ما يرزح تحت نيرانه السوريون من أزمات مادية واجتماعية وإنسانية وسياسية، نتيجة ما آلت إليه ثورة 15 مارس/آذار 2011.
المسلسل يروي حكاية عائلة ينتمي أطرافها إلى مرجعيات فكرية وعقائدية مختلفة، وهي مختلفة أيضاً إزاء ثنائية الثورة والنظام. فمنها المعارض ومنها الموالي ومنها الحيادي. لكنّهم جميعاً يلتقون حول عقد واحد هو الأم، التي تبدو واحدة من "نبلاء" الحرب، والضمير الذي يعلو صوته بـ"يا عيب الشوم" كلّما بدا التصرّف مفارقاً لمنطق العائلة، العائلة الصغيرة وتلك الكبيرة.

أفراد العائلة ستجمعهم أيضاً الرغبة في السفر والهجرة بعيداً عن نار باتت تكويهم، معارضين أو مؤيّدين أو حياديين. كأنّ اختلاف المواقف دونه الوجع ذاته، وجع سيختلف الأخوان عادل (المؤيّد للنظام) ورضوان (المعارض الثوري) عمّن كان سببه، وسيتحاشى العمل حسم المسألة بينهما. لكنّ الثابت أن الاثنين يكتويان بنار ما حدث ويقتسمان معاً خبز نتائجه المرّ.

يثير "الحقائب- ضبو الشناتي" مجموعة من القضايا، منها ما هو طارئ بعد الثورة ومنها ما كان موجوداً قبلها، لكنّها جعلته أكثر وضوحاً. وتلك المضامين كانت، بشكل ما، مادّة درامية لم تغِب عمّا قدّمه الثنائي حمادة – حجو من قبل. فقد أنجزا معاً خلال السنوات القليلة الفائتة، وعلى التوالي، مسلسلات "ضيعة ضايعة" بجزأيه، ومسلسل "الخربة"، فنجحا في تقديم مقاربات ذكية للواقع السوري عبر حكايات وحوارات شخصيات بسيطة.

الحكايات البسيطة في تلك الأعمال لم تكن تحتاج إلا القليل من التأمّل، ليكتشف المشاهد أيّ معان عميقة مغلّفة بالضحك والسذاجة يقدّمانها. فكان الخطاب الدرامي أذكى من مقصّ الرقيب، وأقرب إلى ما يريد الناس سماعه. إلا أنّ ذلك كلّه قلّما توافر في مسلسل "الحقائب" الذي جاء برسائل واضحة، ومضامين تبوح بها حلقات العمل على نحو مباشر. ربما ذلك لأنّ الحكاية لا تحتمل التذاكي الدرامي، وربما لأنّ بعض رسائل العمل تحتاج إلى خطاب واضح حول ما يحدث على الأرض، بحيث لا تحتمل التأويل.

هذا لا يعني أنّ العمل عَدَمَ المقاربات الذكية في حكاياته، والتي بدت كأنّها تتسلّل إلى المشاهد عبر الحكاية المباشرة، لكنّها تظلّ أقلّ مما سبق وقدمه حمادة – حجو.

اللافت أنّه في "الحقائب" يقف الطاقم التمثيلي بأكمله في الصفّ الأوّل. فلا أهميّة لمساحة الدور في إبراز طاقة أحد الممثلين الأدائية دون سواه. ولعلّ في تعدّد الحكايات اليومية وتناوب شخصيات العمل على أخذ الدور المحوري فيها ما جعل العمل مساحة حضور للجميع. وهو أمر ضمنه أيضاً البناء الدرامي لشخصيات العمل، كما كتبها ممدوح حمادة. والجهد واضح من الممثلين والمخرج حجو في تقديم كاركتيرات تنطوي على  قدرة من الإقناع. سواء عن طريق الشكل أو السلوك، وأحياناً الجمع بين الاثنين معاً، كما هو الحال في شخصية "عادل" البعثية التي قدّمها الفنان أيمن رضا، وشخصية "مريم" اليسارية السابقة التي قدّمتها الفنانة رنا شميس.

 ورغم أن الفنان، بسام كوسا، يؤدّي شخصية الأب "خليل"، في شخصية سبق أن قدّمها في مسلسل "قانون ولكن"، إلا أنّه ينجح في تقديم أبعاد جديدة لهذا المقترح التمثيلي. ساعده في ذلك نصّ ممدوح حمادة، وطبيعة عمل المخرج الليث حجو الذي يقوم بتطوير شخصيات عمله في موقع التصوير بمزيد من الاقتراحات الفنية، بالتعاون مع الممثلين أنفسهم.

وتبقى الفنانة ضحى الدبس أكثر من أحدث الفارق في الأداء بين الممثلين، على تميّزهم. فهي تلعب دور المرأة القوية ذاته، الذي سبق أن لعبته في "الخربة". لكنّها تقدمه، اليوم، بوصفه الضمير الحي الذي يعلو صوته لمصلحة الجميع معاً، يوم يفكّر الجميع في خلاصهم الفرديّ. وهي تصنع ذلك كلّه في بعد تراجيدي، وسط مفارقات كوميدية عديدة. ويكفي أن نذكر للأم مشهد تقبيل جدران البيت أو محاولتها نطق كلمة "أحبّك" أمام زوجها خليل، لنعرف أيّ عمق وفارق تحدثه ضحى الدبس على صعيد الأداء في "الحقائب".

ما يُسجّل لـ"الحقائب- ضبوا الشناتي" أيضاً قدرة شارته الغنائية (كلمات وألحان وتوزيع إياد الريماوي، غناء كارمن توكمه جي) على تكثيف العمل وإدخال المشاهد إلى عمق أحداثه، وتقديم مفاتيح فهم حكايته. فقد اختزنت كلمات الشارة، جرعة وجدانية عالية كانت تكفي وحدها للولوج إلى عمق الوجع السوري، الوجع ذاته الذي ينبش العمل منه في كلّ مرّة وجعاً جديداً.

المساهمون