أن يتفاخر رجال أعمال في مصر بالاحتكارات وغياب العدالة

23 مايو 2024

(محمد عمران)

+ الخط -

منذ قرابة أسبوع، انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي مقتطفاتٌ من لقاء مع أغنى رجل أعمال في مصر؛ المهندس سميح ساويرس، بخصوص سرّ نجاحه وحجم ثروته، فردّ قائلاً: "لا يهمّني حجم ثروتي لأنّ الأمان يبدأ بعد أول مائة مليون جنيه". انتشرت هذه الفِقْرَة على نطاق واسع في مواقع التواصل، سواء تهكّما أو تحليلاً، لكنّها، مع الأسف، ليست التصريح الأكثر أهمّية في اللقاء، بقدر ما هي مُعبّرة عن التفاوت سواء في التفكير أو مستويات الغنى والفقر في البلاد، التي لا ينقصنا التقارير لتأكيدها، فمصر واحدة ضمن أعلى البلدان في مؤشرات التفاوت في الدخل والثروة.

التصريحات الأكثر أهمّية للرجل، الذي يمتلك مُنتجعاً سياحياً ربما هو الأكبر في البلاد، إن لم يكن في الشرق الأوسط، هو مديحه، طول الحوار، الاحتكارَ والتفرّدَ، وحبَّه لهما، وقوله: "لا أحبّ المنافسة وأحبّ أن ألعب بمفردي، وأن أكون أنا اللاعب الوحيد"، فهو إذاً، لا يرى نفسه ناجحاً في أيّ سياق فيه منافسة حقيقية، والحقيقة، أنّ هذا حال كثيرين من رجال الأعمال في مصر؛ لا ينجحون في أيّ سياقات تنافسيه، بل حتّى في بعض السياقات الاحتكارية يفشلون أيضاً، فأخوه نجيب، كذلك، عندما ذهب للاستثمار في كوريا الشمالية، خسر جزءاً مهمّاً من أمواله، مع أنّ السياق هناك احتكاري، وعندما ذهب إلى الجزائر، أيضاً، وهي سياق لا يختلف كثيراً عن مصر في مؤشرات التنافسية، خسر جزءاً من أمواله.

الرجل، نفسه، صرّح في مارس/ آذار الماضي أنّ ليس لديه اهتمام بالاستثمار في مصر، وفي نيّته نقل بعض أعماله إلى السعودية، بسبب بعض تصرّفات الجيش وشركاته، وتدخّلاته في السوق المصرية، ولاقى ردّة فعل كبيرة على تصريحاته حينها، وعاد ليعتذر، فزاد الطين بِلّةً بقوله إنّ الجيش "يملك مصر وأحمس كان لواءً"، لتنطلق موجات من تأييد كلامه أو السخرية منه، وإن كان محقاً في بعض جوانبه، إلا أنّ التقارير تشير إلى أنّ حصة القطاع الخاص في السوق لم تتقلّص بهذا القدر الذي يروج له، وأنّ النظام استجاب لعديد من توصيات البنك الدولي وصندوق النقد، وشركائهما الإقليميين، وطرح عديداً من الشركات المملوكة للجيش في البورصة، في خطوات غير مسبوقة ضمن برنامج الإصلاح الهيكلي المُتعثّر.

الرأسمالية المصرية، في كثير من رموزها وجوانبها، رثّة، بل شديدة الرثاثة والتردّي

المشترك الوحيد بين كثير من رجال الأعمال، في برّ المحروسة، هو البحث عن الملاذات الضريبية الآمنة في الخارج، والحصول على أكبر امتيازات في الداخل. أحد أفراد العائلة باع شركة موبينيل، وتهرّب من حوالي 14 مليار جنيه ضرائب، وعادى نظام الرئيس محمد مرسى، لهذا السبب بالأساس. ثمّ عندما جاء النظام الجديد، قدّم الرشاوى والتبرعات والقرابين، وبالفتات، لصندوق تحيا مصر، وغيره. حصل على خصم أكثر من نصف المبلغ المُستحَقّ، ثم عادت شركته لتعوّض الضرائب، التي تعتبرها خسارة، واستحوذ على أجمل حديقة في حيّ الشيخ زايد ليحولّها مجموعةَ أبراجٍ من أغلى الأماكن في مصر والعالم، وبالطبع، فهو لا يرى في سكّان هذه المناطق مُستحقّين لهذا الفضاء العام المجّاني كغيرهم من مواطني الدول الأخرى، وإلا فالصحراء واسعة في مصر.

العائلة الأغنى في مصر، التي نقلت أخيراً، إدارة استثماراتها إلى الإمارات، إحدى أكبر الملاذات الضريبية الآمنة، وسط أزمة اقتصادية مصرية حادّة، وكأنّها تقول؛ نحن مع البلاد في السرّاء، وفي الربح فقط، لكنّنا لسنا معها، أبداً، في الضراء أو أيّ أوضاع اقتصادية متردّية، وبطبيعة الحال، سيدافع بعضٌ، هنا، بأنّ هذا هو الأصل في الاستثمار، وشركات القطاع الخاص ليست جمعيات أهلية أو منظّمات خيّرية، ويغضّ هؤلاء الطرف، دوماً، عما يُنفقه أغنى أغنياء أعتى الاقتصادات النيوليبرالية على وقفيات وأنشطة خيرية في دولهم، في القطاعات كافّة، هذا، بعد التزامهم التام بالضرائب المُقرّرة قانوناً، والتي تُفرَضُ على الدخل والثروة والأنشطة الاقتصادية المختلفة.

المشترك الوحيد بين كثيرين من رجال الأعمال المصريين البحث عن الملاذات الضريبية الآمنة في الخارج، والحصول على أكبر امتيازات في الداخل

وللأمانة، ليست هذه العائلة الوحيدة التي تفعل ذلك، فكثير من رجال الأعمال احتاطوا لعمليات الشراكة الجبرية، التي يُدخِلْهم فيها الرئيس والجيش مع الشركات المملوكة للقوّات المسلحة، في مشروعات بلا دراسة جدوى، ويدافعون عنها تملّقاً في البداية، ثم يمتعضون بصمت، وأحياناً بشكل غير مباشر، عبر أدواتهم الإعلامية. الرأسمالية المصرية، في كثير من رموزها وجوانبها، رثّة، بل شديدة الرثاثة والتردّي، وتتغذّى على الفساد، ولا تعيش من دونه، ولولا الاحتكارات والفساد ورأسمالية المحاسيب، فهؤلاء الأشخاص لم يكونوا لينجحوا في أيّ سياق تنافسي شريف، هم نجحوا على جثّة القطاع العام، الذي كان يشغل العديد من الصناعات، وصفّوا صناعات كبرى مثل الغزل والنسيج، وحوّلوها عماراتٍ وأبنيةً سكنيةً وتجاريةً فارهةً، ضمن مضاربات لا تنتهي، في سياق اندمجوا فيه مع كبار رؤوس البيروقراطية الفاسدة. بطبيعة الحال، عندما يتيح السياق غير التنافسي لشخص أو قلّة تحقيق هذا القدر من النجاح، وجمع الثروة، والدخول في قوائم أغنى أغنياء العالم، فلن يكون مُهمّاً حجم ثروته، فمصر جنّة بالنسبة إليه، ولن يكون مُهمّاً سوى الوصول إلى المائة مليون الأولى، فهو يمتلك أكبر مرسى لليخوت، وقرية سياحية، ويسير على درّاجته داخل أسوارها، في أمان من دون أن يرى مصر، التي لا يستطيع ركن دراجته في أيّ من أحيائها من دون قلق، إن كان كثيرٌ من ساكني هذه الأحياء يملكون ثمن هذه الدرّاجة أو حتّى عملاً يتيح لهم الحصول عليها بالتقسيط.

ليس هذا فقط مربط الفرس في موضوع التفاوت، فقد طُرِحَتْ بعض الفيلات بالساحل الشمالي الغربي للبلاد ضمن المشروعات الجديدة، في رأس الحكمة، وما بعدها من سواحل لن يتسنَى لغالبية المصريين رؤية البحر فيها، غالباً، هذه الفيلات بأسعار تقترب من نصف مليار جنيه، وهي بطبيعة الحال أغلى من أغلى السواحل في المتوسّط، في الوقت الذي كان أحد الوزراء يتفاوض مع بعض سكّان المنطقة بأن لا خيار أمامهم سوى القبول بالتعويض، والرحيل، وهو تعويض بخس بطبيعة الحال. الطامّة الكبرى، أنّ بعضاً من المحسوبين على الثورة، والتيّارات الإصلاحية، يروّج مشروعاً ضمن هذه المشروعات، تارّة، مستخدماً مصطلح عدالة النفاذ إلى الفرص، وتارّة أخرى، عدالة النفاذ إلى البحر. والحقيقة؛ أنّ الرجل يستخدمهما بطريقة فيها كثير من التدليس، فهو يروّج لأنّ شركته تطرح فيلات أرخص من نصف السعر المذكور، وبالتالي، فهي تضمن هذين المبدأين، بينما هو يتحدّث عن فرص لا تتاح لأكثر من مائة شخص، على الأغلب، ضمن ما يزيد عن مائة وخمسة ملايين، فعن أيّ عدالة وأيّ نفاذ وأيّ فرص نتحدّث؟