انفراجة حمزة وشركاه
دانت محكمة عسكرية مصرية، في 24 أبريل/ نيسان 2018، القاضي ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام جنينة، بالسجن خمس سنوات، بتهمة نشر أخبار كاذبة، على أثر حوار أجراه معه صحافي شاب، تم اعتقاله وحبسه هو الآخر، تضمّن معلوماتٍ وتصريحاتٍ وآراء على لسان المستشار جنينة، منها ما يتعلق بالفساد المالي، وأخرى بشأن امتلاك رئيس أركان الجيش الأسبق، الفريق سامي عنان، وثائق عن أحداث ثورة 25 يناير (2011) وما تلاها، ترقى إلى كونها أدلة إدانة للمتورّطين في قتل الثوار.
أمضى المستشار جنينة مدة العقوبة كاملة، فلمّا حان موعد خروجه من السجن كانت مقايضة الإفراج عنه وعودته إلى منزله بالسكوت وعدم التحدّث في الشأن العام، ووضعه تحت الرقابة. أمضى الرجل خمس سنوات مسجونًا بتهمة ظالمة وملفّقة، غير أن محترفي الطبل والزمر في فناء السلطة التي نكّلت به وأسالت دمه وسجنته قرّروا توظيف مسألة مغادرته السجن باعتبارها علامة على انفراجة سياسية في وطنٍ يغوص في قاع الهوان وانعدام القيمة.
حديث الانفراجة المزعومة عاد يتردّد على بعض الألسنة مع عودة المقاول والمهندس الاستشاري ممدوح حمزة إلى القاهرة، وظهوره في تسجيل مصوّر من صالة كبار الزوار في المطار يتحدّث فيه عن روعة الاستقبال بوصفه دليل انفراجة سياسية في الطريق، وهو كلام موسمي يظهر ويختفي كلما تصالح أحد من جمهور سلطة 30 يونيو معها بعد فترة خصام قصيرة، يتخلّلها اقترابٌ من المجموعات المعارضة في الخارج، لبعض الوقت، ثم يحدُث الابتعاد بمجرّد التصالح. في ذلك ليس من حقّ أحد المصادرة على حقّ حمزة وشركاه بالمقاولات الهندسية والعمل السياسي في تحديد المسافات التي يقفون عليها من السلطة، ولا التدخل في قرارات رجوعهم كأبناء مخلصين لهذه الدولة، بتعبير اللواء الذي فتح لحمزة صالة كبار الزوار، التي صارت في هذه اللحظة حضن الوطن المفتوح للمخلصين.
كما أن الرجل حرٌّ في مبادلة النظام الذي استردّه تحيًة بتحية وغزلًا بغزل، لكن أن يعتبر حالته الفردية الخاصة في التصالح دليل انفراجة عامة وتغيرًا إيجابيًا في بنية النظام، الذي كان قبل أسبوعين فقط بنظر حمزة مفرطًا في الأمن القومي وبائعًا للوطن، حد الخيانة، ودمويًا وفاشيًا، فهذا مما يمكن أن يقال عليه بأنه تدليس وتضليل واستثمار في مسألة عامة بغية تحقيق مكاسب شخصية.
الصحيح أن انفراجة حصلت في علاقة حمزة بالسلطة التي غضب منها بعض الوقت، فلما ذهب عنه الغضب عاد إلى حضنها، أما الانفراجة السياسية العامة فهذه قضية أخرى لا تتوافر اشتراطاتها الآن ولم تتوفر يومًا في عمر هذه السلطة، إلا إذا كان المقصود مصالحات داخلية في معسكر الثلاثين من يونيو، الذي تمرّد عليها ممدوح حمزة 24 ساعة فقط.
مرّة أخرى، لا مصادرة أو تدخل في حدود حركة حمزة واتجاهاتها، لكن وبما أنه يريد أن يجامل النظام باستعمال مسألة عامة، فمن حقّ أطراف هذه المسألة أن يعلنوا أن كل ما يفعله يخصه هو فقط، وليس باسمهم، وخصوصًا أن الرجل لا يثبت على موقف واحد، ولنا فيما جرى قبل أقل من شهرين المثل.
والذي حصل أن حمزة أبدى ندمه وتوبته، واعتذر عن المشاركة في الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، طالبًا المغفرة من الله على التورّط فيما رآه عملية نصب سياسي أدخلت البلاد والعباد في جحيم، فرحبنا باعتذاره وصفقنا لشجاعته في مراجعة الذات .. لكن الشخص نفسه عاد وغيّر كلامه بعد أقل من 24 ساعة، وقال إنه ليس نادمًا على المشاركة في العملية، وإنما على نتائجها وتبعاتها، بل أنه فخور بها وسيقابل بها الله راضيًا.
هذا الانتقال السريع من الموقف إلى عكسه أمر يخصّ العائدين إلى حضن دولة الإخلاص والمخلصين، وهو حقهم، لكن ليس من العدل أن يتصوّر بعضهم أن هذه النقلات الهادرة تستحق الاحتفاء والترحيب والتصفيق، أو اعتمادها مقدّمة لانفراجة في الحريات السياسية.