اهتمام أممي بالمخفيين قسرياً في العراق

18 ابريل 2023

تجمع في أربيل أمام مكتب الأمم المتحدة يطالب بالكشف عن مصير المخفيين (16/1/2018/الأناضول)

+ الخط -

لم تجد اللجان الأممية الخاصة بحقوق الإنسان إجاباتٍ واضحةً وحاسمةً لموضوع المخفيين قسرياً في العراق منذ عام 2003، رغم بلوغ أعداد المسجّلين تحت هذا العنوان في السجلات الحكومية والحقوقية العراقية مليون شخص تقريباً، ولكن يبدو أن هناك بصيص ضوء في نهاية هذا النفق من خلال التحرّكات الملموسة للجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الإخفاء القسري في العراق، وممارسة ضغوط على الحكومة العراقية لوضع نهايةٍ فعليةٍ لمصير آلاف من المغيّبين قسرياً بهذه الجريمة البشعة واللاإنسانية.
يأتي هذا الاهتمام بعد زيارة هذه اللجنة للعراق في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وإعداد تقرير عن هذه الزيارة، تضمّن، خارج حدود المجاملة والدبلوماسية الأممية، قلق الأمم المتحدة البالغ إزاء انتشار ممارسة الإخفاء القسري في معظم أنحاء البلاد، ورأت اللجنة أن "الإفلات من العقاب وإعادة الإيذاء السائدين في العراق هما سبب استمرار هذه الجريمة".
ولّد بطء الإجراءات التي تقوم بها لجان الأمم المتحدة في قضايا تخصّ حقوق الإنسان العراقي إحساساً لدى المواطن العراقي بأن هناك تسييسا لملفّات العراق علي حساب أرواح العراقيين وحرّياتهم، وأن هذه اللجان تلقت، منذ بدايات الاحتلال الأميركي - البريطاني للعراق، وانتشار النفوذ الإيراني فيه، تلقت مئات الشهادات التي أدلى بها ضحايا الإخفاء القسري، وخصوصا من أبناء محافظاتٍ بعينها، كالأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى وبغداد، وغيرها من الحالات النوعية كالتي تعرّض لها النساء والأطفال الأيزيديون على أيدي مليشيات معروفة، وسواء تلك الجرائم التي حدثت أو ما زالت تحدُث تحت نظر السلطات الحكومية وسمعها، وبعلم ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق.

"في غياب العدالة كل شيء جائز"، هكذا هو ما يمكن أن يوصَف به عراق ما بعد 2003

لقد تعرّض العراقيون لجرائم حقوقية بالجملة منذ عام 2003 على يد قوات الاحتلال الأميركية والبريطانية، ثم المليشيات الإيرانية، فجرائم تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين. وقد أسّست القوات المحتلة لثقافة الخطف والاعتقال من دون قرارات قضائية؛ حيث تؤكّد الأرقام الرسمية أن الجيشين، الأميركي والبريطاني، أسرا أكثر من مائتي ألف عراقي بشكل مباشر، ومن دون أوامر قضائية. وكانت عمليات التغييب بحقّ المدنيين تجري تحت عنوان "التمرّد" أو "مدنيين في المكان الخطأ في الوقت الخطأ." وبعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي، بلغت عمليات الخطف والتغييب القسري في العراق ذروتها، عندما استغلّت قوات "الحشد الشعبي" العمليات العسكرية لاستعادة المدن الرئيسية من قبضة هذا التنظيم، فقد دفع سكان المناطق التي كان هذا التنظيم يحتلّها ثمناً باهظا، بعد أن عمّت فوضى كبيرة مدنهم، غابت فيها كل القوى الضابطة للأمن، سواء من الحكومة العراقية أم قوات التحالف الدولية. وخلال هذا التواطؤ، أخفت مليشيات قوات الحشد الشعبي آلافا من رجال العرب السنّة وشبابهم، ما زال أهلهم يبحثون عنهم ويستجدون التدخّل البرلماني والحكومي للوصول إلى تحديد مصائرهم، وبدل أن يحصلوا على اهتمام مسؤول من أجهزة الدولة وإجابات مسؤولة عن عمليات إخفائهم قسرياً، خرج رئيس مجلس النواب العراقي في لقاء تلفزيوني، ليقول لذوي المغيّبين إن أبناءهم قتلوا جميعاً.
"في غياب العدالة كل شيء جائز"، هكذا هو ما يمكن أن يوصَف به عراق ما بعد 2003، حيث شهد هذا البلد موجاتٍ متعاقبة من المظالم والتغييب القسري والاغتيالات والاعتقالات غير القانونية، خصوصا بعد كل انتفاضة شعبية عراقية أو موجة تظاهرات واحتجاجات مدنية سلمية، سواء في بغداد أم بقية المحافظات ومن جميع الخلفيات الدينية والعرقية.

لسان حال العراقيين يقول إن لا شيء سيتغيّر في ملف المخفيين قسرياً، ذاك أن لا إرادة حكومية تريد ذلك

جديد اللجنة الأممية المعنية في موضوع التغييب القسري في العراق هو طريقة تعاملها مع الحكومة العراقية، وحثها على إدراج الإخفاء القسري "على الفور" جريمة منفصلة، حيث ذكرت أنه "بما أن الإخفاء القسري لا يزال غير موجود كجريمة مستقلة في التشريعات الوطنية، فلا يمكن مقاضاته على هذا النحو في العراق". ودعت الدولة "إلى وضع استراتيجية شاملة للبحث والتحقيق لجميع حالات الإخفاء، وتعزيز وتوسيع القدرة الوطنية للطب الشرعي لضمان وصول جميع الضحايا إلى عمليات استخراج الجثث وخدمات الطب الشرعي". وطالبت "أن تنشأ فوراً فرقة عمل مستقلّة للتدقيق المنهجي في سجلات جميع أماكن الحرمان من الحرية مع أسماء جميع المعتقلين. يجب أن تضمن فرقة العمل تسجيل جميع المحتجزين وإبلاغ أقاربهم على النحو الواجب بمكان وجودهم".
النقطة الأهم إشارة اللجنة ومطالبتها العراق بتوضيح موقفها من المغيّبين، والتحقّق من وجود أماكن سرّية للاعتقال عن طريق الاستعانة بصور الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار، مع ضرورة التعامل مع أهالي المغيبين كضحايا تشملهم حقوقٌ وردت في الاتفاقية الدولية الخاصة بالمغيبين قسرياً، واتخاذ تدابير تشريعية وقضائية لضمان اعتبار أي فردٍ تعرّض للأذى كنتيجة مباشرة للإخفاء ضحية رسميًا وله الحق في التمتّع بالحقوق الواردة في الاتفاقية.
لسان حال العراقيين يقول إن لا شيء سيتغيّر في ملف المخفيين قسرياً، ذاك أن لا إرادة حكومية تريد ذلك، بل الأدهى أن العملية مستمرّة وحجم معاناة ذوي المخفيين تزداد وتتعقد، من دون أي ضوء في نهاية أنفاق قضاياهم.

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن