تونس قبل "النهضة"

24 مايو 2016

السبسي والغنوشي في افتتاح أعمال مؤتمر "النهضة" (20 مايو/2016/الأناضول)

+ الخط -
"تونس قبل النهضة" كلمات ردّدها عبد الفتاح مورو، عند افتتاح المؤتمر العاشر للحركة، وبحضور رئيس الدولة، الباجي قايد السبسي. وتجاوب معها المؤتمرون وأنصار الحركة بشكل واسع وحماسي. ولم يكن ذلك أمراً عفوياً، وإنما جاء تتويجاً لتراكماتٍ وأحداثٍ جعلت هذه الحركة تتخلص تدريجياً من انتمائها الإخواني، وتصبح جزءاً لا يتجزأ من المشهد التونسي.
مرّت المجموعة الأولى المؤسسة للتيار الإسلامي في تونس بأول اختبارٍ مفاهيمي خاص بالموقف من الوطن. يومها، وفي مرحلة التأسيس مع مطلع السبعينيات، كان لسيد قطب حظوة كبيرة، بأفكاره التي تسرّب إلى عقول الشباب الناشئ وأذهانه يومها، ومنها موقفه من الانتماء إلى الوطن. يقول صاحب "معالم في الطريق" "وطن المسلم الذي يحن إليه ويدافع عنه ليس قطعة أرض، وجنسية المسلم التي يعرف بها ليست جنسية حكم، وعشيرة المسلم التي يأوي إليها، ويدافع عنها، ليست قرابة دم، وراية المسلم التي يعتزّ بها، ويستشهد تحتها، ليست راية قوم، وانتصار المسلم الذي يهفو إليه، ويشكر الله عليه ليس غلبة جيش..".
لم يكن من السهل أن يتخلص إسلاميو "النهضة" من هذه "الفكرة الملغمة"، وهو ما تطلب مراجعاتٍ وممارساتٍ غطت فترة زمنية طويلة، ما جعل الحركة، باستمرار، تتعرّض من خصومها إلى التشكيك في ولائها لتونس.
حدث التحوّل الأساسي بعد الثورة. حينها، فتح الباب في وجه حركة النهضة، لتنتقل من وضع التنظيم السياسي الملاحق والمقصي من المجال العام إلى حزبٍ يحكم في تونس البورقيبية. رسخت هذه التجربة، بكل صدماتها وإخفاقاتها، قيمة الانتماء إلى الوطن، وذلك بعد أن بدأت الحركة تكتشف ماهية الدولة، وأعباء قيادة بلد، وليس قيادة جماعة أو حزب. لكن، مع ذلك بقيت شبهة العلاقة بالإخوان المسلمين تلاحق الحركة، خصوصاً بعد نجاح إخوان مصر في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. عندها، بشّر قادة حركة النهضة الأوساط العلمانية التونسية والعربية بأن حقبة حكم الإسلاميين في كامل المنطقة ستستمر مدةً لن تقلّ عن نصف قرن. كما أن رئيس حكومة الترويكا، حمادي الجبالي، دفعه الحماس فاعتبر الانتصار الانتخابي لحركة النهضة في تونس و"الإخوان" في مصر "إعلاناً عن الخلافة السادسة".
حدثان حسما، فيما يبدو، مسألة الولاء للوطن لدى قيادة حركة النهضة: أولاً: صعود الحركة السلفية بشكل مفاجئ وعنيف، وكان من شعاراتها المركزية العودة إلى اعتبار الوطنية "رجساً من الجاهلية". وكانت عملية استبدال العلم التونسي بالراية السوداء في جامعة منوبة الشعرة التي قسمت ظهر البعير، لتنطلق، على إثرها، حملة واسعة النطاق، من أجل إنقاذ الرمزية الوطنية من تهديد حقيقي وجدّي. وممن شارك في الحملة أنصار حركة النهضة. وعندما اتّسعت رقعة التهديد من خلال عسكرة الحركة السلفية، وانتقالها إلى مرحلة المواجهة المسلحة، بهدف إسقاط الدولة، وتحويل البلد إلى إمارة ملحقةٍ بشيء غامض، اندفع زعيم "النهضة"، راشد الغنوشي، ليؤكد أن حركته تقف في مقدمة القوى المدافعة عن الدولة الوطنية.
ثانياً: توالي مؤشرات حالة انحسار حركات الإسلام السياسي في المنطقة. وهذا أمر لعله أدركه رئيس حركة النهضة، ما يجعل المسألة الوطنية تكتسب أولويةً قصوى في اختياراته الاستراتيجية. لا مستقبل لهذه الحركة خارج الإطار الوطني. وبالتالي، إما أن تكون تونسية أو لا تكون. تونس هي الأصل، والحركة الإسلامية هي الفرع وليس العكس. وحتى تكون "النهضة" في مستوى هذا التحدّي الوجودي، فإنها مدعوّة، بالأساس، إلى خدمة البلاد، والارتقاء بمستوى التونسيين عملياً، وليس عبر الشعارات الفضفاضة.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس