المرأة السورية في ظل الحرب

22 ابريل 2017
+ الخط -
في وقتٍ تقرأ فيه على وسائل الاتصال الحديثة، وتشاهد على التلفاز برامج التوعية ومقالاتها، يتكئ على الجدران ظهر امرأة لا زالت تعيش العنف بأبشع صوره وأقساها، ولازالت تعجز عن نيل أبسط حقوقها وأعني بذلك العلم.
حمّلت الحرب المرأة هموماً أخرى وأوزاراً أيضاً، فحتى الحرب ومع كل ما حملت في أجوائها من نسف لكلّ طرق حياتنا؛ لم تستطع أن تطيح العادات والتقاليد البالية التي عفا عنها الزمن، ولمّا نتجرّأ أن نعفو عنها بعد.
لا زال الرجل يعتبر نفسه قوّاماً على المرأة التي تربطه بها قرابة الدم أو عقد الزواج، ولا زال يمارس حقه في حرمانها من أبسط حقوقها، كالتعلّم والعمل. ففي وقتٍ ظهرت فيه المنظمات التي تُعنى بحقوق المرأة والطفل في المدن التي تأثرت بالحرب، نرى أنّ بعض النساء، وبنسبة لا يستهان بها، يُحرمن من حقهن في الالتحاق بالمراكز التي تخصّصها تلك المنظمات لتعويض ما تم خسرانه بسبب الحرب، وهذا المنع يتم بحجة الخوف أو العادات.
ومن مفارقات مؤلمة أن تتم الموافقة على مشاركة المرأة في العمل المأجور، وحرمانها من العلم، فإلى متى تظل معرفة المرأة وعلمها كابوساً مقلقاً للرجل؟ وإذا كان السماح لها بالعمل لدواعي الحاجة الاقتصادية يتم، فما هو السبب الرئيس الذي يتسلّح به الرجل، لمنع ذهابها إلى مراكز التعلّم؟ أم أنّنا نريد لهذا الكائن البشري أن يظل مغيّباً عن جمال المعرفة ومستقبلها الآمن؟
الحق في التعلّم واكتساب الشهادات العلمية واجب على الجميع، بل وضرورة في ظلّ هذه الظروف التي هيّأت المرأة نفسياً واقتصادياً لاكتسابه، ويجب علينا توفير كل الظروف المتاحة أمام المرأة لنيل ذلك الحق، لأنّنا بذلك نهيّأ الفرص للأم والأخت والزوجة للقيام بدورها الفاعل في تمكين نفسها من تعليم أولادها ومساندتهم أيضاً، بل ومساعدة الرجل في ظلّ هذه الظروف القاسية التي عاشها المواطن السوري في وطنه بسبب الحرب.
المرأة التي استطاعت أن تستوعب قسوة الحرب هي ذاتها القادرة على تعويض عائلتها إن هي أعطيت مكانتها الحقة في التعلّم والعمل معاً، وهذا ما نطمح إليه في هذه الأيام التي علمتنا أنّ مواجهة المعاناة تكون بالتعاون والمساعدة ومن جميع الأطراف من دون أن توقفنا بعض المفاهيم الخاطئة التي لم تنتج إلا الجهل والفقر والكثير من الأخطاء.
لا يمكن أن تُبنى الثورة على مفاهيم منقوصة ومشوّهة، كما لا يمكن أن تُبنى على ما يروق للرجل، وما لا يروق. نحن أمام تغيير وانقلاب يجب أن يكون شاملاً لكلّ المفاهيم التي قوّضت تقدّم المجتمع السوري وحدّت من تطوره.
والمتابع لوضع المرأة السورية الراهن سيلاحظ تراجع وتدهور كبير لحق بها، من جراء الحرب، فحتى الجامعات والمدارس التي كانت ترمم بعض النقص في جهلها أغلقت في وجهها وباتت مستحيلة، وبات ما يمكن أن يعوّضها قليلاً بعض البرامج التعليمية التي تشرف عليها بعض المنظمات العالمية التي انتشرت في المحافظات السورية، والتي تعتبر معظم برامجها تعويضية أكثر مما هي تأسيسية، لكن ومع ما تحمله تلك البرامج من فوائد كبرى يواجهك التزمت والتذمر من بعض الأسر التي تفضل إرسال أبنائها، وتمتنع عن إرسال بناتها.
لم يعد خافياً في السنوات العجاف الخمس الأخيرة التي مرّت بالمواطن السوري أن العمل المشترك والروح التعاونية هما من يخفّف عبء الأثقال التي حملها سيزيف القرن الواحد والعشرين السوري، وأنّ المرأة التي صانت بيوتاً غاب عنها الرجل بسبب الحرب، وعملت ما لم تعتاد العمل به هي ذاتها من يبدع في العلم، ومن يستحق أن تقدّم له كل الفرص المتاحة من أجل دعمها ومساندتها بشهادات علمية تخفّف وطأة العمل اليدوي القاسي الذي يتعدّى على إنسانيتها وأنوثتها معاً، ونذكر قبل الحرب كمدرسين أنّ الفتيات أثبتن قدرتهن الكبيرة وإبداعهن في العديد من المجالات العلمية التي تفوقت فيها.
ولسنا نكتب هنا هذه الكلمات، لنزيد حجم التشاؤم من المستقبل الذي ينتظرنا، لكننا نكتب بدافع الرغبة في تجاوز كل العقبات التي يمكن أن تنتظرنا، أو هي قائمة بالفعل، وندرك عبر قراءة بسيطة للتاريخ الأممي، أنّ جميع الحضارات التي بنيت بعد الحروب، كان العلم أساس بنائها، وليس العادات أو الموروث الاجتماعي البائد، وأنّ نهضة أيّ أمة من الأمم تكون بتثقيف وتعليم أبنائها الذين يمثلون أسس حضارتها القادمة، ومن يقرأ التاريخ جيداً سيدرك أنّ المرأة كانت ولا تزال أهم الركائز التي ساعدت في تطور تلك الحضارات وازدهارها، فهل نتعلم؟ وهل نقرأ؟
ABC99897-CFDB-4E99-A44B-6CE304011C62
ABC99897-CFDB-4E99-A44B-6CE304011C62
يسرى السعيد (سورية)
يسرى السعيد (سورية)