أخطاء ليست تاريخية

21 يونيو 2017
+ الخط -
أثار مسلسل الجماعة جدلاً ونقاشاً بين المتخصصين والمهتمين، وعلى الرغم من ثراء النقاش ومواطن الانتقاد وتعدّد المغالطات، فإن ما يلفت الانتباه ويشدّ البصر هو الاستعانة بممثلين تألقوا في الجزء الأول ليتم تسكينهم في أدوار شخصيات أخرى في الجزء الثاني، وهو أمر لا يخرج عن الاحتمالات التالية: عبقريتهم الفذة التي لا مثيل لها أو عدم وجود ممثلين في مصر وندرتهم، أو الرهان على غباء المتلقي وغفلته، أو ممثلون يسعون وراء لقمة عيشهم ولهم ظروف خاصة.
هي احتمالات كلها تدور في الإستسهال ومنزلق الإستهتار ومنحدر عدم الإتقان وانشغال النقاد بالعلاقة التي ربطت جمال عبد الناصر بجماعة الإخوان المسلمين ومنظرّهم سيد قطب، وهو أمر خاطف للاهتمام لمن يشغله التاريخ ودقة الوقائع وصحة الأحداث.
أما من يهتم بالعمل كدراما لها أصول، فيعرف أنّ هناك ما يسمّى بالراكور وهو (أعزكم الله وحفظ أنجالكم) الحفاظ على ملامح وسمات الشخصية أداءً موضوعياً وشكلياً فتتم مراعاة أدق تفصيلات الملابس والإكسسوارات، وهو ما يحفظه المهنيون عن ظهر قلب، أما أن يجسد ممثل ارتبطنا به في دور قدمه في الجزء الأول شخصية مغايرة في الجزء الثاني، فهو هزل في موضع الجد، وتشتيت لذهن المتابع الذي يشعر بإهانته وعدم تقدير تقييمه ومتابعته، فكيف يصير سكرتير النائب العام (في الجزء الأول) صالح عشماوي نائب مرشد الإخوان (في الجزء الثاني)؟ وكيف يصبح أستاذ ومعلم حسن البنّا (في الجزء الأول) أستاذ ومجند رقيب الشرطة الإخواني في رئاسة الجمهورية؟
هي أخطاء كنّا في غنى عنها، لو تحرّينا الدقة في تسكين الأدوار، لأنها تنتقص من مصداقية العمل الفني وجديته، كمن أفسد طعاماً شهياً مكلفاً بسبب ملح قليل، لأن "الجماعة" عمل فني ضخم يتابعه الملايين، حتى أنّ قطاعات كبيرة وشرائح واسعة أضحت تستقي معلوماتها التاريخية منه، متناسية أنّه، في النهاية، عمل فني ونهج درامي، وليس تأريخاً دقيقاً ولا تاريخاً أصيلاً، فعلى من أراد التاريخ، بوثائقه ومراجعه، فهو نهج العارفين ومسلك الفاهمين الواعين.
D5C2955D-3637-43C9-BD92-DB9A172AFFDE
D5C2955D-3637-43C9-BD92-DB9A172AFFDE
طارق البرديسي (مصر)
طارق البرديسي (مصر)