السعودية في العراق.. ما الذي تغير؟

08 اغسطس 2017

مقتدى الصدر في ضيافة ولي العهد السعودي (تويتر)

+ الخط -
جاءت زيارة زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إلى العربية السعودية في خضم الأزمة الخليجية التي خلفها الحصار الرباعي على قطر، وبعد نحو شهرين من قمة الرياض الأميركية الإسلامية، ليطرح أكثر من علامة استفهام بشأن طبيعة هذه الزيارة، خصوصا أنها لم تكن منبتةً عما سبقها من زيارات لمسؤولين عراقيين إلى الرياض وسعوديين إلى بغداد، فمن زيارة وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، بغداد إلى زيارة رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، الرياض، ومن بعده زيارة وزير الداخلية قاسم الأعرجي، كل هذا التبادل الرسمي بين بغداد والرياض توّجته زيارة مقتدى الصدر ولقاؤه بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وما سبقه وتبعه من ترحيب حار في الإعلام السعودي بـ "القائد العروبي الحر".
واهمٌ من يعتقد أن العربية السعودية تتصرف، في سياساتها الخارجية، بناء على مقتضيات مصلحتها الوطنية، وواهم أكثر من يعتقد أن ملف العراق، ومن بعده ملف سورية، يمكن أن يكونا ضمن رهانات الاستراتيجية السعودية، لتمتين مكانتها الإقليمية في المنطقة، وذاك ليس انتقاصا من دور المملكة، ولكن انتقادا لهذا الدور الذي للأسف لم يستفد كثيرا من مقدّراته وقدراته الداخلية والخارجية، الأمر الذي يسهم في جعل المملكة قادرة على أن ترسم خريطة المنطقة، على الرغم من كل التدخلات الدولية والإقليمية.
في العام 2003، وعقب الاحتلال الأميركي العراق، اتخذت العربية السعودية قرارا بعدم التدخل بالشأن العراقي، لا من قريب ولا من بعيد، ما خلا مؤتمر مكة الذي عقد للقوى الوطنية العراقية عام 2006، ولم يكن أكثر من ذر رماد في العيون، ففي وقتٍ كانت فيه إيران تقوّي نفوذها العسكري والسياسي والاقتصادي في العراق، كان الدور الموكل للسعودية تهدئة الأوضاع لمزيد من التمكين الإيراني، من دون أن تعي الرياض ذلك.

عقب الاحتلال الأميركي، انطلقت المقاومة العراقية، بدأتها وبادرت إليها قوى عراقية إسلامية سنية، في وقت أفتت مرجعية النجف بعدم جواز مقارعة المحتل. وعلى الرغم من ذلك، لم تستفد السعودية من وجود قوى عراقية سنية مسلحة، بل لعبت دورا سلبيا تجاهها، بدأته بالإعلام، المتمثل بقناة العربية وصحيفة الشرق الأوسط التي شيطنت تلك المقاومة، ولم تقف عند حد التخلي والتنكر لقيادات سنية عراقية كان لها دور كبير في تفجير المقاومة المسلحة ضد المحتل الأميركي.
أوجدت إيران مقاومة شيعية عراقية، على الرغم من عدم وجودها، وعدم جوازها وفقا لمرجعية النجف، بينما تنكّرت السعودية للمقاومة العراقية السّنية، ورفضت أن تدعمها، ليس لمصلحة العراق وحسب، وإنما أيضا لمصلحة السعودية. وهنا الفرق بين دولة تمتلك رؤيةً ومشروعا وأخرى بقيت تدور في الفلك الأميركي، معتقدة أن واشنطن ووعودها بعدم السماح لإيران في بسط نفوذها على العراق كافية.
واليوم، تعود السعودية إلى ملعب العراق بعد 14 عاما من الاحتلال الأميركي، ونحو عقد من النفوذ والسيطرة الإيرانيين، نفوذ لم يعد يقتصر على مناطق جنوب العراق ووسطه، وإنما امتد إلى المناطق الغربية والشمالية منها، فقادة الحرس الثوري الإيراني يتجوّلون في الأنبار، ويفتتحون مراكز قيادة لهم في الموصل، بعد أن كانت هذه المناطق محرّمة على المحتل الأميركي الذي تجاوز عديد قواته أكثر من 250 ألف مقاتل، بكامل عدّتهم.
تعتقد السعودية، أو هكذا مرّر لها بعضهم، أن نفوذها في العراق يجب أن يبدأ من خلال سحب الشيعة العراقيين من حضن إيران، وهي فكرةٌ كان يمكن أن تكون مقبولة، لو أننا مازلنا في العامين الأولين من الاحتلال الأميركي، أما الآن، وقد تحول العراق، كل العراق، إلى ساحة خلفية لإيران، ولم يعد هناك من طير يطير في سماء بغداد إلا وقد استأذن إيران، فإن ذلك لا يعني سوى العبث.
جاء الانفتاح السعودي على العراق عقب قمة الرياض الإسلامية الأميركية التي شهدت توجها أميركيا وتوجيها لقادة الدول الإسلامية، وفي مقدمتهم السعودية، بضرورة دعم حكومة حيدر العبادي، فواشنطن تعتبره رجلها القوي في العراق، وضرورة أن يحظى بدعم عربي كجزء من السعي الأميركي لتقليم أظافر إيران في العراق.

كما أن السعودية، على ما يبدو، تطمح إلى أن توصل رسالة إلى إيران أنها قادرة على النزول إلى الملعب العراقي، على الرغم من كثافة الوجود الإيراني، وإن هذا النزول يمكن أن يمر عبر بوابة الفتى المشاكس، مقتدى الصدر، كما تسميه طهران، إلا أن ما فات السعودية هو أن الصدر، وإن باعها بعض المواقف، يبقى وفيا لمذهبه، وللدولة راعية هذا المذهب، إيران، لأنه يدرك جيدا أن أي محاولة للعب خلف الخطوط الإيرانية قد تنذر بتسفيره إلى جوار والده، عبر عملية اغتيال، سيتهم بها تنظيم سني متشدّد، مثل "داعش"، الأمر الذي يؤذن بحرب طائفية لا هوادة فيها، تنسحب السعودية منها، ومن آثارها، سريعا، تاركة العراق ليغرق أكثر في مستنقع إيران.
التحرّك السعودي تجاه العراق، وإنْ تأخر، يجب أن يمر أولا عبر بوابة توافق عربي، وقرار جمعي بأهمية استعادة العراق من إيران، يسبقه تنسيق مواقف وإدراك حتمية المواجهة مع إيران. وذاك لعمرك بات طيفا عابرا في ظل ما تقوده السعودية والإمارات من حرب اقتصادية وإعلامية ضد قطر، القوة الاقتصادية والإعلامية الناعمة التي طالما أكدت على ضرورة دعم العراق، عبر العملية السياسية، وتمكين السنّة من استعادة مكانتهم التي فقدوها جرّاء تخلي العرب عنهم، وأولهم السعودية.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...