وليمة رمضانية

وليمة رمضانية

30 مايو 2018
+ الخط -
فوجئت حين قسمت زوجتي راتبي الشهري، وخصّصت الجزء الأكبر منه لمصاريف شهر رمضان وولائمه، أنها لم تقتطع منه مصروفي الشهري. .. نعم، لقد قرأتم العبارة جيداً، فمنذ زواجنا قبل عشرين عاماً، وأنا أحصل على مصروفي الشهري من زوجتي، لكنها أخلّت بالنظام، هذا العام، على الرغم من أنها، في الأعوام السابقة، كانت تقتطع المصروف، وتناوله لي في غير رضا، وترفق ذلك بعبارة: لا أدري ما حاجتك للمصروف، وأنت صائم؟
أما في هذا العام فقد قطعت المصروف تماماً، وأصبح عليَّ أن أذهب إلى العمل بجيب فارغ، طوال أيام الشهر، نعم نعم، فبعضكم يتساءل عن أجرة مواصلات ذهابي، وعودتي من العمل، ولكني لا أدفع تلك الأجرة، ويا لبهجة زوجتي وسعادتها لذلك، لأن سيارة الشركة تقف أمام البيت في موعد ثابت لتحملني، وتعيدني، من العمل وإليه.
قرّرت أن أذكّرها، معتقداً أنها نسيت، في أقرب جلسة تجمعنا، كان ذلك بعد إفطار اليوم الأول من رمضان، فقلت لها، في تردُّد، وقد افترضتُ الاحتمال الثاني: أنها قد نفذت ما انتوت فعله في رمضان الماضي: لماذا لم تصرفي لي مصروفي الشهري، حتى الآن؟ أجابت من دون تردّد: لأن ميزانية رمضان لا تحتمل صرفه، أنظر إلى قائمة الولائم التي أعددتها، وتشمل أقاربك من قريب وبعيد، وستعرف أن راتبي وراتبك لن يكفيا.
نظرت إليها في تساؤل غريب، وقلت: ولكن هذا يحدث كل عام.. فأجابت، وهي تنبهني أنني في كل عام أتذكّر أقارب ومعارف جدُداً، فأضيفهم إلى قائمة المدعوِّين على ولائم منفردة، على سبيل الودّ وصلة الرحم، ويكون ذلك مرة في العام. وفي هذا العام لم أقم بزيارة لا قريب ولا بعيد منذ رمضان الماضي سوى المجاملة في حادثتي وفاة. ولذلك ومن باب تأنيب الضمير، زادت القائمة هذا العام عن كل عام.
ابتلعت لساني، لكن زوجتي لم تفعل، وقالت لي في عتابٍ لا يخلو من غضب إنها تعمل موظفة مثلي، لكنها لا تقتطع لنفسها مصروفاً شهرياً سوى ما يكفي لمواصلاتها، وتعللها الدائم بأنها لا تحب أن تأكل أو تشرب شيئاً خارج بيتها، لا يضع بنداً للمشروبات أو المأكولات في مقرّ عملها، كما تفعل باقي زميلاتها.
كنت على وشك أن أفتح فمي معترضاً، وبأن هذا بخس لحقها، وكان عليها أن تفعل لولا أنها اندفعت في الكلام بقوة، مثلما كان يفعل الدبُّ الروسي، فيما تتراجع جيوش نابليون وهتلر أمامه: وأنا أعود من عملي إلى البيت، لأقوم بكل أعماله، من تنظيف وإعداد الطعام وغسل الملابس، والأهم متابعة دروس الأولاد، فيما تخلد أنت إلى النوم، ثم تستيقظ لتذهب إلى المقهى القريب، حيث تلتقي بأصحابك، وتنفق مصروفك في التدخين، واحتساء القهوة عديمة الطعم.
لم تفكر يوماً كم أوفر من ميزانية البيت، حين لا أستقدم شغّالة.. هل فكرت لو استقدمت شغّالة، لتقوم بالطبخ والتنظيف، كم ستحتاج من ميزانية البيت؟ وهل فكرت أنك لا تحاول مساعدتي في أيِّ شيء يخصُّ بيتنا، علماً أننا نعمل خارجه سويًّا، ونعود إليه، بعد ساعات غياب طويلة ومنهكة؟
أُسقِط في يدي، وشعرت بالحرج، وسرح خيالي بالقائمة التي أعددتها، فيما حاولت أن أنكمش في مقعدي، ولمت نفسي إلى حدِّ التقريع أنني طالبت بمصروفي الشهري الذي كنت سأضعه في جيبي الفارغ، وإذا بي أكتشف أنني أحيا حياةً فارغة، أحاول أن أملأها، خلال رمضان بولائم متفرّقة لأقاربي، وبأنني لا أعرف شيئاً عن أمور بيتي، سوى موضع جواربي وربطات عنقي.
عندما وصلت إلى هذا القدر من التفكير، شعرت بأن جهاز رصد الزلازل المنزلية قد بدأ في العمل، فنهضتُ، وقلتُ لها: وما الحل؟ فأجابت: عليك أن تمنحني جرعاتٍ من الحنان، فهذا الشهر أشعر بالإنهاك والاستنزاف أكثر من أيِّ شهر يمضي عليّ. نظر إلى وجهها، وتأمَّل ملامحها التي كاد أن ينساها، ووضع يده في جيبه الفارغ، وغادر المكان.
سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.