الأردن.. جدل الحدود الشمالية

02 يوليو 2018
+ الخط -
بوغت الأردن بالتصعيد السوري المغطى روسيّاً تجاه سكان الجنوب، مع غض طرف أميركي، فشعر بأنه يدفع نحو استقبال مزيد من اللاجئين السوريين الذين زاد عددهم منذ اندلاع الأزمة على مليون لاجئ. وأمام التهجير اللاإنساني، لم تجد الدولة الأردنية غير التأكيد على عدم قدرتها على استقبال مزيد من اللاجئين وعدم جاهزيتها، وسعيها إلى تخفيف المعاناة على المهجرين، ودعمهم برعاية صحية ومعونات مباشرة من غذاء ودواء في المنطقة الحرة الأردنية السورية، أو في مسافة قريبة من الشريط الحدودي.
أكد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، على العمل مع جميع الأطراف، لضمان وقف إطلاق النار، والعودة إلى اتفاق خفض التصعيد، كما أكدت الحكومة الأردنية على ضرورة تقديم المعونات للاجئين السوريين داخل بلادهم. ولكن الشارع الأردني عبّر عن موقف مختلف مما يحدث. وكان الصدى الأول لموجات السوريين المهجرين من قراهم جنوب سورية، وفي محيط درعا، بدعوات عبر شبكات التواصل الاجتماعي إلى فتح الحدود "لإخواننا السوريين" و"وناصروا إخواننا السوريين". وكان اتفاق جماعة الإخوان المسلمين والليبراليين على هذا الخيار ملحوظاً، فيسأل عضو حزب زمزم، القيادي الإخواني نبيل الكوفحي، عما استفاده الأردن من التنسيق الروسي، وماذا أفاده الحليف الأميركي، وقال إن نظام الأسد مضى في عملياته العسكرية من دون أي مراعاة للاتفاقات المبرمة، فيرد عليه نظيره ضيف البرنامج الحواري التلفزيوني، كمال مضاعين، بالقول "إن مسألة الحدود الشمالية أمنية وهذه الأمور فيها الكثير من المبهم".
وتجلى الصدى الثاني بموقفٍ يرى أن العودة إلى فتح حدود البلاد الشمالية إنسانيا قبل خمس سنوات للسوريين لن يتكرّر، فنتائج ذلك الاستقبال المبالغ به إنسانياً، من وجهة نظر الوطنيين الأردنيين، أو المحافظين، أنتج حالات تمايز اجتماعي بين كتل النظام الولائية واللاجئين، فصار دخل اللاجئ وأسرته داخل المخيم أفضل من العسكري أو الدركي الذي يؤمن اللاجئ. إضافة إلى ذلك، فإن نفقات الأردن على الخدمات المقدمة هائلة، والبنى التحتية لا تحتمل، والمياه غير متوفرة في مناطق الشمال الأردني التي تتركز فيها جموع المهجرين السوريين بكثافة.

أين المعضلة؟ ولماذا تغير موقف الأردن أخيرا؟ في سياق الجواب، يبدو أن ما حدث قبل شهر من موجة احتجاج أردني أطاحت حكومة هاني الملقي دفع إلى التوقف عن أي دعم أو فتح حدود، فالأردن الرسمي لا يريد إعادة إنتاج الربيع العربي من أرضه، وحين بدأ ذلك الربيع لم يكن هناك مليون ونصف لاجئ. كما أن ثمّة كلفا أمنية لتأمين أي موجات احتجاجية قد تؤدي إلى التراخي عن تغطية المخيمات أمنياً، وهذا ما لا تريده الدولة العميقة. إلى جانب ذلك، يشعر الحكم في الأردن بأن الاتفاق مع الروس والنظام السوري على خفض التصعيد تعرّض للخرق من جهة الأردن، وبقي مؤمنا من جهة إسرائيل، وذلك بمباركة أميركية، ولا قبل للأردن على فتح مواجهة جديدة مع الولايات المتحدة بشأن المسألة السورية، فيكتفي، في هذه الحالة، بإغلاق الحدود، ودفع فاتورة المعاملة الإنسانية من تبرعات الشعب وإسهام الحكومة.
في الأثناء، صعدت موجة فيسبوكية رافضة فتح الحدود، ووصل الأمر إلى السباب، والشتم لكل من يقول: "افتحوا الحدود". وفي هذا الظرف الجدلي الافتراضي، راح بعضهم يذكّر بكلفة فتح الحدود ونتائجها على الخدمات التي يشكو الأردنيون من تدنيها. وفي هذا السياق، نشر بعض رافضي هذا الموقف بوستات مفادها أن "حكومة عمر الرزاز السوري الأصل ترفض فتح الحدود الأردنية للاجئين السوريين".
لن يتطور هذا السجال كثيراً، ولن يكون ضاغطاً؛ لأن الحكومة الأردنية قرّرت، بمرجعياتٍ أمنية، عدم فتح الحدود، فما تم استقباله فيما مضى، ومع تنكّر المجتمع الدولي لكل التزاماته المالية، لن يفتح الأبواب مجدّداً، ولن تنشر صور لحرس الحدود وهم يحتضنون أطفالا سوريين، والتي يعلق دعاة رفض فتح الحدود اليوم عليها بأنها كانت أشبة بدعوات ترحيبٍ لمجيء السوريين للبلد. ويبدو، من متابعة الجدل الشعبي أن مؤيدي فتح الحدود أقل بكثير من أصحاب دعوة "مساعدة السوريين على أرضهم"، والتي تتناغم مع الطرح الرسمي للدولة، وتدعم موقفها. وفي سياق الدعم، شكلت لجان شعبية لجمع التبرعات من ماء ودواء ومؤن أرسلت للاجئين.
.. تطل الأزمة السورية على الأردن، مجدّدا، في توقيت ضاغط، مع بدء موجة الصيف الحار الذي يشهد جملة تحديات أردنية، أحد أهم عناوينها الطرح السياسي بشأن مستقبل القضية الفلسطينية وما يثار عن صفقة القرن، لتكون الأزمة السورية عامل ضغط جديدا على الأردن، نتيجة خرق اتفاق خفض التصعيد، وهو خرقٌ لم يكن حدوثه ممكنا من دون مباركة أميركية. وهنا ترى الطبقة الوطنية أن المصلحة الأردنية تقتضي التنسيق أمنيا مع السوريين والروس، وبأي طريقةٍ، لكيلا يتدفق مزيدٌ من موجات اللجوء، وهو ما حدث، ولكن من دون فتح الحدود.
F1CF6AAE-3B90-4202-AE66-F0BE80B60867
مهند مبيضين
استاذ التاريخ العربي الحديث في الجامعة الأردنية، ويكتب في الصحافة الاردنية والعربية، له مؤلفات وبحوث عديدة في الخطاب التاريخي والتاريخ الثقافي.