ماذا يريد بوب وودوارد من "الخوف"؟

23 سبتمبر 2018
+ الخط -
(1)
الخوف أنواعٌ، تتعدّد معانيه وتتفاوت درجاته، وتختلف مقاصده. قد يكون جزعاً، والجزع هنا نقيض الصبر، وقد يكون هلعاً، وتلك مرحلة من الخوف الشديد، سببها توقّع مخاطر محتملة الوقوع، وقد يكون فزعاً، وهو خوفٌ عند طرفٍ يسببه له طرف آخر. لكن كتاب الأميركي، بوب وودوارد، ودعنا نتوافق على أن ترجمة عنوانه "الخوف.. ترامب في البيت الأبيض"، وليس في الغلاف غير وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بحجم "الكلوز آب". الوجه وجه رجل مخيف، أو وجه رجل خائف وجزع، لا فرق. ولعلّي أجنح هنا إلى طرح تساؤلات، أكثر مما أغامر بطرح إجابات. ... لماذا الخوف والجزع؟
(2)
اقتبس بوب وودوارد جملة قالها له ترامب، في لقاء صحافي أجراه معه، في برج ترامب في نيويورك عام 2016، وهو يرتب أمره مرشحاً عن الحزب الجمهوري، "إن القوة الحقيقية، وإن كنت لا أرغب أن أقولها، هي الخوف". لم يفصح ترامب إن كان يقصد خوفه هو من هذه القوة أم خوف الآخرين من تنامي هذه القوة الحقيقية. ألا تفسر تلك الجملة الغامضة استعمال الرجل القوة المفرطة التي أتاحها له المنصب الرئاسي في البيت الأبيض، فيكاد يستأثر بالقرارات الرئاسية منفرداً، ويرسل تغريداته هنا وهناك، غير آبهٍ لمستشاريه ولمؤسسات الحكومة الأميركية التي يفترض أن تعين إدارته؟
(3)
عمل بوب وودوارد، المتخصّص في التحقيقات الرئاسية الأميركية، ومستشار صحيفة واشنطن بوست، عمل هو ورفيقه الصحافي، كارل برنشتين، في إجلاء الحقيقة حول تجسس حزب الرئيس الأميركي الجمهوري، ريتشارد نيكسون، في عام 1973 على مبنى الحزب
الديمقراطي. هزّت الفضيحة أنحاء البيت الأبيض، ولم يكن أمام نيكسون إلا الاستقالة، في سابقة دخلت التاريخ، أول رئيس أميركي يستقيل منذ استقلال الولايات المتحدة الأميركية. كتب بوب وودوارد كتابه "كل رجال الرئيس" عن تلك الفضيحة التي سارت بها الركبان، وصارت شريطا سينمائيا حظي بجوائز، مثلما نال وودوارد نفسه جائزة بوليتزر الأميركية المرموقة عن كتابه ذاك.
(4)
ألا يبدو أن كاتب "الخوف" لم يتروّ ليوثق لرئاسة ترامب؟ أما كان عليه الانتظار حتى تنقضي فترة رئاسة الأخير، فيكون التوثيق والتقييم أميناً وموضوعياً؟ لم يكمل ترامب عامه الثاني في البيت الأبيض، ألا يضعف ذلك مصداقية ما كتب بوب وودوارد، إلا إن كان يتوقع انهيار رئاسة ترامب، حتى قبل أن تتم الانتخابات النصفية للكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل؟
كان هجوم ترامب كاسحاً على وودوارد، اتهمه بالكذب الصراح، وبأن كتابه يدخل في نطاق الروايات الخيالية. بالفعل، ما أن تستغرقك قراءة فصول الكتاب، إلا وتراودك الشكوك بشأن الأقوال التي جاءت على ألسنة الرجال الذين كانوا يحيطون بالرئيس ترامب، حتى إن أحدهم، وداخل مكاتب البيت الأبيض، وصف الرئيس بالغباء.
(5)
اللقاءات المطولة مع رجالٍ عملوا مع ترامب ثم تخلّص منهم، والتسجيلات التي فرّغها، جملة إثر جملة، ثم الوثائق التي أتيح له مطالعتها، تطرح أسئلة بشأن صدقية شهادات رجالٍ كانوا مع الرئيس وتخلّص منهم، فهل أقوال هؤلاء، وقد نقلها وودوارد، ووضعها في الكتاب على ألسنتهم، ممّا يعتدّ بها؟ ولكن تاريخ هذا الصحافي المتميز يوثَق به، وكتاباته عن فضيحة ووترغيت وأحداث "11 سبتمبر" تشهد له بالصدقية، وقد نال جوائز مرموقة عن كتابيه عن هذه الأحداث وتلك الفضيحة. وفي مقابل ما كتب وودوارد، ثمّة تغريدات رجل مثير للجدل، هو الرئيس ترامب، لا تثق بمقدراته في إدارة شؤون البلاد أعدادٌ مقدرةٌ من سكان الولايات المتحدة الأميركية، فيهم جمهوريون وديموقراطيون.
(6)
أميل هنا إلى أن بوب وودوارد يراهن على انهيار إدارة ترامب. الانتخابات النصفية رهينة بتصحيح ترامب سلوكياته السياسية في الداخل والخارج، أو يبقى الاحتمال الأقرب، وهو أن يكسب وودوارد جائزة بوليتزر للمرّة الثالثة، عن كتابه "الخوف".