أجواء متوترة بين فرنسا والبلدان المغاربية

أجواء متوترة بين فرنسا والبلدان المغاربية

17 أكتوبر 2023
من زيارة ماكرون للجزائر، أغسطس 2022 (لودفيك مارين/فرانس برس)
+ الخط -

يقيم رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون علاقات رديئة، إن لم نقل سيئة، مع القادة المغربيين والجزائريين والتونسيين. بغضّ النظر عن الخيبة الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية، ساهم تخفيض منح تأشيرات الدخول لمواطني البلدان المغاربية في استياء السكان.

أجواء متشنجة... رفضت الرباط بدون اكتراث المساعدة الإنسانية الفرنسية بعد الزلزال الذي ضرب جنوب المغرب في 9 سبتمبر/أيلول الماضي (أكثر من 3000 قتيل)؛ ومنعت الجزائر تدريس اللغة الفرنسية في المدارس الخاصة الجزائرية خارج الساعات المحددة رسمياً، وتعتزم تونس قريباً حظر تمويل المنظمات غير الحكومية التونسية بالأموال الأجنبية.

العلاقات بين رؤساء الدول المغاربية والرئيس الفرنسي ليست جيدة، على الأقل. من المعروف أنه لا يوجد توافق بين ملك المغرب محمد السادس وإيمانويل ماكرون؛ كما أن الصداقة المعلنة مع الجار الجزائري ذات كسوف، وتحديد تاريخ زيارة رئاسية محتملة إلى باريس يرقى إلى المهمة المستحيلة؛ أما الرئيس التونسي قيس سعيّد فهو غائب بشكل واضح عن اهتمامات الإليزيه.

العلاقات بين رؤساء الدول المغاربية والرئيس الفرنسي ليست جيدة

هذه ليست ضربة البرد الأولى في مسيرة العلاقات المضطربة بين فرنسا والبلدان المغاربية. لقد قام الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول بطرد السفير المغربي بعد اغتيال المعارض المغربي المهدي بن بركة عام 1965. وقبل ذلك بثلاث سنوات تعرّض الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة إلى غضب الإليزيه بعد مهاجمته القاعدة الفرنسية في بنزرت. وتعرّضت الجزائر إلى حظر على نفطها من قبل الرئيس الفرنسي الراحل جورج بومبيدو بعد تأميم شركات النفط الفرنسية في 1971. لم يحدث شيء من هذا القبيل هذه المرة، ولم يعجّل أي حدث بالأزمة. ومع ذلك، فهي بلا شك الأخطر منذ أكثر من نصف قرن.

تراجع "صُنع في فرنسا"

هي أزمة تأتي من بعيد، وتتجاوز المنطقة إلى حد كبير، ولا تعود سوى جزئياً إلى مسؤولية ماكرون. وأدى تراجع التصنيع في فرنسا، والذي جرى بشكل رئيسي منذ منتصف الثمانينيات، إلى خفض عدد السلع "المصنوعة في فرنسا" المتاحة للتصدير. تخصصها في السلع الفاخرة وصناعة الطيران يتجاوز اهتمام آخر زبائنها في المنطقة المغاربية. وقد انخفضت حصة فرنسا من الواردات من الدول المغاربية الثلاث لصالح القوى التجارية الجديدة مثل الصين، التي أصبحت المورد الرئيسي لها، تليها تركيا، فإسطنبول اليوم هي عاصمة التجارة غير الرسمية التي تزدهر في كل مكان.

مع الجزائر، ابتعدت شركات النفط الفرنسية، بدءاً من أقواها، "توتال"، لصالح شركة "إيني" الإيطالية، التي أصبحت المنتج الأجنبي الرئيسي هناك. السيناريو نفسه بالنسبة للغاز، إذ تستورد إيطاليا أكثر من ثلثي الغاز الطبيعي الجزائري، وإسبانيا الباقي، وليس الآن لشركة "إنجي"، المستورد الفرنسي الذي خلف "غاز دو فرانس" المهيمنة في السابق، سوى وجود ثانوي فقط.

في المغرب، حلت إسبانيا، إحدى دول الاتحاد الأوروبي، محل فرنسا كأول شريك تجاري للمملكة. في إيطاليا، تولت رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني مسؤولية الإنقاذ المالي المحفوف بالمخاطر لتونس المجاورة بتواطؤ من رئيسة الاتحاد الأوروبي أورسولا فون ديرلاين، التي تبحث عن حلفاء للانتخابات الآتية للبرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران المقبل.

وكتب موقع جزائري متخصص، هو ALN54DZ، الذي له صلات جيدة بالأوساط العسكرية: "لم تكف الشراكة والتعاون العسكري مع إيطاليا عن النمو في السنوات الأخيرة والآفاق واعدة للغاية...". وتقوم مراكز بناء وتسليح السفن الحربية الإيطالية بتسليم سفن حربية للبحرية هناك بانتظام، بينما تُكثر باريس من الزيارات واللقاءات بين جنرالات البلدين بدون أي نتيجة ملموسة.

لم يعد الصناعيون الفرنسيون يستثمرون في البلدان المغاربية، باستثناء المغرب

إنه تراجع سياسي وتجاري واقتصادي. لم يعد الصناعيون الفرنسيون يستثمرون في البلدان المغاربية، باستثناء المغرب الذي احتضن أكبر استثمار صناعي فرنسي في المنطقة، وهو بناء مصنع "رينو" الذي ينتج اليوم أكثر من نصف مليون سيارة تُصدّر إلى كل مناطق أوروبا، ويساهم في تراجع التصنيع في فرنسا. يظهر جلياً أن وجود كل شركات الـ"كاك 40" الكبرى تقريباً (المؤشر الرئيسي لسوق الأوراق المالية الفرنسية) لا وزن له في العلاقات الفرنسية المغربية غير الاقتصادية؛ في الواقع، يسعى الجميع، في أوقات العاصفة، أن يُنسي من أين أتى. ويتولى الصينيون زمام الأمر. استثمرت شركة CNGR الصينية 2 مليار دولار في مصنع للبطاريات الكهربائية للسوق الأوروبية حيث يتم قبول المنتجات المغربية معفاة من الرسوم الجمركية.

الإخفاق في قضية التأشيرات

يضاف إلى هذا التراجع، مبادرة غير موفقة للرئيس ماكرون، تمثلت في تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للقدوم إلى فرنسا. ناقص 30 في المائة لتونس، وناقص 50 في المائة للجزائر والمغرب. تم اتخاذ القرار سراً في الإليزيه في أكتوبر/تشرين الأول 2019 وأعلنه وزير الداخلية جيرالد دارمانان، بعد عام في سبتمبر/أيلول 2020، وتم عرضه بطريقة كاريكاتورية.

ترفض القنصليات المغاربية إصدار تصاريح قنصلية وبالتالي لا يتم طرد الآلاف من الذين اتُخذ في حقهم قرار إلزامية مغادرة التراب الوطني. لا حرج، سيتعيّن من الآن فصاعداً، مبادلة المبعدين بالتأشيرات! تبيّن أن الحساب غير مجدٍ، ولم تُسجل زيادة ملحوظة في عدد الأشخاص الذين تم ترحيلهم إلى الحدود، ولم تقم الإدارة الفرنسية بنشر نتائج سياسة تهدف إلى إرضاء اليمين واليمين المتطرف.

مبادرة غير موفقة للرئيس ماكرون، تمثلت في تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للقدوم إلى فرنسا

وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، وعد الوزير دارمانان أثناء زيارته للجزائر العاصمة بالعودة إلى الوضع "الطبيعي". في الواقع، لم يكن الأمر كذلك. كما أن تجريد الإجراءات من الطابع المادي قبل الوصول إلى القنصليّات الفرنسية جعل من الذين يريدون السفر إلى فرنسا أسرى لمافيات تفرض عليهم فديات وتجمّد جوازات سفرهم لعدة أشهر.

تأشيرات أقل ومزيد من المصاعب الإدارية، سرعان ما تجاوز الشجار الدوائر السياسية ليصبح قضية وطنية على الجانب الآخر من المتوسط. يعيش الملايين من سكان شمال أفريقيا في فرنسا، كما أن زيارة الأسرة في الغربة أمر لا بد منه ويسمح بنسيان لبعض الوقت حالة الندرة والتضخم السائدين محلياً. وهذا هو الخطأ الرئيسي الذي ارتكبه المسؤولون الفرنسيون الذين فشلوا في إدراك أن المواطنين، أكثر من الأنظمة، هم أول ضحايا انخفاض عدد التأشيرات. وبعيداً عن الدوائر السياسية، انتشر الاستياء إلى قطاعات كبيرة من السكان.

ولم تكن موسكو وشبكات التضليل التابعة في حاجة إلى أن تطلق حملة مناهضة لفرنسا، فقد تحوّل الرأي العام المغاربي، خصوصاً أنه في سياق الفترة الانتخابية، وعشية الانتخابات الرئاسية الفرنسية ربيع 2022، ضاعفت الصحافة والنشر من المنشورات المعادية للمسلمين.

يُنظر من باريس، على سبيل المثال، في حظر العباءة على أنها لفتة (صغيرة) تجاه الناخبين المحافظين من جانب حكومة هشة محرومة من الأغلبية البرلمانية. ولكن يُنظر إلى ذلك من الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، على أنه دليل، في أقل تقدير، على الكراهية المنتشرة على نطاق واسع في فرنسا ضد الإسلام، وهي كراهية تدينها وسائل الإعلام المحلية بشدة.

تُبرز الحرب في غزة القطيعة بين ضفتي المتوسط: يتعاطف الجنوب مع الفلسطينيين، وفي الشمال تندد السلطات العامة ووسائل الإعلام بدون انقطاع بحركة حماس "الإرهابية". يشكّل التراجع الاقتصادي والتصور بأن المجتمع الفرنسي لا يحب جيرانه الجنوبيين، على عكس الأوكرانيين الذين يتم استقبالهم بشكل جيد، مرحلة جديدة في العلاقات بين فرنسا ومستعمراتها الثلاث السابقة، مرحلة من التطبيع البارد القائم على المصالح وليس على الذكريات أو العادات.

ينشر بالتعاون مع  https://orientxxi.info/ar

المساهمون