ألمانيا: الأزمة الأوكرانية تشرذم السياسات الأمنية لـ"الاشتراكي الديمقراطي"

30 يناير 2022
يؤيد غيرهارد شرودر التمنع الألماني عن تسليم أسلحة لأوكرانيا (توبياس شوارز/فرانس برس)
+ الخط -

يسود التباين في المواقف بين قياديي الحزب الاشتراكي الديمقراطي حول كيفية التعاطي مع روسيا في الأزمة الأوكرانية، على عكس ما كان يرتجى من الحكومة الاتحادية التي يقودها الحزب العريق في برلين.

هذا الواقع استدعى من زعامة الحزب الجديدة التحضير لخلوة يتم فيها توضيح استراتيجيتها المستقبلية للتعاطي مع روسيا، خصوصا مع مواقف حزبية مؤيدة لموسكو ضد أوكرانيا تطفو على السطح، أهمها ما أعلنه أخيرا المستشار الاشتراكي الأسبق، غيرهارد شرودر، في بودكاست، وأثار استياء واسعا في الوسط السياسي.

وتشير المعلومات إلى أن الاجتماع سيعقد غدا الاثنين، ويضم، إضافة إلى الزعيمين المشاركين للحزب ساسكيا أسكن ولارس كلينغبايل، كلا من رئيس كتلة الحزب في البوندستاغ، رولف موتزينيتش، ووزيرة الدفاع، كريستينه لامبرشت، ووزيرة التنمية، سفينيا شولزه، ورئيس ديوان المستشارية، فولفغانغ شميدت، فضلا عن رؤساء حكومات الولايات من الاشتراكي، إلى المسؤولين في مؤسسات الحزب.

وفي هذا الخصوص، أشارت صحيفة "هاندلسبلات" إلى أن الهدف من الاجتماع تحقيق الوحدة بشأن المسألة الروسية وتوضيح استراتيجية التعاطي معها. 

وتنقل الصحيفة عن الباحث السياسي، والأستاذ في جامعة البوندسفير في ميونخ، كارلوس ماسالا، أن "حاجة الاشتراكي لترتيب وضعه واضحة، لأن سياسة الاشتراكي تجاه روسيا كانت حتى الآن مناروة عبثية. فمن ناحية، نجد الأمين العام للحزب، كيفين كوهنرت، ورئيس الكتلة البرلمانية، موتزينيتش، وخبير السياسة الخارجية، رالف شتيغنر، يرفضون بشكل أساسي المساعدة العسكرية لأوكرانيا، حتى إن الأخير يرفض خطاب التصعيد غير المسؤول بلغة الحرب الباردة، ويرى هؤلاء أن المطلوب مفاوضات مع مقترحات بناءة، من دون ممانعتهم الاستعداد الجزئي فقط لعقوبات صارمة ضد روسيا في حال غزوها لأوكرانيا، إلى استخدام بعض نواب الحزب داخل البوندستاغ لغة واضحة وقاسية تجاه روسيا بشأن الأزمة مع أوكرانيا".

ومن ناحية أخرى، فإن المستشار شولتز، الذي يتمتع بمصداقية كبيرة، يتخذ موقفا أكثر تشددا داخل الحكومة الفيدرالية، و"على استعداد لدعم العقوبات الشاملة في حالة الحرب"، وحتى فيما يتعلق بخط أنابيب الغاز "نورد ستريم2"، رغم أنه قال في أوقات سابقة إن خط الغاز "مشروع اقتصادي خاص"، والموافقة على تشغيله لا تمتلك أي بعد سياسي. إلا أن الأستاذ في جامعة البوندسفير في ميونخ ماسالا يستدرك: "لكن المعارضة داخل الحزب لمثل هذا المسار الصعب أجبرته مرارا وتكرارا على إبداء رأي متوازن ومنخفض، مضيفا أن العبارة السائدة لدى الاشتراكي الديمقراطي بشأن الأزمة بين روسيا وأوكرانيا أصبحت وضع "جميع الخيارات على الطاولة ".

إلى ذلك، برز الموقف المدوّي الذي أطلقه أخيرا الصديق المقرب من بوتين، المستشار شرودر، الذي يحظى برأي مؤثر في صفوف الاشتراكي، فاتهم عبر بودكاست وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك بـ"استفزاز روسيا"، لأنها زارت كييف قبل موسكو، وفي الوقت نفسه دافع عن التمنع الألماني بتسليم أسلحة إلى أوكرانيا، ودعا الحكومة في أوكرانيا إلى "وقف قعقعة السيوف".

في ضوء هذه التصريحات، اعتبر السياسي عن المسيحي الديمقراطي، كريستو بلوس، أنه "يجب حرمان شرودر من مكتبه في البوندستاغ"، وموضحا مع "دير شبيغل" أن تصرف الأخير "محرج ولا يليق بمستشار سابق"، ومن أنه "إذا كان يضغط علنا لمصالح الدولة الروسية، فلا ينبغي على الأقل أن يحظى بدعم دافعي الضرائب الألمان، ويجب أن تمنع عنه الامتيازات الممولة من الضرائب لمستشار أسبق، ما لم يتنازل عنها طوعا".

في السياق نفسه، أشار ماسالا إلى أن "على الحكومة توضيح موقفها الإشكالي من روسيا في ظل نهجها المتمثل في الاعتماد على الدبلوماسية فقط"، مشيرا إلى أن "هناك مشكلة أخرى للاشتراكي فيما خص تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا، وذلك بعد أن قال شولتز الأسبوع الماضي، وبوضوح، أن لا أسلحة فتاكة لكييف، تطبيقا للاتفاق الحكومي بأن ألمانيا ليست مورد أسلحة إلى مناطق النزاعات".

وفي المحصلة، رأى الباحث أنه ليس من الواضح ما هي الاستنتاجات التي سيستخلصها الاشتراكيون الديمقراطيون من الأزمة الحالية لسياستهم المستقبلية تجاه روسيا، لافتا إلى أن "الاشتراكي يحتاج فقط للعودة إلى تقاليده"، وأنه "منذ الستينيات من القرن الماضي كانت سياسات الأمن للاشتراكي تستند دائما إلى رؤية واضحة، مفادها أن مثل هذه المواقف ممكنة فقط من موقع القوة والأمن الذاتي. وهذا يعني بأن التعاون مع روسيا ضروري على المدى الطويل، لأنه بدون روسيا لا يمكن أن يكون هناك استقرار في أوروبا، وعلى المدى القصير إلى المتوسط يجب على ألمانيا أن تضمن شعور الشركاء الأوروبيين بالأمان من الاتحاد الروسي".

وأكد ماسالا أن "الأمر يتعلق بالأمن العسكري"، قبل أن يبرز أن "الاشتراكي نسي شيئا واحدا منذ العام 1990 وفيه، أنه في السياسة الدولية لغة القوة هي العملة الأكثر أهمية، وروسيا أتقنت لغة القوة هذه ولا تفهم سواها".  

المساهمون