اعتقال عمران خان للمرة الثانية... ما هو هدف الحكومة؟

07 اغسطس 2023
قوات الأمن تعتقل مناصراً لخان أول من أمس (حسين علي/الأناضول)
+ الخط -

في وقت تتعدد الأزمات الأمنية والاقتصادية في باكستان، تتحدث كل الأطراف في البلاد عن وجود حاجة ملحة من أجل إيجاد لحمة وطنية للقضاء على حالة الانقسام السياسي السائد في البلاد.

لكن ما يحصل حالياً في البلاد يسير بخلاف ما تدعو إليه الأطراف المعنية بالأزمة، ويزيد من الانقسام والتوتر على كل الأصعدة، خصوصاً بعد اعتقال رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان أول من أمس السبت، بعد الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات لإدانته بتهمة الكسب غير المشروع في قضية تتعلق بتلقيه هدايا أثناء تولي منصبه.

ونقل خان إلى سجن أتوك في إقليم البنجاب الشرقي، في ظروف احتجاز بعيدة كلياً عن ملابسات احتجازه في مايو/أيار الماضي، عندما نقل إلى دار ضيافة مجهزة جيدا في مجمع للشرطة بإسلام أباد بموجب أمر من المحكمة العليا. ثم سمح له باستقبال الزائرين والاجتماعات مع زملائه في الحزب.

ويعرف سجن أتوك بأوضاعه القاسية، ومن بين نزلائه مسلحون مدانون. وفيما قال محامي حزب حركة الإنصاف الباكستانية شعيب شاهين، لوكالة "أسوشييتد برس"، إن شرطة السجن رفضت دخول فريق قانوني ذهب لمقابلة خان، يقول منتقدون للتحالف الحاكم إن الجهود المبذولة لوضع خان خلف القضبان لها دوافع سياسية، وقد تكثفت قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في وقت لاحق من هذا العام، وهو ما يجعل دعوات لمسؤولين فيه إلى الوحدة تقابل بتشكيك واسع.

وبالتزامن مع اعتقال خان، كان زعيم التحالف الحاكم في البلاد زعيم جمعية علماء الإسلام المولوي فضل الرحمن يدعو، الأول من أمس السبت، جميع الأطراف للعمل من أجل القضاء على الانقسام السياسي في البلاد وتقوية اللحمة الوطنية. وجاء ذلك خلال اجتماع قبلي في بيشاور شمال غربي باكستان، بمشاركة عدد كبير من السياسيين والزعماء القوميين، وفي غياب القبائل المشهورة في المنطقة، خصوصاً في شمال غرب البلاد.

لكن فضل الرحمن انتقد في الاجتماع نفسه خان، الذي ينتمي عرقياً إلى قبائل نيازي في شمال غرب باكستان وله نفوذ كبير في أوساط تلك القبائل، وفي مناطق شمال غرب باكستان.

عبد الصبور زبير: المؤسسة العسكرية بدأت تلعب بشكل خطر وحساس للغاية

وكان رئيس الوزراء شهباز شريف أكد، في تصريح الجمعة الماضي، أن البلاد تحتاج للعمل بين كافة الأطياف وعلى كافة الأصعدة، وأن حزبه وحكومته مستعدان للقيام بذلك. لكن شريف اعتبر، في المقابل، أن عمران خان هو السبب وراء ما تشهده باكستان، وأن حكومته تحملت الكثير من المشقات من أجل إخراج البلاد من المأزق الحالي، وما فعلته حكومة خان المُقالة بحق البلاد والشعب.

استمرار الصراع بين الحكومة الباكستانية والمعارضة

وتعكس هذه التصريحات استمرار الصراع بين الحكومة والمعارضة، خصوصاً حزب "حركة الإنصاف" بزعامة خان، في حين رأى كثر أن اللاعب الرئيسي وراء الصراع هو المؤسسة العسكرية.

هذا الأمر كان خان أشار إليه في خطاب، في 30 الشهر الماضي، في إطار إدانته الهجوم الدموي على مؤتمر لجمعية علماء الإسلام في مقاطعة باجور شمال غربي البلاد، والذي أدى إلى مقتل أكثر من 50 شخصاً، وإصابة نحو 200.

وقال خان، وقتها، إن المعضلة الأساسية هي أن القوات المسلحة واستخبارات البلاد مشغولة بالسياسة الداخلية، وقمع كل من ينتقدها في الداخل، تحديداً "الإنصاف". وأكد أنه من المفترض على القوات المسلحة والاستخبارات التركيز على القضاء على كل من يعبث بأمن البلاد، لكن مع الأسف الشديد فإن المؤسسة العسكرية والاستخبارات منشغلتان بالوضع السياسي وملاحقة السياسيين.

وقبل هذا الخطاب، كان كثر يرون أن الأمور بين المؤسسة العسكرية وعمران خان و"الإنصاف" عادت إلى طبيعتها، وأن رئيس الحكومة السابق بدأ يصمت حيال المؤسسة العسكرية، التي بدأت تغير طريقة تعاملها معه.

استغلال جهات الوضع بين خان والمؤسسة العسكرية

إلا أن الجميع أيقن، بعد الخطاب، أن الأمور السياسية لا تسير على المسار الصحيح، ما ستكون له تأثيرات كبيرة على الوضعين الأمني والاقتصادي. كما أن هناك جهات لا تزال تستغل الوضع بين المؤسسة العسكرية وخان.

وكان فضل الرحمن، الذي يعتبر أحد أبرز المعارضين لخان، أكد، خلال عزاء لأنصار حزبه الذين قضوا في هجوم باجور، أن "القوى الدولية وراء ما يحدث في بلادنا، ونحن نعرف جيداً أن المسؤولين الصينيين أرادوا زيارة إسلام أباد"، إلا أن "الإنصاف" قام باعتصامات واحتجاجات من أجل منع هذا الأمر، مشيراً إلى وقوع التفجير الدموي بموازاة زيارة نائب رئيس الوزراء الصيني هي ليفنج إلى إسلام أباد، ما يعني أن جهة واحدة تستهدف بشكل ممنهج العلاقات الصينية الباكستانية.

انحياز المؤسسة العسكرية يزيد من الانقسام

وفي ظل تعدد الجبهات التي تواجهها المؤسسة العسكرية، وتدهور الحالة الأمنية في البلاد، رأى خبراء أن دور المؤسسة في الشؤون السياسية غير صائب، وأنه آن الأوان لأن تهتم بأمن الدولة واستقرارها، معتبرين أن انحيازها إلى جهة سياسية دون أخرى أدى إلى حالة من الانقسام في البلد.

وقال المحلل السياسي عبد الصبور زبير، لـ"العربي الجديد": كلنا نعرف أن المؤسسة العسكرية تتدخل في السياسة في باكستان، لكن في السنوات الأخيرة بدأت تلعب بشكل خطر وحساس للغاية.

وأشار إلى أنها "تحتضن حزباً سياسياً، فيما تضرب حزباً آخر، ولعل هدفها هو الاصطياد في الماء العكر، لكنها لا تدري أن الأمور بدأت تخرج عن سيطرتها رويداً رويداً". وأوضح أنه ثمة تغيرات كبيرة حصلت في المنطقة، ومن هنا آن الأوان لأن تهتم المؤسسة العسكرية بمواجهة التحديات الأمنية بدلاً من الاهتمام بالساحة السياسية.

محمد عمير خان: هدف الحكومة من توقيف خان تأجيل الانتخابات

واعتبر زبير أن اعتقال عمران خان، الأول من أمس، للمرة الثانية (كان اعتقل في مايو/أيار الماضي أمام محكمة في إسلام أباد)، لم تكن له انعكاسات في الشارع، كما حدث في المرة الأولى، بسبب قمع قوى الأمن وأجهزة الاستخبارات والمؤسسة العسكرية المتظاهرين وقتها، والذين يواجه العشرات منهم قضايا أمام المحاكم العسكرية.

وأشار زبير إلى ما قاله شهيب شاهين، وهو أحد محامي عمران خان، والذي أعلن، في مؤتمر صحافي عقب اعتقال رئيس الحكومة السابق، أن جهات مجهولة، في إشارة إلى الاستخبارات، كانت تستعد منذ أيام لاعتقال خان، وهي منعت الشهود من المثول أمام المحكمة، مشدداً على أن هناك انقلابا عسكريا في البلاد بشكل غير مباشر.

تغيير "الإنصاف" استراتيجيته

أما حزب "حركة الإنصاف" فيبدو أنه غير استراتيجيته هذه المرة، بعد أن واجه أنصاره المحاكم العسكرية نتيجة أعمال الشغب في 9 مايو الماضي، بعد اعتقال خان للمرة الأولى.

وبعد أن بث تسجيلاً مصوراً لخان، سجل قبل اعتقاله، دعا فيه أنصاره للخروج إلى الشارع من أجل الحفاظ على الديمقراطية والوصول إلى الهدف المنشود، وهو أن تكون للجميع حرية انتخاب حكام البلاد، عقدت قيادة "الإنصاف" اجتماعاً، برئاسة نائب زعيم الحزب ووزير الخارجية السابق شاه محمود قرشي، وطلبت من أنصار الحزب الخروج إلى الشوارع، ولكن في إطار الدستور وعدم القيام بأي أعمال شغب.

لكن الحكومة استبقت تحركات أنصار خان عبر شن حملة في مختلف مناطق البلاد، اعتقلت خلالها 64 ناشطاً في الحزب، بينهم نساء، رغم أنهم كانوا في طور تنظيم التظاهرات، وفق إعلان "الإنصاف" مساء الأول من أمس السبت. وأعلنت الحكومة المحلية في إقليم خيبربختونخوا تفعيل المادة 144 في الدستور، والتي يحظر بموجبها تجمع الناس، وهو ما يمثل سيفاً مسلطاً على أنصار خان، خصوصاً في شمال غرب البلاد حيث لرئيس الحكومة السابق نفوذ كبير.

المحكمة العليا الأمل الوحيد لخان

واعتبر الخبير القانوني محمد عمير خان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن نقل "الإنصاف" القضية إلى المحكمة العليا هو الأمل الوحيد أمام الحزب لإلغاء قرار محكمة إسلام أباد سجن عمران خان مدة ثلاثة أعوام.

وأوضح أن هناك العديد من الأمور التي يمكن بموجبها إلغاء قرار السجن، منها أن محامي خان يرون أنه لم يُسمح للشهود بالمثول أمام المحكمة، كما أنهم تعرضوا إلى مضايقات، بالإضافة إلى أنهم كانوا قدموا اعتراضاً أمام محكمة إسلام أباد قبل صدور قرار سجن خان.

وعن هدف الحكومة من توقيف خان في هذا التوقيت، رأى عمير خان أن هناك هدفين: تأجيل الانتخابات (المقررة في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني المقبل)، في ظل قرار الأحزاب الحاكمة أن تجرى على أساس التعداد السكاني الجديد، ما يعني أن الانتخابات ستؤجل على الأقل مدة نصف عام كي تُرتّب الأمور، وهذا ما أشار إليه وزير القانون الباكستاني عظيم نذير تارر أخيراً، وعمران خان كان يعتبر إحدى العقبات التي تواجه هذا الأمر. وبالتالي فإن وجوده في السجن قد يؤدي إلى تهدئة الأوضاع، ما سيمهد الطريق أمام الحكومة لتمرير هذا الأمر.

وأشار عمير خان إلى أن الأحزاب الحاكمة، ومن ورائها قوى أخرى (في إشارة إلى المؤسسة العسكرية)، تريد إبعاد عمران خان عن الانتخابات، لذا فإن بقاءه في السجن سيجعله غير مؤهل لخوضها. واعتبر أنه إذا قامت المحكمة العليا بإلغاء قرار سجن عمران خان، فإن الحكومة ستقوم باعتقاله في قضية أخرى لإبعاده عن المشهد السياسي.

المساهمون