التعديلات الحكومية في تونس: محاولة لامتصاص "الغضب الشعبي"؟

05 مايو 2023
بعض المناصب بقيت شاغرة حتى هذه اللحظة (Getty)
+ الخط -

منذ تشكيل حكومة نجلاء بودن في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2021، أعلنت السلطات التونسية عن 8 إقالات في مناصب حكومية مختلفة، دون الإفصاح عن أسباب الإقالة أو معايير تعيين خلفهم، في خطوة قرأها البعض بأنها محاولة من سعيّد للتضحية ببعض المسؤولين لتجنب "الغضب الشعبي". 

وكان آخر هذه التعديلات إنهاء مهام وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة نويرة القنجي، أمس الخميس، بحسب ما أعلنه بيان للرئاسة التونسية.

وجاءت إقالة القنجي بعد ساعات قليلة من تصريحات إعلامية أدلت بها حول اقتراب حكومة نجلاء بودن، من وضع اللمسات الأخيرة في خطة توجيه الدعم نحو مستحقيه بما في ذلك الدعم الطاقوي.

وأعلنت الوزيرة المقالة على هامش حفل لوضع حجر أساس لإنشاء مصنع جديد، عن اقتراب الحكومة من إعداد البرنامج. وقالت إنّ "الخطة التاريخية للتعديل في أسعار المحروقات ستتوضح مع انتهاء الحكومة من إعداد برنامج إصلاح منظومة الدعم".

وأشارت الرئاسة التونسية، في بيان نشرته يوم الخميس، إلى أنّه "ليس من حق أي جهة كانت في تونس أن تتصرف خلافاً للسياسة التي يحددها رئيس الجمهورية".

وخلال لقائه رئيسة الحكومة نجلاء بودن، إثر إعلان إقالة وزيرة الصناعة، شدّد رئيس الجمهورية على ضرورة أنّ "يشعر كل مسؤول في كل لحظة بأنّه في خدمة الدولة التونسية وفي خدمة المجموعة الوطنية، وأن يكون مثالاً يحتذى به في الانضباط وفي التقشف سواء في عمله أو خارجه"، على حد تعبير البيان.

وتعد القنجي عضو الحكومة الثامن الذي يغادر حكومة بودن، فيما لم يعلن سعيّد عن خلفها لتسيير حقيبة الصناعة والطاقة والمناجم. 

وهذه الخطوة ليست الأولى من نوعها، إذ إنّ سعيّد لم يعيّن بعد خلفاً لوزير التشغيل، وكذا متحدثاً باسم الحكومة منذ إقالة الوزير نصر الدين النصيبي في 22 فبراير/شباط 2023، كذلك لم يعيّن كاتب دولة للخارجية بعد مغادرة كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية المكلفة بالتعاون الدولي عايدة حمدي، في 7 مارس/آذار 2022، وربما تم التخلي عن هذه الحقيبة تماماً دون توضيحات بمرور أكثر من سنة على شغورها.

وتوالت التعديلات على حكومة بودن دون توضيح أسباب الإقالة أو الإعفاءات أو معايير تعيين البدلاء في الوزارات أو أسباب بقائها شاغرة، خلافاً لما اعتاده التونسيون سابقاً من مساءلة الحكومات والوزراء في العلن أمام البرلمان وفي وسائل الإعلام.

في السياق، أكد المحلل السياسي شكري بن عيسى في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّه "قبل الخوض في أسباب الإقالة وتعويضهم وجبت الإشارة إلى أنّ تعيين الحكومة بالأساس كان مخالفاً لكل المعايير السياسية، فضلاً عن المعايير الدستورية، لأن رئيس الجمهورية قبل سنة ونصف عندما عيّن حكومة بودن كان خارج إطار الدستور تماماً، وحتى اختيار الحكومة لم يكن على أساس الكفاءة وإنما على أساس الموالاة، فلا يجب أنّ تنازع الحكومة قيس سعيّد في أي مجال، وهذا كان واضحاً حتى قبل ذلك في اختياره رؤساء الحكومات وآخرهم هشام المشيشي".

وأضاف: "كان أصحاب هذه المناصب كأنهم موظفون حكوميون في إدارة أو وزارة لدى قيس سعيّد، وليسوا وزراء مكلفين بمهام ورؤية استراتيجية".

وأفاد المحلل السياسي بأنّ "معيار التعيين مهم لفهم معيار الإعفاء أو التقييم، فالتقييم لم يتم على أساس خطة وبرنامج، وإنما على أساس الموالاة لسعيّد من جهة، ومن جهة أخرى عدم منافسته في الكلمات المفاتيح التي يطلقها".

وأشار المتحدث إلى أنّ "كلمة سعيّد خلال لقائه بودن تناولت عدة إشارات مهمة، أولاها التنسيق داخل الحكومة أي التناسق مع ما يصرح به هو، وثانياً أنّ من يرسم السياسات العامة للحكومة وخاصة الخارجية هو رئيس الجمهورية، وثالثاً أنّه لا يجب أنّ تتدخل الأطراف الأجنبية، باعتبار أنّ ما صرحت به وزيرة الصناعة هو إملاء من صندوق النقد الدولي".

وحول تواصل أزمة التعليم وارتفاع الأسعار والمضاربة التي تسببت في إقالة وزيري التجارة والتعليم، بيّن بن عيسى أنّ "المهم لسعيّد ليس حل الأزمة المتواصلة اقتصادياً واجتماعياً، بل ألا تتسبب له في غضب وامتعاض شعبيين، فهو يعتمد على الإقالة لامتصاص الغضب الشعبي".

وأكد المحلل أنّه "لا توجد آليات عمل وحوكمة وإدارة فيها بعد سياسي للتقييم وتجاوز الأزمات لدى سعيّد، وهذا يتطابق مع مبدأ الاعتباط وغياب معايير في التعيين كالكفاءة والجدارة والتناظر".

وشدّد على أنّ "رئيس الجمهورية لا يقبل أنّ يكون هو الخاسر، بل يجب أنّ يكون هناك كبش فداء، وهذه الطريقة فيها دهاء ومكر سياسي كبير يمكنانه من أن يكون المتحكم الأساسي في خيوط اللعبة".

وفي السياق، قال رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية وأستاذ القانون الدستوري شاكر الحوكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّه "في الواقع من الصعب الحديث عن القانون والدستور في فهم أو تتبع ما يجري اليوم من أحداث سياسية في تونس، لاسيما في ما يتعلق بالتعيينات، فالرئيس قيس سعيّد منذ أن قرر أن ينقلب على دستور عام 2014 وإعلان حالة الاستثناء، خرج عن كل معيار قانوني أو أعراف أو حتى ضوابط، ومن الصعب الاستناد إلى المرسوم 117 أو دستوره الذي صاغه بخط يده للعثور على أساس قانوني لهذه التعديلات الحكومية".

وأضاف: "سعيّد يتصرف وفق إرادة مطلقة تتميز بالارتجال والاعتباط، فتراه يعزل الولاة والوزراء وحتى رؤساء البلديات والهيئات التعديلية بلا ضابط".

وتابع أنّ "الأمر يتوقف على انفعالاته وغرائزه والمجريات اليومية التي قد تواجه أي مسؤول في الدولة، فإن قام بأي عمل أو صرح تصريحاً لا يوافق عليه قد يجد المسؤول نفسه مقالاً أو معزولاً دون أي تمهيد أو تفسير أو تبرير". 

وتتلخص التعديلات التي شهدتها حكومة بودن في تعيين محافظ تونس العاصمة كمال الفقي وزيراً للداخلية، خلفاً لوزير الداخلية المقال توفيق شرف الدين الذي أعلن استقالته في وسائل الإعلام يوم 17 مارس/آذار 2023، بينما بقي منصب محافظ العاصمة دون بديل حتى اليوم. وفي 7 فبراير/ شباط، تم إنهاء مهام وزير الشؤون الخارجية والهجرة عثمان الجرندي، وتعيين السفير نبيل عمّار خلفاً له.

كما أقال سعيّد في 30 يناير/كانون الثاني الماضي، وزيري الفلاحة والتعليم محمود إلياس حمزة وفتحي السلاوتي، وعيّن خلفاً لهما كلًّا من العسكري عبد المنعم بلعاتي وزيراً للفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، والنقابي محمد علي البوغديري وزيراً للتعليم. وقبلهما أقال سعيد في 7 يناير/كانون الثاني 2023، وزيرة التجارة وتنمية الصادرات فضيلة الرابحي من منصبها، وعيّن كلثوم بن رجب وزيرةً للتجارة خلفاً لها.

المساهمون