الرئيس الجزائري يحلّ البرلمان ويقرر إجراء انتخابات نيابية مسبقة وتعديل وزاري

18 فبراير 2021
أول خطاب يوجهه الرئيس الجزائري إلى "الأمة" منذ توليه المنصب (الرئاسة)
+ الخط -

أعلن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، اليوم الخميس، عن قراره حل البرلمان وتنظيم انتخابات نيابية مسبقة لم يعلن عن تاريخها، وعن عفو رئاسي عن 60 من نشطاء الحراك الشعبي ومعتقلي الرأي، كما كشف عن تعديل وزاري في عدة قطاعات يعلن عنه غداً الجمعة أو بعد غد السبت.   

وقال تبون، في خطاب إلى الأمة هو الأول من نوعه يتوجه به إلى الشعب الجزائري منذ تسلّمه السلطة في 19 ديسمبر/كانون الأول 2019: "قررتُ أن أحلّ المجلس الشعبي الوطني (دون مجلس الأمة)، وسنمرّ مباشرة إلى تنظيم انتخابات نيابية مسبقة تكون خالية من المال الفاسد"، مشيراً إلى أنّ هذه الانتخابات "يجب أن تفتح الباب واسعاً للشباب الذي يجب أن يقتحم المؤسسات السياسية والبرلمان، بتشجيع ومساعدة منا"، مضيفاً: "قلتُ إنّ الشباب الذين يريدون أن يكونوا في هذه المؤسسات سندعمهم بتمويل حملتهم الانتخابية، وهكذا يتم ضخ دم جديد في المؤسسات والبرلمان الذي يكون عين المواطن ويراقب الحكومة". 

والتزم تبون بضمان كامل لنزاهة وشفافية الانتخابات النيابية المسبقة "والتي ستشرف عليها الهيئة المستقلة للانتخابات، ودون أي تدخل للإدارة ولا حتى رئيس الجمهورية"، مشيراً إلى أنه "يجب انتخاب برلمان شرعي والعمل على إنهاء كل شك في مؤسسات الجمهورية، والاستجابة لمطالب الحراك الشعبي"، لكنه أكد أنّ "التغيير لا يتحقق إلا بتغيير النصوص وانتخاب مؤسسات قوية شرعية وغير مطعون في شرعيتها، حيث قلّص الدستور من صلاحيات رئيس الجمهورية وعزز صلاحيات المنتخبين والبرلمان". 

وكان الرئيس الجزائري قد أعلن، في شهر يناير/ كانون الثاني 2020، مباشرة بعد تسلّمه السلطة، عزمه تنظيم انتخابات نيابية مسبقة قبل منتصف السنة الماضية، لكن الأزمة الوبائية جراء فيروس كورونا التي دامت في العالم والبلاد، دفعت إلى إرجاء ذلك، وأعلن في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي نيته تنظيم هذه الانتخابات قبل نهاية السنة، حيث كان قد شكّل في الشهر نفسه لجنة لصياغة مسودة قانون انتخابي جديد تمهيداً لهذه الانتخابات، لكن الرئيس تعرض في 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لوعكة صحية دفعته إلى المغادرة باتجاه مستشفى في ألمانيا، على مرحلتين، حتى عودته في 12 فبراير/ شباط الجاري، ما أدى إلى إرجاء تنفيذ هذه الانتخابات.  

ويفتح قرار تبون إجراء انتخابات نيابية مسبقة الباب واسعاً للأحزاب السياسية استنفار كوادرها وقواعدها، للبدء في ترتيب  قوائم مرشحيها. وفي 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، وزعت الرئاسة مسودة قانون انتخابي جديد على الأحزاب السياسية لمناقشته وتقديم مقترحات بشأنه، وتلقت اللجنة 48 وثيقة مقترحات من قبل الأحزاب ومجموعات تفكير، كما استقبل تبون، الاثنين الماضي، أعضاء لجنة الصياغة لمناقشة آخر تفاصيل القانون الجديد الذي قد يتم إصداره في غضون أيام بأمر رئاسي.

وهذه هي المرة الثالثة في التاريخ السياسي للجزائر التي يتم فيها حل البرلمان وقطع العهدة النيابية منذ استقلال البلاد عام 1962، بعد حل وتعطيل المجلس التأسيسي من قبل الرئيس الراحل هواري بومدين، في 19 يونيو/ حزيران 1965، عقب الانقلاب على الرئيس أحمد بن بلة، إذ ظلت البلاد بدون مؤسسة تشريعية حتى عام 1976؛ وأيضاً بعد قرار الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد تنظيم انتخابات نيابية مسبقة في يونيو/ حزيران 1991، أُجلت لاحقاً إلى 26 ديسمبر/ كانون الأول من نفس السنة كدور أول، و 16 يناير/ كانون الثاني 1992 للدور الثاني؛ كما تم حل البرلمان في الرابع من يناير/ كانون الثاني 1992، أي قبل 12 يوماً من إجراء الدور الثاني، والذي لم يجر بسبب تدخل الجيش وإلغاء كامل المسار الانتخابي في 12 يناير/ كانون الثاني 1992، ما أدخل البلاد في أتون أزمة أمنية دامية.  

وفي سياق آخر ،كشف تبون عزمه على إجراء تعديل حكومي، بسبب عجز بعض الوزراء عن تأدية مهامهم، وقال: "أعرف وأستمع لانتقادات المواطنين للسلطات وبعض القطاعات في الحكومة، استمعت لنداءاتكم ولذا في غضون 48 ساعة على أقصى حد سأعلن عن (تعديل حكومي) غداً أو بعد غد يشمل القطاعات التي يشعر المواطن ونشعر نحن أيضاً بأنها بنقص في تأديتها لمهامها وحل مشاكل المواطنين". 

وقرر تبون عفواً رئاسياً عما يقارب 60 موقوفاً من نشطاء الحراك الشعبي، بينهم 30 ناشطاً تقرر إخلاء سبيلهم فوراً، بينما ينتظر استكمال التحريات وصدور الأحكام النهائية على الـ30 المتبقين، حيث لا يسمح القانون الجزائري بتطبيق عفو رئاسي على من لم تصدر أحكام نهائية بحقهم، وقال إنّ هذا العفو تقرر، على مقربة من "أيام من الحراك الشعبي الأصيل الذي أنقذ الجمهورية من مأساة كانت تتجه فيها"، ويأتي هذا العفو استجابة لدعوات سياسية طالبت الرئيس بتدابير تهدئة والإفراج عن الموقوفين.  

وأكد تبون التزامه بأن يكون الدستور الجديد الذي عرض للاستفتاء في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بكل مضمونه، قيد التطبيق في غضون أشهر، وأعلن تنصيب ورشة لمحكمة دستورية بدلاً من المجلس الدستوري، وتنصيب وشيك للمرصد الوطني للمجتمع المدني، وإصدار مرسوم تنصيب المجلس الأعلى للشباب.

حصيلة سياسية

وخلال الخطاب، الذي يأتي بمناسبة ذكرى "عيد الشهيد" الذي تحتفل به الجزائر في 18 فبراير/ شباط من كل عام، قدم تبون حصيلة منجزات السنة الأولى من حكمه، وقال: "غيّرنا أساليب وسلوك الحكم، ونفذتُ وعدي بالتكفل بالجزائريين من سكان مناطق الظل، ورغم الصعوبات المالية ورغم الجائحة، نفذت وعدي أيضاً برفع الحد الأدنى للأجور وإعفاء محدودي الدخل من الضرائب، والذي يمس أكثر من ستة ملايين".

وهاجم تبون مجموعات جزائرية معارضة، وقال "بعض الجزائريين يريدون بثمن بخس بيع هذا الوطن، وهؤلاء الذين يريدون الشر لبلادنا لم يرق لهم نجاح بلادنا في مواجهة الأزمة رغم تراجع مداخيل البلاد، والمال الفاسد الذي كان يسير إلى تضخيم الفواتير يذهب لحل مشكلات الجزائريين".   

وأشاد تبون بما اعتبره نجاح الجزائر في مكافحة وباء كورونا، قائلاً "نحن الدولة الوحيدة التي تبلغ معدلات الإصابة أقل من 180 إصابة في اليوم، بينما هناك دول تعد آلاف المصابين بكورونا يومياً"، مشيراً إلى أن "الجزائر ستصنع لقاح كورونا بالتعاون مع شركائنا الروس، وسنفيد بذلك البلد وجيراننا في أفريقيا".

القضية الفلسطينية "مقدسة" وارتياح بشأن ليبيا

وجدد تبون موقف الجزائر بشأن القضية الفلسطينية التي وصفها بـ"المقدسة". وقال تبون: "بالنسبة للقضية الفلسطينية، فموقفنا ثابت لا غبار عليه وهي قضية مقدسة"، وهو ما يكرس الموقف الجزائري الرافض للتنازل أو أي خطوات نحو التطبيع.

وفي السياق، تحدث الرئيس الجزائري بشأن عدد من قضايا دول الجوار، وعلى رأسها القضية الليبية، وقال: "فرحنا للأشقاء الليبيين بما اتفقوا عليه في سويسرا مع قادتهم الجدد، نشعر بالارتياح لأنه منذ أن تطرقنا للأزمة الليبية وبرز صوت الجزائر في المحافل الدولية حيث أصبحت الدبلوماسية الجزائرية أكثر نشاطاً قلنا إنّ المشكل ليبي ليبي، وقلنا إنّ الحل يجب أن يكون بتفاهم كل الليبيين دون إقصاء وبإجراء الانتخابات"، مضيفاً أنّ "المهمة التي أسندت إلى القيادة الليبية الجديدة ،هي إجراء انتخابات عامة قبل 24 ديسمبر من هذه السنة". 

وأكد تبون ارتياح الجزائر لتطورات تطبيق اتفاق السلام في مالي، مشيراً إلى أنّ "هناك تنشيطاً في إعادة إحياء اتفاقيات الجزائر المتعلقة بالسلام في مالي، حيث تم ولأول مرة منذ سنين في شمال مالي اجتماع للهيئة التي تشرف على تطبيق اتفاق الجزائر في مدينة كيدال في قلب شمال المالي (قرب الحدود الجزائرية)، تحت رعاية السلطات المالية"، مضيفاً أنّ "الجزائر تبارك هذه الخطوة، وتتعاون مع الدول التي تريد الخير والاستقرار المالي حيث نشتغل مع بعض على أساس استرجاع الطمأنينة والهدوء لأشقائنا في مالي". 

والخميس الماضي شهدت مدينة كيدال المشاورات الخامسة رفيعة المستوى للجنة متابعة اتفاق السلم والمصالحة في مالي، الموقّع في الجزائر عام 2015، بحضور وزير الخارجية الجزائري وممثلين عن الحكومة المالية والحركات الموقعة وأعضاء الوساطة الدولية، وعقد للمرة الأولى في كيدال شمالي البلاد قرب الحدود مع الجزائر. وتعود أهمية ذلك لكون كيدال كانت من مدن الشمال المالي التي قد وقعت تحت سيطرة المجموعات الإرهابية المسلحة كـ"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" و"جماعة التوحيد والجهاد" التي اختطفت خمسة من الدبلوماسيين الجزائريين في مارس/ آذار 2012، كما سيطرت حركات الطوارق على المنطقة، قبل أن تبدأ القوات الفرنسية منذ عام 2013 مع القوات المالية عمليات عسكرية لتحريرها".  

وفي مايو/ أيار 2015، احتضنت الجزائر توقيع الحكومة المالية والحركات المسلحة التي تمثل الأزواد الطوارق (سكان شمال مالي) على اتفاق السلام الشامل، والذي يقضي بإعادة سيطرة الحكومة المالية على مناطق التوتر في الشمال والإدماج التدريجي لعناصر هذه الحركات ضمن الجيش المالي، ومكافحة الإرهاب، ووضع برامج تنمية موجهة لهذه المناطق، وضمان تمثيلها في مؤسسات الدولة المالية.

المساهمون