العراق: تهديدات وانسحاب مرشحين للانتخابات المحلية

العراق: تهديدات وانسحاب مرشحين للانتخابات المحلية

13 أكتوبر 2023
من الانتخابات البرلمانية في النجف، أكتوبر 2021 (كرار عيسى/الأناضول)
+ الخط -

يشير مراقبون ومرشحون للانتخابات المحلية (مجالس المحافظات)، المقرر إجراؤها في 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل، إلى مشاكل أمنية وسياسية واجتماعية تواجه المرشحين، منها ما يدفعهم إلى الانسحاب من سباق الانتخابات، وأخرى ترتبط باستخدام النفوذ السياسي لإجبار آخرين على الانسحاب.

يحدث هذا في ظل تنامي شعور الاستياء الشعبي في العراق إزاء استخدام المال السياسي في شراء الأصوات، وبدء الدعاية الانتخابية قبل موعدها القانوني. وقد شهدت الأسابيع الماضية انسحاب عدد من المرشحين بسبب تهديدات طاولت حياتهم ومقربين منهم.

قيادي في حزب "الوعد": هناك استهداف سياسي للأحزاب المدنية

وتُحدد أطراف بارزة في الحراك المدني العراقي، أن المال السياسي والسلاح الذي تملكه الأحزاب والفصائل المسلحة، لن يُسفر إلا عن فوز الأحزاب التقليدية في الانتخابات المقبلة، وبالتالي فإن المشاركة فيها لن تجدي نفعاً، فيما يجد ناشطون أنها تؤسس إلى حالة جديدة من تقاسم السلطة والثروات بين الأحزاب.

انسحاب قوى مدنية من الانتخابات

هذا الأمر دفع عدداً من القوى السياسية المدنية إلى الانسحاب من المشاركة في الانتخابات. كما أن تعرض مرشحين، اختاروا الاستمرار بالمشاركة في الانتخابات، إلى تضييق ممنهج واتهامات عدة، بينها الانتماء لحزب "البعث"، و"الارتباط بسفارات أجنبية"، أدى إلى انسحاب بعضهم، واختيار العودة إلى التنظير السياسي وللمشاركة في الفعاليات الاجتماعية والاحتجاجية.

ويقول قيادي في حزب "الوعد" العراقي، وهو حزب مدني جديد، إن "مفوضية الانتخابات استبعدت أحد مرشحي الحزب، بسبب حصوله على تكريم من قبل رئيس النظام السابق صدام حسين، مع العلم أن التكريم لم يكن سياسياً، بل للتفوق في الدراسة، حين كان عمر المرشح لا يتجاوز 15 عاماً".

ويبين، لـ"العربي الجديد"، أن "استهداف المرشحين المدنيين والليبراليين هي استراتيجية عمدت إلى اتباعها أحزاب السلطة والتقليديين في مواجهة التفوق المدني وزيادة جمهوره".

ويضيف القيادي أن "قرارات الإقصاء والاستبعاد استهدفت المدنيين أكثر من غيرهم، وعادة ما يتم تبرير هذه الإجراءات بأن المرشحين لم يستوفوا شروط الترشح، وهذا غير صحيح، لأن بعض المرشحين المستبعدين متخصصون في القانون، ولم يهملوا أي شرط من شروط الترشح". ويؤكد أن "هناك استهدافا سياسيا للأحزاب المدنية، والمرشحين الذين اختاروا دخول العمل السياسي من بوابة الاحتجاجات الشعبية".

انسحاب مرشحة بعد تعرضها لتهديدات

والأحد الماضي، أعلنت المرشحة عن تحالف "العزم" في محافظة ديالى زينة الصالحي، انسحابها من التنافس على الانتخابات المحلية في المحافظة، مؤكدة أنها تعرضت للتهديدات.

وتقول الصالحي، في بيان، أن "الفاسدين فقدوا صوابهم وإنسانيتهم، وحاربوني بأعز ما أملك في هذه الدنيا فقد وصلت تهديداتهم إلى أبنائي. وصل بهم الحال لتهديدي بقتل ابني إذا استمر ترشحي للانتخابات، وبالفعل تمت محاولة خطفه لولا لطف الله".

وتضيف: "أعلن انسحابي من السباق الانتخابي، ولكم مطلق الحرية بانتخاب من ترونه مناسباً لتمثيلكم، وأتمنى أن يجيء يوم نستطيع فيه، وبكل حرية، أن نمارس حقنا الديمقراطي في الترشيح والانتخاب دون ضغوط وتهديدات".
كما سجلت محافظة نينوى انسحاب مرشح مستقل عن مدينة تلعفر من الانتخابات يدعى محمد المولى، والذي تشهد دائرته الانتخابية تكدساً لقوائم تابعة لعدة فصائل مسلحة.

استبعاد مرشحين مشمولين باجتثاث "البعث"

وسبق أن أفادت مصادر سياسية عراقية في بغداد بأن مفوضية الانتخابات استبعدت نحو 100 مرشح للانتخابات المحلية المقررة في ديسمبر المقبل، وذلك بعد شمولهم بإجراءات اجتثاث حزب "البعث" العراقي.

وائل البارود: السلوك العنفي مع المرشحين المدنيين يدفع القوى المدنية إلى الانسحاب من الانتخابات

وجاء هذا الإجراء خلافاً لوعود قطعها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بنقل إجراءات هيئة "المساءلة والعدالة"، المتعلقة باستبعاد أعضاء "البعث" من المشاركة بالحياة السياسية والحكومية، إلى القضاء، ليكون الملف بعيداً عن أي جانب سياسي، وهو ما تطلبه القوى السياسية العربية السنية التي تعتبر أن الملف استُخدم سياسياً بشكل كبير.

منافسة انتخابية غير شريفة

من جهته، يشير المرشح للانتخابات المحلية في بغداد وائل البارود إلى أن "المال السياسي وسلطة السلاح وغياب القانون جعلت المنافسة الانتخابية من قبل الأحزاب التقليدية غير شريفة، حتى وصل بهم الأمر إلى تهديد المرشحين بقتلهم، أو قتل عوائلهم، وقتل كل من يحاول الوصول لمصدر القرار، وخاصة في المحافظات التي تسيطر عليها أطراف مسلحة مثل ديالى".

ويؤكد البارود، لـ"العربي الجديد"، أن "ديالى تشهد حالة من التضييق على كل من لا ينتمي لقوى السلاح، أو يعارض أفكار هذه القوى".

ويعتبر أن "هذه الطريقة لا تبني دولة سلمية وقوية، ولا تحدث التغيير الذي يطالب به الشعب العراقي، بل إنها تزيد من حالات الإقصاء والقمع السياسي والقتل المعنوي لكل الحالات الجيدة والمؤمنة بتغيير منظومة الحكم".

ويضيف البارود أن "السلوك العنفي مع المرشحين المدنيين، يدفع القوى المدنية إلى الانسحاب من الانتخابات، وإعادة تموضع الحراك المدني، والتفكير بحلول جذرية والمطالبة بانتخابات مبكرة يسودها القانون وغايتها بناء العراق".

فشل مرتقب للانتخابات المحلية

بدوره، يلفت المحلل السياسي ماهر جودة إلى أن "انسحاب المرشحين بسبب التهديدات والابتزاز بملف الانتخابات، يمثل حالة فشل واضحة لمنظومة الحكم في البلاد من جهة، وفشلا مرتقبا للانتخابات المحلية المقبلة من جهة أخرى، واتضاح شكل النتائج، لا سيما بانسحاب التيار الصدري والقوى المدنية، وبالتالي فنحن أمام أزمة تخص شرعية وقانونية هذه العملية".

ويعتبر جودة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "قوى السلطة، تحديداً تلك المسيطرة على أموال الدولة ودوائرها الرسمية والمناصب الهامة والكبيرة، تسعى إلى استغلال كل شيء لصالحها، وأن الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة، تمارس ترهيباً بأشكال مختلفة". ويوضح أن "الانتخابات المحلية المقبلة فقدت توازنها مبكراً، خصوصاً مع غياب مكونات هامة بالعملية السياسية".

وتتوقع أوساط سياسية أن تكون الانتخابات المحلية المقبلة، الأقل مشاركة، خصوصاً مع تنامي الشعور باللاجدوى منها، وأنها لن تسفر عن أي تغيير على مستوى الخدمات المقدمة، أو إبعاد الأحزاب الكبيرة عن التصرف بالموارد الحكومية. وبالتالي فإن ذلك يجعل السباق الانتخابي بين القوى السياسية الحاكمة لوحدها، من دون شرعية وجود القوى الشعبية والاحتجاجية والإصلاحية، وفقاً لمراقبين.

وستجرى انتخابات مجالس المحافظات العراقية، وفقاً لطريقة "سانت ليغو" التي تعتمد على تقسيم أصوات التحالفات على القاسم الانتخابي 1.7، ما يجعل حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب المرشحين الأفراد (المستقلين والمدنيين)، وكذلك الكيانات الناشئة والصغيرة.

وتتولى مجالس المحافظات المُنتخبة مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ولها صلاحيات الإقالة والتعيين، وإقرار خطة المشاريع بحسب الموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية في بغداد، وفقاً للدستور العراقي. وستكون هذه أول انتخابات محلية تُجرى في العراق منذ إبريل/نيسان 2013.