بعد حملة الاعتقالات الواسعة وخطوات الرئيس التونسي قيس سعيّد المتسارعة نحو إسكات صوت المعارضة نهائياً، المتمثلة في إغلاق مقر "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة، ومنع اجتماعاتها، واعتقال أبرز قياداتها، وإغلاق وتفتيش مقرات حركة "النهضة"، بدأت المخاوف والتحذيرات من توجه سعيّد لحلّ الأحزاب كما يطالب به أنصاره، خاصة مع التصريحات المعروفة للرئيس الذي لا يؤمن بدور الأجسام الوسيطة.
وكان رئيس المكتب السياسي السابق لـ"حراك 25 يوليو" عبد الرزاق الخلولي، قال، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، "نحن مصرّون على دعوتنا لرئيس الجمهورية ليصدر أمراً رئاسياً بحلّ جميع الأحزاب والجمعيات"، مضيفاً "في 25 يوليو/ تموز 2021 كان طلب الشعب واضحاً في حل حزب حركة النهضة ولكنه لم يتجسّد بعد ذلك".
ودخل المشهد السياسي في تونس بعد دستور 2022 مرحلة جديدة، في غياب لافت لمشاركة الأحزاب السياسية بسبب رفض سعيّد الحوار معها أو إشراكها في المسار الجديد، وتكريسه منظومة حكم جديدة بلا أحزاب.
وتم انتخاب البرلمان الجديد في مطلع السنة وفق قاعدة التصويت على الأفراد بدل القوائم الحزبية السياسية، ما نتج عنه تشكيل مجلس نيابي غالبيته من المستقلين وغير المنتمين حزبياً، ما عدا مجموعة نواب يمثلون "حركة الشعب"، التي فاز عدد من قياداتها بشكل فردي.
وفي حوار مع صحيفة "الشارع المغاربي"، قبل أن يصبح رئيساً، قال سعيّد: "لا يمكن أن أبيع الوهم"، وتساءل: "الأحزاب ماذا تعني؟ جاءت في وقت معين من تاريخ البشرية وبلغت أوجها في القرن الـ19، ثم في القرن 20، ثم صارت بعد الثورة التي وصلت عن طريق وسائل التواصل والتكنولوجيات الحديثة، أحزاباً على هامش الدنيا في حالة احتضار. ربما يطول الاحتضار، لكن بالتأكيد بعد سنوات قليلة سينتهي دورها".
لا حل دون سند قانوني
ولا يستغرب رئيس حزب "العمل والإنجاز"، عبد اللطيف المكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، حل الأحزاب في ظل النظام الحالي أو أي شيء آخر، مشدداً في الوقت عينه على أنّ "الأحزاب الأساسية التي لها تاريخ نضالي، لن تضمحل حتى بحلّها قانونياً".
وفيما ذكّر بأنّ "هذه الأحزاب كانت متواجدة في عهد الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة، وزين العابدين بن علي"، حذر المكي من أنّ "الحل سيكون خطوة استبدادية أخرى في ظل الوضع المتأزم، ويزيده تعقيداً".
وقال إنّ ما يجري لا يخيف لأنه "لا قيمة للأحزاب إن كانت موجودة ولا تقوم بدورها الأساسي، وبالتالي حلّها من عدمه لا يشكّل الهاجس الرئيسي، بل الهاجس الآن هو العمل النضالي والعودة إلى الديمقراطية وإصلاح النقائص الموجودة".
أما أستاذ القانون الدستوري، عطيل الظريف، فيرى أنّ "حلّ الأحزاب لا يمكن أن يكون دون سند قانوني، والقانون المنظم للأحزاب عدد 78 يتيح التدرج في الحلّ أي لا يمكن الحلّ مباشرة، حيث يتم التنبيه على الحزب المعني ثم إيقاف النشاط ثم في صورة عدم الاتزام الحل عن طريق القضاء"، مؤكداً أنّ "الحل مباشرة هو قرار سياسي وليس قانونياً".
وقال الظريف، لـ"العربي الجديد"، إنّ "اللجوء إلى حلّ الأحزاب يكون في حالة الإخلال الكبير ومخالفة الدور الموكول لها"، موضحاً أنّ "هناك عدة عقوبات قبل الحل وتكون فقط عند ارتكاب مسائل ممنوعة سواء في التمويل أو الدعوة للعنف والكراهية، ومع ذلك لا يكون الحل إلا عن طريق القضاء".
بدوره، لفت القيادي في "الحزب الجمهوري" وسام الصغير، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "أي تقييم لما أقدم عليه سعيّد منذ 25 يوليو/ تموز 2021 يبين النزوع والتوجه نحو حل كل الأجسام الوسيطة، من ذلك الأحزاب، وهو ما يعتمده في أغلب تصريحاته، من خلال منع نشاطاتها مثل جبهة الخلاص في مقر حراك تونس الإرادة وحتى اجتماعاتها وتفتيش مقرات بعضها"، مبيناً أن "الأحزاب التي ناضلت طيلة سنوات لفرض التعددية في وجه الأنظمة الاستبدادية سواء في العهد البورقيبي أو بن علي، يصعب حلّها".
وقال الصغير إنّ "القوى التقدمية والأحزاب ستدافع عن حقها، وعلى حق تونس في التعددية، وعلى حرية العمل السياسي، ومهما مروا بصعوبات فسيتم الخروج من هذا الوضع"، مشيراً إلى أنّ "أسس العمل السياسي تقوم به الأحزاب، ولا يمكن ممارسة السياسة بشكل هلامي بين الزعيم الملهم والقواعد، ولذلك أغلب المشاريع غير قابلة للتحقيق والدليل المشاكل التي تعيشها تونس والصعوبات؛ بسبب كسر الأجسام الوسيطة بين المجتمع والنخبة في الدولة".
وأقرّ بأنّ "الأحزاب تعيش حالة من الضعف حالياً بسبب سوء تقديرها للوضع طيلة 10 سنوات وهذا لا يمكن نكرانه، والواقع أنّ الأحزاب تكون تارة في صعود وأخرى في نزول، وعليها الاتعاظ والاستفادة من التجارب السابقة مثل تشكل مجموعات ضغط في مقاومة الاستبداد في عهد بن علي، ثم مرت إلى أحزاب مهيكلة وذات نظام داخلي، ثم حالياً من مجرد رد الفعل السياسي إلى قوة ضغط للتقرب أكثر من المواطنين وإلى قوة تجميع، ولا تكون في برجها العاجي".
ولفت إلى أنّ "الأزمة اليوم هيكلية في البلاد وفشل منوال تنموي، وبالتالي فالأحزاب مطالبة بمراجعات وتطوير نفسها في العمل والنشاط"، بحسب قوله.
مخاوف على الحقوق والحريات
ويرى النائب السابق المستقل، حاتم المليكي، أنّ "المخاوف اليوم ليست على الأحزاب فقط، بل على الحقوق والحريات، خاصة بالمرسوم 54 (المتعلّق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال) والإحالات على القضاء لمحامين وسياسيين ونشطاء وحتى شباب من عدة جهات، وهم مسجونون على خلفية تدوينات، والتهديدات جدية".
وأكد بدوره، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "أي توجه لحل الأحزاب قرار خاطئ، لأنّ التنظم الحزبي مهيكل قانونياً، وبالتالي عملهم منظم، وأي قرار خلافاً لهذا سيدفعها للتنظم بأشكال أخرى أو معايير أخرى قد تكون غير مجدية، وهذا سيدفع الأحزاب للبحث عن طرق أخرى كالنشاط السري".
وتابع قائلاً "بالتالي أفضل طريقة هي العمل المنظم لهيكلة الصراع على السلطة والوصول إلى الحكم والنقاش العام وأحسن وضع أن تكون ضمن أحزاب، وضمن قوانين تنظم نشاطهم"، محذراً من أنّ "التخلّي عن هذا سيشكل تراجعا كبيراً وعودة إلى الوراء، والصراع على السلطة سيكون غير منظم وسيعمق ذلك الوضع ويزيد من عزلة تونس".
ونبّه إلى أنّ "الإقدام على هذه الخطوة سيفتح المجال لإزالة بقية الأجسام من منظمات كاتحاد الشغل واتحاد المرأة وحتى هيئات، والذهاب نحو نظام قبلي"، مؤكداً في الوقت عينه أنّ "هذا لا يعني أنّ الأحزاب غير مدعوة لتطوير عملها، بل هي مدعوة إلى القيام بعدة مراجعات والاقتراب من المواطنين".