القوى السياسية تدرس خياراتها استعدادا لجلسة انتخاب رئيس لبنان غداً: السيناريوهات المتوقعة وأبرز الأسماء

28 سبتمبر 2022
أربكت دعوة بري القوى السياسية التي لم تتوافق على اسم مرشحها الرئاسي بعد (حسين بيضون)
+ الخط -

بدأت الكتل النيابية في لبنان اجتماعاتها المكثفة لتحديد خطواتها لجلسة انتخاب رئيس جديد للبلاد، يوم غد الخميس، بعد الدعوة المفاجئة التي وجّهها رئيس البرلمان نبيه بري، أمس الثلاثاء، واعتُبِرت مباغِتة.

ففي وقت كان الملف الحكومي يتصدَّر المشهد، رمى بري تهمة التعطيل عنه، وأربك القوى السياسية التي لم تتوافق على اسم مرشحها الرئاسي بعد، بما فيها المعارضة والتغييريون.

ولم يترك بري، من خلال دعوته إلى أول جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، أمام القوى السياسية إلّا أقل من 48 ساعة لبلورة مواقفها، وتوحيد الصفوف، سواء من المعارضة المتشرذمة والمشتتة، التي ترفع راية إسقاط أحزاب السلطة ومنظومة الانهيار لكنها لم تتلاقَ بعد على تحديد مرشح يمثلها رغم مرور شهر على بدء المهلة الدستورية، وتحاول اليوم تغيير أسلوب مقاربتها للاستحقاق لمنع تكرار سيناريو انتخاب رئيس للبرلمان ونائبه، أو التغييريين الذين أطلقوا مبادرة رئاسية جالوا فيها على الأحزاب، لكنهم لم يختاروا حتى اللحظة مرشحهم.

كذلك، لم يعلن فريق 8 آذار مرشحه للرئاسة رسمياً، والمُحرَج فيه "حزب الله" الذي لم ينجح بعد في تقريب المسافات بين رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل ورئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، وخوض الاستحقاق بمرشح منهما بالتوافق، لتدعيم الجبهة ومواجهة ما يعتبرها معركة إسقاطه من أطراف داخلية وخارجية، مع العلم أنه أقرب إلى فرنجية الذي يحوز تأييدا كبيرا من كتلة بري، ويعوّل على علاقاته مع مجموعة من النواب، ضمنهم مستقلّون.

ويُعدّ فرنجية السياسي "التقليدي" الوحيد الذي أعلن صراحة أنه من المرشحين الرئاسيين وللمرة الأخيرة، بعكس باسيل الذي يناور ويؤكد بشكل مستمر أنه غير مرشح، ما لم يعلن شخصياً ترشحه، وسيعقد

وفي السياق حدد باسيل موقفه من الاستحقاق ككل وأعلن في مؤتمر صحافي بعد ظهر اليوم الأربعاء، أن "التيار الوطني الحر" سيشارك في جلسة الغد، قائلا: "سنقترع بورقة بيضاء لأن ليس لدينا أي مرشح نؤيده حتى الآن والتكتل أعد ورقة بمقاربة مختلفة للموضوع الرئاسي سنتحدث عنها الأسبوع المقبل".

بدوره، يعتبر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع نفسه مرشحاً طبيعياً، ولا سيما بعد نتائج الانتخابات النيابية التي منحته النسبة الأكبر من الأصوات، لكنه لم يعلن ترشحه رسمياً، معرباً عن استعداده لدعم مرشح يلقى توافق المعارضة عند تشكيلها جبهة لإسقاط مرشح 8 آذار، أو الترشح إذا طُرح من قِبلها.

"حرق مبكر للأسماء"

إلى ذلك، بدأت بعض الأسماء السياسية تخرج إلى العلن بصورة غير رسمية عن عددٍ من الكتل النيابية، خصوصاً المعارضة والتغييريين الذين يواصلون اجتماعاتهم حتى الخروج بقرارٍ موحّد، في مشهد يعد بمثابة حرق الأسماء مبكراً، ولإظهار الجدية في التعاطي مع الاستحقاق والنزول إلى الجلسة باسم معين ولو أنه معلوم سابقاً أنه لن يحوز على عدد الأصوات اللازم.

ويتردّد أن أحزاب "القوات اللبنانية"، و"الكتائب"، و"التقدمي الاشتراكي" (برئاسة وليد جنبلاط)، ونوابا في المعارضة، يتجهون لتسمية النائب السابق صلاح حنين، الذي قد يحظى بدعم نواب التغيير الذين يرفضون السير بمرشح محسوب على السلطة السياسية سواء كان موالياً أو معارضاً تقليدياً.

ويعدّ صلاح حنين من الخبراء الدستوريين والشخصيات السياسية غير الاستفزازية، وكان ضمن فريق 14 آذار، وهو مقرّب من جنبلاط الذي كان طرح اسمه في الأيام الماضية، في مجالسه السياسية.

وكان اسم النائب ميشال معوض، نجل الرئيس اللبناني رينيه معوض الذي اغتيل في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1989، الذي يعد من المعارضين لـ"حزب الله" وحلفائه، يُدرَس اليوم من قبل القوى المذكورة، بيد أن النواب التغييريين بحسب المعلومات رفضوا تبنيه.

وسبق وأن ترشح ميشال معوض إلى انتخابات عام 2018 النيابية بتحالف مع باسيل وانضم إلى تكتله قبل أن ينسحب منه. وعلم "العربي الجديد"، أن النائبة حليمة القعقور الموجودة خارج البلاد ستحضر إلى بيروت، للمشاركة إلى جانب التكتل، في الجلسة، ليكون مكتمل الأعضاء الـ13.

توقعات بحضور جميع الكتل النيابية

وفي هذا السياق، من المتوقع وفقاً للاجتماعات القائمة منذ الصباح، أن تحضر جميع الكتل النيابية الجلسة، لتنعقد الدورة الأولى، لكن لم تحسم أي منها رسمياً قرارها حول المرشح الذي ستسمّيه، أو ما إذا كانت ستسقط في الصندوق ورقة بيضاء، في حين تبقى الأنظار متجهة إلى الدورة الثانية بهذه الحالة.

وكانت بعض الأوساط الحزبية قد أكدت بشكل مبدئي حضور نواب "القوات"، و"حركة أمل" (يرأسها بري)، و"حزب الله"، و"الكتائب" (برئاسة سامي الجميّل).

لكن في المقابل، فإنّ أي اسم سيصوَّت له لن يحوز الغالبية المطلوبة دستورياً، ما قد يسقط النصاب في الدورة الثانية، فتؤجل الجلسة، على غرار ما حصل في جلسة انتخاب خلف الرئيس ميشال سليمان عام 2014، قبل أن يبدأ مسلسل التأجيل ويدخل البلد في فراغ لسنتين، حتى انتخاب ميشال عون عام 2016.

ويقول مصدر مسؤول في "القوات اللبنانية" لـ"العربي الجديد" إنّ المعركة ستبدأ في الجلسات المقبلة لا الأولى، التي تأتي الدعوة إليها التزاماً بالمهلة الدستورية، وفي ظل الحركة الدولية الناشطة أخيراً في هذا الاتجاه، بحيث من الصعب أن يحوز أي مرشح أكثرية الثلثين في الجلسة الأولى، بعكس الوضع الذي سيختلف ربطاً بنصاب الغالبية المطلقة.

ويؤكد المصدر أنّ "تكتل القوات سيشارك في الجلسة، ويقوم بأوسع اتصالات ممكنة من أجل التوافق بين مكونات المعارضة على مرشح رئاسي للنزول به إلى المجلس".

وتنص المادة 49 من الدستور اللبناني على أنه "ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب (86 من أصل 128 عضواً) في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي أي 65 نائباً".

تجدر الإشارة إلى أنه يمكن للنواب أن ينتخبوا أي شخصية وإن لم تكن مرشحة، وهو حال قائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي يُعدّ من الأسماء المتقدّمة رغم أنه لم يعلن ترشحه أو نيته بالترشح، لكن قادة الجيش في لبنان أصبحوا على مر الاستحقاقات من المرشحين الدائمين للرئاسة، كونهم من الطائفة المارونية وممسكين بالملف الأمني، منهم ميشال عون، وقبله ميشال سليمان، وإميل لحود، وفؤاد شهاب.

تعدد سيناريوهات الجلسة وإجماع على عدم انتخاب رئيس 

وتكثر السيناريوهات المتوقعة لجلسة غدٍ، منها لجوء بري إلى تأجيل عقدها مساءً لتأمين التوافق الأوسع، لكنه احتمال يبقى ضئيلاً، مقابل ترجيح أكبر لتأمين النصاب من بوابة خلع رداء التعطيل، من دون انتخاب رئيس جديد خلفاً للرئيس عون الذي تنتهي ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

ويتوقع النائب السابق فارس سعيد عقد الجلسة، مع ترجيحه عدم مقاطعة المعارضة. لكنه في المقابل، يرى أنها لن تصل إلى خواتيمها بمعنى انتخاب رئيس، وسيكون بري ومن خلفه "حزب الله" قد وجّها رسالة واضحة لكل الأفرقاء بأنهما قادران على كلّ شيء؛ وتشكيل حكومة بشروطهما، وإلا فلديهما القدرة على الإتيان برئيس وفق شروطهما، بحسب سعيد.

من هنا لا يفصل سعيد دعوة بري الرئاسية عن الملف الحكومي، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأجواء الحكومية كانت تصبّ في أنها على نار حامية، وذلك قبل مغادرة رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي إلى نيويورك، وبمجرد عودته، خرج كلام يتهم باسيل بالعرقلة، رغم أنّ حزب الله طالب بتشكيل الحكومة وحدّد موعد تأليفها خلال أيام. من هنا وأمام العرقلة، طرح بري موضوع إمكانية انتخاب رئيس، فوضع كل الكتل النيابية أمام مأزقٍ، بما فيها المعارضة التي عليها تأمين النصاب كي لا تتهم بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي استخدم نفوذه وقال للجميع إنه قادر على انتخاب رئيس".

من جهته، يقول الكاتب السياسي جورج شاهين لـ"العربي الجديد"، إنه قياساً على الدعوة بشكلها وتوقيتها ومضمونها، فإنّ السيناريوهات لا تزال متعددة ولا قدرة على الحسم بشأنها.

ويلفت شاهين إلى أنّ بعض الكتل حسمت موقفها من خلال أوساطها بالمشاركة في الجلسة، من ضمنها "القوات"، و"لا أعتقد أنّ كتلة باسيل أي "لبنان القوي" ستقاطع، في حين سيحضر حتماً الثنائي "حركة أمل" و"حزب الله"، وبعض النواب، ليكون النصاب متوفراً، بانتظار قرارات الكتل المتوسطة والصغيرة التي لم تحسم بعد موقفها".

ويشير إلى أنّ "تأمين النصاب وتعطيله مطروحان، لكن الأرجح تأمين نصاب 86 نائباً في الجلسة الأولى، باعتبار أنّ أكثرية النواب سيشاركون، لكن من الصعب جداً انتخاب رئيس غداً، إذ لسنا في زمن العجائب".

كذلك، يلفت شاهين إلى أنّ "الجو الخارجي لم يحسم كلمته بعد، أو يدعم مرشحاً معيناً، بل حدّد بعض المواصفات، ومن يتجاهل أنّ للخارج دوره بأكثر من 70 في المائة على صعيد الاستحقاق فهو يعيش في بلدٍ آخر"، مشيراً في المقابل إلى "الجو الذي ولّده البيان الثلاثي الأميركي الفرنسي السعودي، وأوحى بدعم قائد الجيش، لمجرد أنه خصص نصف الموقف للحديث عن المؤسسة العسكرية، لكن مع ذلك ليس ثابتاً بعد، والترجيح الأكبر أن لا المرشح المدعوم من إيران سيصل ولا حتى المدعوم مباشرة من السعودية، من هنا البحث مستمرّ عن الرئيس".