حبوب أوكرانيا تهدد بزرع بذور الخلاف مع الحليفة بولندا

حبوب أوكرانيا تهدد بزرع بذور الخلاف مع الحليفة بولندا

12 اغسطس 2023
تصطدم مساعي كييف للخروج من أزمة الحبوب بالتزام بولندا تجاه مزارعيها (Getty)
+ الخط -

تهدد حبوب أوكرانيا بزرع بذور الخلاف بين كييف ووارسو، وإيقاع الشك في العلاقة التي تحولت منذ بدء الحرب الروسية لصداقة وطيدة بين البلدين الجارين.

وبذور الخلاف هذه، يمكن أن تجد لها جذوراً تاريخية عميقة، تجعل من الأزمة غير منحصرة فقط بمسألة تصدير الحبوب.

في حين تسعى أوكرانيا لتجاوز الآثار المدمرة لوقف روسيا اتفاقية تصدير الحبوب، فإنها تصطدم بمصالح أقوى الداعمين لها في الحرب، إذ قدمت بولندا مساعدات عسكرية واقتصادية لكييف، واستقبلت ملايين اللاجئين الأوكرانيين، ودافعت عن مكانة كييف في المحافل الدولية، وحولت أراضيها إلى قناة رئيسية لشحنات الأسلحة الغربية المتجهة إلى خطوط القتال الأمامية.

تقول صحيفة "واشنطن بوست" إنه "حتى بين أقرب الأصدقاء، يمكن أن تنشأ مشاجرات خطيرة"، وهي تشير إلى "اشتباك" علني نشب بين المسؤولين البولنديين والأوكرانيين، بعد أن قال مارسين برزيداتش، مستشار السياسة الخارجية للرئيس البولندي أندريه دودا، إن أوكرانيا يجب أن "تبدأ في تقدير الدور الذي لعبته وارسو لكييف في الأشهر والسنوات الأخيرة". 

ووفق الصحيفة، جاءت تصريحات المستشار رداً على النزاع المتزايد بين البلدين حول صادرات الحبوب الأوكرانية، إذ وصف رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال تصرفات بولندا بأنها "غير ودية وشعبية".

وبموجب اتفاق جرى التوصل إليه بوساطة من الاتحاد الأوروبي، يُسمح لبولندا وأربع دول مجاورة أخرى بحظر واردات الحبوب الأوكرانية لحماية مزارعيها المحليين، مع السماح للحبوب بعبور أراضيها إلى دول أخرى. ومن المقرر أن تنتهي الاتفاقية في 15 سبتمبر/أيلول، لكن برزيداتش ومسؤولين بولنديين آخرين دعوا إلى تمديد القيود، على حظر الحبوب الأوكرانية في السوق المحلية البولندية.

وقال برزيداتش في مقابلة مع الإذاعة البولندية في أواخر يوليو/تموز، وفقاً لـ"واشنطن بوست"، "حصلت أوكرانيا بالفعل على الكثير من الدعم من بولندا. الشيء الأكثر أهمية اليوم هو الدفاع عن مصلحة المزارع البولندي".

وعلى أثره، استدعت وزارة الخارجية الأوكرانية السفير البولندي بارتوش سيتشوكي، لإجراء مناقشات يوم الاثنين الماضي. وفي اليوم التالي استدعى المسؤولون البولنديون السفير الأوكراني فاسيل زفاريتش، لإجراء محادثة مماثلة.

وصرح نائب وزير الخارجية البولندي باول جابلونسكي للإذاعة البولندية بأن العلاقات مع أوكرانيا في الوقت الحالي "ليست الأفضل". وأضاف أن أوكرانيا "يجب ألا تهاجم حلفاءها"، وفقاً لـ"واشنطن بوست".

إرهاق الحرب

ويرى مراقبون تحدثوا للصحيفة، أن الجدال الحاصل يشير إلى "الإرهاق وتوتر الأعصاب" مع اقتراب الغزو الروسي من شهره الثامن عشر.

وقال الخبير الاقتصادي الأوكراني تيموفي ميلوفانوف: "أنا قلق بشأن هذا"، مضيفاً: "أعتقد أنه يمكن ارتكاب أخطاء، وإذا جرى ارتكاب أخطاء فسيكون هناك خلاف بين بولندا وأوكرانيا".

في المقابل، وحسب الصحيفة، يسعى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وكبار المسؤولين البولنديين إلى خنق أي نقاط توتر بين بلديهم، بما في ذلك حادثة وقعت العام الماضي، عندما سقط صاروخ أوكراني مضاد للطائرات على ما يبدو في بولندا، مما أسفر عن مقتل مواطنين بولنديين.

وقال زيلينسكي في تغريدة على موقع "أكس" (تويتر سابقاً)، "يجب أن تهدأ المشاعر بالتأكيد"، مشدداً على أن بلاده تقدر بشكل كبير "الدعم التاريخي لبولندا، والتي أصبحت معنا درعاً حقيقياً لأوروبا". وأضاف: "لا يمكن أن يكون هناك صدع واحد في هذا الدرع".

استدعاء التاريخ

لكن بحسب الصحيفة، هناك احتمالية لحدوث بعض الشقوق، بالنظر إلى أن بولندا كانت تسيطر في السابق على أجزاء كبيرة من أوكرانيا، وأن البلدين يشتركان في تاريخ معقد ومرير في بعض الأحيان، على حد وصفها.

ففي يوليو/تموز، أحيا زيلينسكي ودودا الذكرى الثمانين لأحداث الحرب العالمية الثانية، إذ شن أعضاء من وحدات المتمردين الأوكرانية سلسلة من الهجمات الوحشية على القرى البولندية في منطقة فولين غربي أوكرانيا، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف.

ورغم هذه اللفتة التصالحية، فإن الروايات الشعبية في بولندا وأوكرانيا تختلف اختلافاً كبيراً حول ما حدث قبل 80 عاماً، ففي حين يسمي البولنديون ما حدث بـ"مذبحة فولين"، ويقولون إنها كانت جزءاً من جهد أكبر من قبل القوات الأوكرانية لتطهير عرقي ضد البولنديين، يقول القوميون الأوكرانيون إن الأحداث كانت نتيجة الصراع المستمر بين البولنديين والأوكرانيين في ذلك الوقت، وفقاً للصحيفة.

ولا تزال أحداث فولين حاضرة في أذهان أقلية صغيرة ولكنها صريحة من الجماعات القومية واليمينية المتطرفة في بولندا.

وحسب "واشنطن بوست"، ذكرت وسائل إعلام أوكرانية في يوليو/تموز أن المشجعين في مباراة لكرة القدم في مدينة فروتسواف البولندية رفعوا لافتات تقول "الأوكرانيون قتلوا الأطفال في فولين" و"80 عاماً من الصمت المخزي على فولين".

وقال فويتشيك كونونشوك، مدير مركز الدراسات الشرقية الممول من الحكومة البولندية: "هناك قضيتان حساستان بين بولندا وأوكرانيا، الأولى هي التاريخ وهي مشكلة قديمة منذ سنوات، والإشكالية الأخرى هي مسألة الحبوب الأوكرانية".

وحسب الصحيفة، شنّ حزب الاتحاد اليميني المتطرف حملة ضد ما وصفه بـ"أكرنة بولندا".

وما يجعل مثل هذه التصريحات ذات أثر ملموس، هو أرقام الاستطلاعات التي تشير إلى أن الحزب اليميني المتطرف قد ينتهي به الأمر إلى العمل "كصانع ملوك" بعد انتخابات منتصف أكتوبر/تشرين أول المقبل"، مما يثير مخاوف من أن أعضائه قد يسعون لتقليل دعم بولندا لكييف، وفقاً لـ"واشنطن بوست".

وقال كونونتشوك إن هناك "بعض الخطوات والقرارات العاطفية"، من قبل المسؤولين الأوكرانيين والبولنديين، لافتاً إلى أن استدعاء السفير البولندي في كييف إلى وزارة الخارجية الأوكرانية قوبل بالدهشة في وارسو، خاصة أن الأخير من بين حفنة من السفراء الذين بقوا في كييف أثناء الحصار الروسي، وكان أحد أقوى الداعمين الدبلوماسيين لأوكرانيا.

لكن كونونتشوك قلل من التداعيات المحتملة، بقوله للصحيفة إن "التعاطف بين البولنديين والأوكرانيين وصل إلى مستوى غير مسبوق"، مدعوماً بـ "التصور المشترك للتهديدات الأمنية" التي تشكلها روسيا.

بالرغم من ذلك، فإن الخلاف حول الحبوب لن ينتهي بحسب الخبير، إذ يصر وزير الزراعة الأوكراني، ميكولا سولسكي، على ضرورة رفع القيود المفروضة على الواردات الأوكرانية إلى البلدان المجاورة في أسرع وقت ممكن.

ومع ذلك، قال سولسكي إنه لم يكن قلقاً بشأن التوترات التي أحدثها النزاع مع بولندا، حيث "لا يوجد أصدقاء حقيقيون وشركاء حقيقيون بدون مناقشة"، ما يشير بالمجمل إلى أن احتمالات تصاعد الأزمة أو تلاشيها تبقى متساوية، وإن رجحت لصالح الاحتواء لضرورات الحرب.