حسن قصيني... مهجر من طيرة حيفا يتمسك بحق العودة

حيفا

ناهد درباس

ناهد درباس
15 مايو 2024
سن قصيني
+ الخط -
اظهر الملخص
- حسن قصيني يروي قصته عن النكبة الفلسطينية في 1948، حيث تم تهجيره وعائلته من طيرة حيفا، مؤكدًا على صمود ومقاومة أهالي البلدة.
- يعكس حديثه الحنين إلى الأراضي التي كانت تعج بالزيتون والمعاصر، ويشارك تجربتهم في محاولة إعادة بناء حياتهم بعد العودة المؤقتة في 1952.
- يؤكد على أهمية الهوية الفلسطينية وحق العودة، مشددًا على ضرورة تذكر تاريخ الطيرة وتربية الأجيال الجديدة على حب الوطن والإصرار على الحقوق.

يجلس حسن قصيني على أريكة منزله في حي الكبابير على جبل الكرمل في حيفا، والذي يطل من نافذته على بلدته طيرة حيفا وأراضيها والتي هُجّر منها عندما كان طفلاً مع عائلته في عام النكبة الفلسطينية 1948، ليروي لـ"العربي الجديد" فصولاً مما عايشه في تلك الفترة والسنوات التي تلتها. يقطن حسن قصيني اليوم في حي الكبابير بحيفا والذي كان يُعتبر جزءاً من مساحة أراضي الطيرة قبل النكبة، فيما أصبح بعد النكبة يصنّف ضمن مدينة حيفا، كما يقول. في 16 يوليو/تموز 1948، سقطت طيرة حيفا وهُجّر أغلبية أهاليها إلى دول عربية واستقروا في مخيمات اللاجئين في لبنان والأردن وسورية. وأتى سقوطها بعد مقاومة شرسة وعقب سقوط مدينة حيفا بثلاثة أشهر. مع العلم أن طيرة حيفا تقع على بعد 10 كيلومترات جنوب حيفا. كان في قرية طيرة حيفا يومها 14 عين مياه ومدرستان، إحداها ما زالت إلى اليوم قائمة كمدرسة لكن تحوّلت للطلاب اليهود. وإذا كانت إسرائيل حافظت على اسم الطيرة بالعبرية للبلدة التي أقيمت على أنقاضها، إلا أنها بدّلت العديد من ملامحها. فمنزل المختار عبد الله السمان تحوّل إلى مركز شرطة إسرائيلية، والجامع القبلي تحول إلى كنيس. أما شواهد المقبرة فما زالت شامخة وشاهدة على النكبة.

في 16 يوليو 1948، سقطت طيرة حيفا وهُجّر أغلبية أهاليها إلى دول عربية واستقروا في مخيمات اللاجئين

حسن قصيني: هكذا صمدنا خلال النكبة

يسرد حسن قصيني، وهو اليوم في نهاية العقد السابع من عمره، كيف صمدت عائلته خلال عام النكبة في البقاء داخل الوطن على الرغم من أن غالبية عائلته تهجرت خارجه. كما يروي العديد من فصول المواجهات في ذلك العام بناء على ما أخبره إياه والده وباقي أفراد عائلته، فضلاً عن ذكرياته عندما حظيت عائلته بفرصة العودة إلى منزلها في وادي العين بالطيرة سنة 1952 وبقائه فيه حتى أواسط السبعينيات. يقول قصيني لـ"العربي الجديد": "عُرف أهل الطيرة، التي تعد من أكبر قرى فلسطين، بالمقاومة، واشتبكوا مع اليهود في عدة معارك منها في جبل المرقصة الذي هو اليوم حي ديني، واستشهد 56 فرداً من أبناء البلدة في عام النكبة". ويلفت إلى أنه في عام النكبة، وخلال الحرب، قام أهل الطيرة بإغلاق شارع حيفا-يافا الذي كان يعد شارعاً مركزياً، ما اضطر اليهود إلى القيام بجولة طويلة عبر وادي فلاح حتى يتمكنوا من الوصول إلى حيفا.

كما يتطرق إلى انخراط قوات عربية في القتال داخل البلدة، قائلاً: "وصل إلينا جيش عربي كان يلقّب بجيش بأبو طنزوعة لكي يُخرج أهل الطيرة قبل سقوطها، وبدأ الجنود بالفعل في إخراج كبار السن والنساء والأطفال من البيوت ونقلهم إلى باب النهر بجانب كفر سمير، وهناك كانوا يضعونهم في شاحنات ويأخذونهم إلى قرية رمانة قبل جنين". ويضيف: "ركبت والدتي معهم وكانت تريد العودة لأخذ بعض الحاجيات من البيت، فقالوا لها إنه لا داعي لذلك لأن الأهالي سيعودون بعد أسبوع، وهو ما لم يحدث، فيما بقي في الطيرة الشباب الذين كانوا يدافعون عن البلدة بعد أن أخرجوا النساء والأولاد. ولكن بعد أن سقطت الطيرة خرج الشباب إلى قرية اجزم". ويتابع: "عندما وصلت عائلتي إلى باب النهر كان لدينا أصحاب من قرية عسفيا، وأصروا أن ينزلونا وقالوا لنا لن تذهبوا إلى أي مكان آخر وسوف تبقون معنا في بيتنا بعسفيا، وبقينا في عسفيا عند أصدقائنا لمدة أربع سنوات حتى سنة 1952، وبعدها قررت عائلتي أن تعود إلى بيتنا في وادي العين بالطيرة، وكانت البيوت فارغة ولا يوجد فيها أحد. وهكذا بقينا في الطيرة حتى سنة 1975".

كما يروي حسن قصيني ما تعرّض له أهالي القرية من جرائم على يد عصابات الهاغاناه خلال عام النكبة، قائلاً إنه "عندما طلب الجيش العربي من الناس المغادرة إلى باب النهر كان يوجد أناس يختبئون في حي عراق الشيخ بالطيرة من نساء وكبار السن. قوات الهاغاناه وصلت إلى الطيرة بجانب المدرسة. ووقف هناك شخص من القرية الطيرة يلوّح ويقول إن الطيرة سَلِمت، فنزل الناس من حي عراق الشيخ". ويضيف: "سرد لي محمد أبو محمود حجير، وهو من أبناء القرية، أن أمه وشقيقه محمود (10 أعوام) كانا ينتقلان مع باقي أهالي القرية عبر وادي العين بجانب المدرسة، وعندما حاول شقيقه أن يختبئ وراء أحد الأحجار أطلق عناصر الهاغاناه الرصاص عليه، ورغم محاولاته لنقله للعلاج في مستشفى حمزة بحيفا إلا أنه استشهد في الطريق".

العودة إلى طيرة حيفا

وعن العودة إلى القرية، يقول حسن قصيني: "سنة 1952 عدنا إلى منزلنا الفارغ وسكنا فيه، وكل بيوت الطيرة كانت فارغة. دخلنا إلى منزلنا فجلسنا فيه ووجدنا أن الشبابيك مقلّعة فقمنا بترميمها". ويلفت إلى أنه "في ذلك الوقت أيضاً عادت عدة عائلات عربية كانت قد هُجرت من بلدات أخرى وليس من الطيرة وسكنت بجانبنا في المنازل الفارغة بالطيرة، وهكذا تحوّلنا إلى بلدة يعيش فيها قرابة 200 شخص في وادي العين". ويتابع: "أقمنا في وادي العين بالطيرة بدون كهرباء وماء وبدون شوارع مرصوفة. ولكن كنا نحصل على الماء من العين وكان هناك خط مواسير مياه ممدود من العين إلى البيوت منذ ما قبل النكبة. لكن أنا تركت القرية كشاب، فرحلت إلى حيفا سنة 1965 وتزوجت وسكنت في حيفا". ويضيف: "في المقابل بقي والدي موسى عبد الحي قصيني، في الطيرة حتى منتصف السبعينات وكان يقول لن أخرج من الطيرة، لكن بعد مرضه نقلته إلى منزلي في حيفا لرعايته وتوفي بعمر 106 أعوام. وبعدها عندما حاولنا الدخول إلى منزل عائلتي في وادي العين بالطيرة مُنعنا من السلطات الإسرائيلية، والبيت ما زال قائماً لليوم ولكن يمنعوننا من دخوله". ويستدرك: "تمت مصادرة جميع أراضينا بالطيرة وجميع أراضي أهالي الطيرة. أنا اُسمي نفسي لاجئاً في حيفا حتى أعود إلى بلدي".

قصيني: تمت مصادرة جميع أراضي أهالي طيرة حيفا ومُنعنا من العودة إليها

ويقول حسن قصيني إن الطيرة لطالما اشتهرت بالزيتون وكان فيها 87 ألف شجرة زيتون، وكان فيها أربع معاصر زيت ومطحنة. ويضيف: "كل بيت كان يوجد عنده مواشي، وكل عائلة كانت تملك أراضي، كانت مساحة أراضي الطيرة 54760 دونماً، وحدودها من حي وادي جمال بحيفا حتى قرية عتليت". اليوم ينشط القصيني في وسائل التواصل الاجتماعي شارحاً أنه يتواصل مع أهل الطيرة في كل العالم، "للتعرف إلى أقاربنا وإلى أهالي الطيرة". ويتساءل: "هل يُعقل أن أسكن في بلدي وكل أقاربي وأهل بلدتي في أنحاء البلاد كلاجئين؟ لماذا على الفلسطيني أن يكون لاجئاً، عندما يجب أن يكون في أرضه ووطنه، لماذا يأتي أناس ويسكنون في أرضه؟". ويختتم بالقول: "أنا طيراوي أصلي وحتى لهجتي تبقى طيراوية (التي تتميز بلفظ حرف القاف)، ولا يمكن أن تضيع الطيرة ما دمنا موجودين. حتى أبناؤنا نربيهم على محبة الطيرة ومحبة بلدنا، وهكذا كل شعب فلسطين يجب أن يربي أبناءه".

ذات صلة

الصورة
تظاهرة في لندن تضامناً مع غزة / 30 نوفمبر 2024 (العربي الجديد)

سياسة

شارك أكثر من 150 ألف متظاهر السبت في تظاهرة بالعاصمة لندن دعت إليها حركات التضامن مع فلسطين، استمراراً للضغط الشعبي على الحكومة البريطانية لوقف تسليح الاحتلال
الصورة
من قصف إسرائيلي استهدف بلدة الخيام، 20 نوفمبر 2024 (فرانس برس)

سياسة

ساعات عصيبة تمرّ على بلدة الخيام الاستراتيجية جنوبي لبنان، حيث تواجه إبادة إسرائيلية، إذ تتعرض منازلها ومبانيها حالياً لعمليات تفخيخ وتفجير واسعة.
الصورة
مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، 30 إبريل 2024 (الأناضول)

سياسة

هدد مشرعون أميركيون المحكمة الجنائية الدولية بمعاقبة أفرادها وصلت إلى حد التلويح باستخدام "قانون غزو لاهاي" ضد الدول التي قد تنفذ أوامر المحكمة.
الصورة
من رحلة الفلسطيني خليل النواجعة اليومية (العربي الجديد)

مجتمع

يقطع المعلم الفلسطيني خليل النواجعة (58 سنة) يومياً نحو 5 كيلومترات على حماره، من منزله بمنطقة تجمع الجوّايا في بلدة الكرمل إلى مدرسة التوانة في مسافر يطا.
المساهمون