رسائل تركية في سنجار العراقية: لا أماكن محصنة لمسلحي "الكردستاني"

رسائل تركية في سنجار العراقية: لا أماكن محصنة لمسلحي "العمال الكردستاني"

19 اغسطس 2021
مسلحون من "الكردستاني" في سنجار (Getty)
+ الخط -

يُمثل الإعلان الصادر عن وزارة الدفاع التركية، اليوم الخميس، والذي تبنى "تحييد" 10 من مسلحي حزب "العمال الكردستاني"، المصنف على لائحة الإرهاب، في مدينة سنجار العراقية (110 كم غربي الموصل)، تأكيدا جديدا على جدية أنقرة في مواجهة جيوب ومعاقل الحزب، حتى لو كانت داخل العمق العراقي، مثل مدينة سنجار التي تبعد عشرات الكيلومترات عن الحدود التركية. 

ويعتبر مراقبون أن عدم تعليق بغداد، التي أوفدت أمس الأربعاء وزير دفاعها جمعة عناد إلى أنقرة، إلى غاية الآن على الهجمات، يأتي بسبب اعتبارات متعلقة بالسعي لإنجاح المؤتمر الإقليمي المقرر نهاية الشهر الحالي، والذي ترجو بغداد مشاركة الرئيس رجب طيب أردوغان فيه.

واليوم الخميس، ذكرت وزارة الدفاع التركية، في بيان لها، أنه تم توجيه "ضربة موجعة جديدة ضد تنظيم "بي كا كا" (حزب العمال الكردستاني) الإرهابي، حيث تم تحييد 10 إرهابيين بغارات جوية في منطقة سنجار شمالي العراق". وأضاف البيان: "هدمنا أوكار الإرهابيين على رؤوسهم أينما كانوا، وسنواصل ذلك".

العملية، التي أفردت لها الوزارة لقطات لطائرات مقاتلة، كتأكيد آخر على أن الهجوم لم ينفذ بطائرات مسيرة، تشير معلومات حصل عليها "العربي الجديد" إلى أن المقصود منها هو المبنى الذي جرى استهدافه أول من أمس الثلاثاء في قرية سكنية واقعة جنوب جبل سنجار، وخاضعة لنفوذ وسيطرة مسلحي حزب "العمال الكردستاني".

الهجمات التركية خلال اليومين الماضيين اسفرت عن مقتل عدد من قيادات "الكردستاني" المحلية

وجاء القصف بعد يوم واحد من عملية استهداف سيارة رباعية الدفع يستقلها القيادي والمسؤول العسكري لـ"وحدات حماية سنجار"، الذراع المحلية لحزب العمال في سنجار، المدعو سعيد حسن، وأسفر عن مقتله مع اثنين من مرافقيه بعملية وصفت بالاستخبارية، خلال مروره بشارع فرعي داخل البلدة.

وأكدت مصادر محلية مطلعة في مدينة سنجار أن الهجمات التركية، خلال اليومين الماضيين، أسفرت عن مقتل عدد من قيادات "الكردستاني" المحلية، والتي تعمل ضمن غطاء مليشيا "وحدات حماية سنجار"، التي قام رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، وبضغط من أطراف سياسية، بضمها إلى "هيئة الحشد الشعبي" وصرف مرتبات شهرية لأعضائها أسوة بغيرهم من أفراد "الحشد".

ووفقا للمصادر ذاتها، فإن من بين القتلى عناصر بارزة في الحزب، مثل سعدو إلياس وعلي رشو وخدر شريف وميثم خضر، وآخرين يعتقد أنهم متورطون في تسهيل أنشطة عناصر حزب العمال، بما فيها تنقلاتهم من الأراضي السورية إلى داخل الأراضي العراقية عبر مجمع خانصور الحدودي، الذي ينشط فيه مسلحو الحزب والمقابل لمدينة الحسكة السورية.

وأكدت تلك المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن الهجمات التركية الأخيرة، دفعت مسلحي الحزب إلى تغيير عدد من مقراته في جبل سنجار تحسبا لغارات جديدة، لكن ما يمكن اعتباره الأخطر على جيوب حزب العمال في سنجار هو الاختراق الاستخباري الذي حققته القوات التركية إلى درجة معرفة السيارة التي يستقلها المسؤول العسكري للمليشيا في سنجار سعيد حسن، واستهدافه بهذه الدقة.

وعلى خلاف عمليات قصف سابقة، حين كانت بغداد تستدعي السفير التركي وتسلمه مذكرات احتجاج، ويجري تصعيد الرد إعلاميا، فضلت حكومة مصطفى الكاظمي الصمت وعدم التعليق على الهجمات، على عكس المليشيات المسلحة والقوى السياسية الحليفة لإيران، والتي دعت إلى اعتبار أن العمليات التركية الحالية "سلوك احتلال"، وأخرى دعت للتظاهر أمام السفارة التركية.

كذلك، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، الأربعاء، أنها تتابع التقارير بشأن عمليات تركية وقعت في شمال العراق. وذكر مكتب شؤون الشرق الأدنى، التابع للوزارة، في تغريدة على "تويتر": "نحن على اطلاع بشأن التقارير الصحافية المتعلقة بالعمليات التركية في شمال العراق.. نعيد التأكيد على وجهة نظرنا بأن العمل العسكري في العراق يجب أن يحترم السيادة العراقية".

بدورها، ذكرت المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، في تعليق لها أوردته محطة تلفزيون "كردستان 24"، التي تبث من مدينة أربيل، أنه "يجب أن تقوي الحكومة العراقية سلطتها وأن تضع حدا لتواجد حزب "العمال الكردستاني" وكافة الفصائل العسكرية التي تعمل خارج القانون العراقي على الأراضي العراقية. على الحكومة العراقية أن تفرض سيطرتها والحل العسكري غير مفيد، بل يجب اللجوء الى الحوار بين بغداد وأربيل وتركيا".

ولا يحظى الحزب بأي ترحيب شعبي في مناطق إقليم كردستان العراق شمالي البلاد، كما أن حكومة أربيل وجهت أخيرا اتهامات للحزب بالقيام بعمليات خطف وتجنيد أطفال وزرع مناطق سكنية بالألغام، متهمة إياه بأخذ إتاوات من المزارعين العراقيين الأكراد في القرى التي ينشط بها.

وقال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني طه عقراوي، لـ"العربي الجديد"، إن العمليات الجوية التركية في سنجار "تشير إلى جدية أنقرة في الحد من قدرات الحزب العسكرية".

وأضاف عقراوي أن "توسيع الضربات لتشمل مناطق جغرافية أبعد، كما الحال في سنجار، يحمل رسائل مهمة لكل الأطراف الداخلية في العراق، من بينها ضرورة أن تحسم بغداد موقفها بطرد حزب العمال من سنجار والعمل على مشكلة تواجده في عموم الدولة".

في المقابل، يقول الخبير بالشأن العراقي أحمد النعيمي، لـ"العربي الجديد"، إن العمليات التركية الأخيرة في سنجار قد تكون بتفاهم مع بغداد التي عجزت عن تنفيذ اتفاقية تطبيع الأوضاع في المدينة، والقاضية بإخراج كل المليشيات منها، بما فيها حزب "العمال الكردستاني".

ويضيف النعيمي أن "آمال بغداد بمشاركة الرئيس التركي في القمة المرتقبة بعد أقل من أسبوعين قد تكون سببا أيضا في عدم تعليقها على الغارات حتى لا يكون هناك جو متوتر يحبط مساعي مشاركة تركية على مستوى رئيس الجمهورية في المؤتمر الذي ترغب بغداد بطرح الكثير من الملفات مع دول الجوار خلاله".

واعتبر أن أهم الرسائل الحالية في الهجمات الجوية التركية على سنجار هي أن "الحزب المصنف على لائحة الإرهاب لم يعد يملك أي مناطق آمنة للتحصن بها بالشمال العراقي كما كان يعتقد".

المساهمون