غزة: تصعيد على وقع تزايد التطبيع

17 اغسطس 2020
حرائق في الأراضي المحتلة جراء إطلاق البالونات الحارقة (مناحيم كهانا/فرانس برس)
+ الخط -

ربما لا يكون التصعيد الإسرائيلي الحالي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة منفصلاً بالكامل عن إعلان التحالف بين تل أبيب وأبوظبي. صحيح أن دولة مثل الإمارات لم تكن يوماً عائقاً أمام العدوان الإسرائيلي المتكرر خصوصاً ضد الشعب الفلسطيني، إلا أن موجة التصعيد الحالية، المتواصلة منذ أيام، وتزامنها مع الإعلان عن اتفاق التحالف الإسرائيلي-الإماراتي، ربما تكون استفادت من غطاء إضافي لخنق القطاع المحاصر وضرب الحركات المسلحة فيه، والتي تتعامل معها أبوظبي على أنها منظمات إرهابية. والغطاء المقصود هنا يتعلق خصوصاً بتزامن التصعيد مع الموقف الرسمي العربي حيال الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي في وجهيه: الموقف المؤيد علناً للاتفاق والمتحمس له (مصر والبحرين والإعلام السعودي، من دون الحديث عن دول تابعة بقرارها السياسي للمحور السعودي الإماراتي مثل موريتانيا)، أو الصامت حيال المجاهرة بالتحالف. وبالفعل، تُرجم التزامن بين الحدثين (التصعيد وإعلان التحالف) في كيفية تعاطي الإعلام الإماراتي والسعودي مع الغارات الإسرائيلية والقصف المتواصل وإغلاق المجال البحري أمام صيادي غزة، فجاءت معالجة هذا الإعلام، بنوعية المصطلحات المستخدمة والنفس العام للتغطية، تبريرا للتصعيد، بينما كانت الاتفاقيات الأولية بين أبوظبي وتل أبيب تتسارع، ما يفنّد، مجدداً، كل الأكاذيب التي ساقها ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد وفريق عمله لتبرير الاتفاق مع إسرائيل، باستحضارهم أسطورة أن الاتفاق يخدم الشعب الفلسطيني ويجمّد قرار الاحتلال ضم أجزاء من الضفة الغربية.

ووسّع الاحتلال الإسرائيلي، ليل السبت وأمس الأحد، من عدوانه على قطاع غزة، مع زيادة التضييق على سكانه، عقب إغلاقه البحر أمام الصيادين، بعد أيام من إغلاقه معبر كرم أبو سالم، المنفذ التجاري الوحيد للقطاع مع الأراضي المحتلة والعالم الخارجي. في المقابل ردّ الفلسطينيون بتفعيل مزيد من الأدوات "الخشنة" على الحدود الشرقية والشمالية للقطاع مع الأراضي المحتلة، ليضاف "الإرباك الليلي" إلى البالونات الحارقة التي لا تزال تتساقط على مستوطنات "غلاف غزة" وتحدث مزيداً من الحرائق في الأراضي الزراعية. وفي فعالية "الإرباك الليلي" شرقي مدينة غزة، أصيب عدد من الفلسطينيين بجراح برصاص الاحتلال، فردّت المقاومة بإطلاق صاروخين على مستوطنة سديروت، فيما بدا أنه تثبيت لمعادلة جديدة مفادها أنّ استهداف النشطاء على الحدود سيقابله صواريخ من غزة على الغلاف.

وأطلق الاحتلال خلال الأيام الماضية الرصاص الحيّ مباشرة على كل من يقترب من الحدود مستهدفاً بالذات مطلقي البالونات الحارقة، واستهدف كذلك عدداً من المواقع العسكرية لـ"كتائب القسام" الذراع العسكرية لحركة "حماس"، في مناطق مختلفة من القطاع بقصف جوي عنيف. وقال الجيش الإسرائيلي، فجر الأحد، إن طيرانه قصف أهدافاً تابعة لـ"حماس" جنوبي غزة، بما في ذلك موقع لتخزين صواريخ، على خلفية إطلاق صاروخين تجاه مدينة سديروت. وذكر شهود عيان أن طائرات حربية ومسيرة استهدفت موقع "عسقلان" التابع لـ"كتائب القسام" شمالي بيت لاهيا بأكثر من ثمانية صواريخ. وفي مخيم البريج وسط القطاع، استهدفت طائرات حربية إسرائيلية موقعاً للمقاومة، ولم يبلغ عن وقوع إصابات في صفوف الفلسطينيين. واستهدفت طائرة إسرائيلية مسيّرة مرتين نقطة رصد للمقاومة شرقي مدينة غزة. من جهته، أعلن وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس أمس أن "الجيش الإسرائيلي سيرد بقوة حتى عودة الهدوء إلى الجنوب". وأضاف "إذا لم تكن سديروت هادئة، فلن تكون غزة كذلك".

غانتس: إذا لم تكن سديروت هادئة، فلن تكون غزة كذلك

وبعد يومين من تقليص مساحة الصيد إلى 8 أميال بحرية فقط، أغلقت سلطات الاحتلال البحر بشكل كامل أمام الصيادين الفلسطينيين ومنعتهم من مواصلة أعمالهم ولاحقتهم حتى أخرجتهم من البحر. فيما لا يزال معبر كرم أبو سالم، مغلقاً لليوم السادس على التوالي، بينما تسمح السلطات المصرية بإدخال جزئي لوقود السيارات وبعض مواد البناء بشكل متقطع عبر معبر تجاري أنشئ حديثاً على الحدود بين مصر وقطاع غزة.

وتأخر حضور الوفد الأمني المصري إلى غزة هذه المرة لتهدئة الأوضاع، لكن وفق مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد"، يتجهز الوفد لزيارة القطاع وتل أبيب في وقت قريب، لنقل الرسائل بين الطرفين ومحاولة إحياء التفاهمات التي أبرمها بين الجانبين في أعقاب مسيرات العودة وكسر الحصار الحدودية.

وتضع "حماس" ومعها الفصائل شروطاً لعودة الهدوء إلى غزة، على رأسها وقف التضييق الإسرائيلي على القطاع والسماح بتدفق المساعدات المالية والإنسانية للفلسطينيين والعودة لتنفيذ تفاهمات الهدوء الحدودية. وبينما يرمي الاحتلال على "حماس" مسؤولية كافة الأعمال التي تستهدفه من غزة، تحمّل الحركة إسرائيل المسؤولية عن نتائج وتبعات التصعيد الذي يستهدف المتظاهرين السلميين شرقي القطاع. وعدّ المتحدث باسم "حماس" فوزي برهوم، في تصريح صحافي، استهداف الناشطين على الحدود "تجرؤاً على الدم الفلسطيني، وجريمة تضاف إلى سجل الاحتلال الأسود بحق شعبنا وأهلنا في غزة". ولفت برهوم إلى أنّ ما يقوم به المتظاهرون على السياج الحدودي شرقي غزة هو فعل شعبي مقاوم، وتأكيد أن الشعب الفلسطيني مصمم على خوض معركة كسر الحصار والعيش بكرامة بكل قوة مهما كلف ذلك من ثمن.

"حماس": الشعب الفلسطيني مصمم على خوض معركة كسر الحصار والعيش بكرامة بكل قوة مهما كلف ذلك من ثمن

وفي السياق، أكد عضو المكتب السياسي لحركة "الجهاد الإسلامي"، يوسف الحساينة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ هناك اتفاقاً بين قوى المقاومة الفلسطينية على التصدي للتغول الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، لا سيما في ظل محاولة العدو الصهيوني التنصل من التزاماته. ولفت الحساينة إلى أنّ هناك "إجماعاً وطنياً من خلال التنسيق العالي والالتفات بين شعبنا وقوى المقاومة على التصدي للعدو الصهيوني الذي يحاول خلق معادلات جديدة، في محاولة من بنيامين نتنياهو وشركائه للهروب إلى الأمام من المأزق الداخلي الذي يعيشونه". وأكد الحساينة أنّ المقاومة جاهزة ولديها استعداد كبير للتصدي لهذه التغولات وهذه الاعتداءات، ولن تسمح للاحتلال بأن يستمر في اعتداءاته واستهدافه للمدنيين ولحياة الشعب الفلسطيني وقوته ويشدد الحصار عليه. واستبعد الحساينة أنّ تذهب الأوضاع إلى حرب واسعة ضد غزة، على الرغم من إقراره بأنّ "المرحلة صعبة والتعقيدات كبيرة، لا سيما في ظل حالة النشوة التي يعيشها الكيان الصهيوني في ظل إشهار التطبيع مع دولة الإمارات بالرعاية الأميركية". وكانت "الجهاد الإسلامي" قد قالت في بيان إن إسرائيل "أصبحت تستفيد من أجواء التطبيع لفرض المزيد من التضييق على شعبنا".

المساهمون