فضيحة فساد ضخمة تهزّ القيادة البولندية.. عشرات آلاف التأشيرات للدخول من الباب الخلفي لأوروبا

19 سبتمبر 2023
كانت بولندا تظهر تشددا حيال اللاجئين وبنت أسوارا كبيرة على حدود بيلاروسيا لأجل ذلك (Getty)
+ الخط -

تعيش بولندا، العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، على وقع "فضيحة منح تأشيرات لمهاجرين من آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط على أسس كاذبة"، فيما تشير تقديرات صحافية معارضة في وارسو إلى منح 250 ألف شخص "تأشيرات عمل كاذبة" للوصول إلى البلد والانتقال منه إلى بقية الاتحاد الأوروبي. 

وساهم منح هذا الكم من التأشيرات من البلد العضو في اتفاقية "شينغن" الأوروبية، خلال نحو عامين ونصف العام، بزيادة الضغط على نظامي الهجرة واللجوء في ألمانيا والسويد، الوجهتان المفضلتان لطالبي اللجوء.

وتوصف هذه القضية، محليا وأوروبيا، بأنها ربما أكبر فضيحة في بولندا في القرن الحادي والعشرين، كما تعدّ أكبر هزة سياسية للقيادة البولندية بزعامة اليميني المحافظ ياروسلاف كاتشينسكي، الساعي مع حزبه "القانون والعدالة" إلى الفوز بولاية ثالثة بعد نحو ثلاثة أسابيع في انتخابات 15 أكتوبر/تشرين الأول القادم.

ولأن القصة، التي يتواصل الكشف عن تفاصيلها، تتعلق بفساد قمة الحزب القومي المحافظ الحاكم في بيع تأشيرات هجرة للالتفاف على قوانين أوروبا الصارمة في هذا المجال، فهي قضية مثيرة للجدل المحلي والأوروبي، إذ إن الحزب (القانون والعدالة) يسوق نفسه كجزء من تيار أوروبي يميني متشدد حيال اللجوء والهجرة إلى بولندا والقارة الأوروبية. 

وظلت قيادة الحزب على مدار السنوات الثماني الماضية، مثل رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، تسوق فكرة أنها تمثل "حماة القارة الأوروبية من تدفق مهاجري الدول الفقيرة".

وفي هذا السياق، ظل الحزب منذ صيف 2021 يظهر تشدداً حيال محاولات بيلاروسيا استخدام رئيسها الموالي لموسكو ألكسندر لوكاشينكو اللجوء كورقة سياسية من خلال غاباتها الحدودية مع دول في الاتحاد الأوروبي (بولندا ودول البلطيق)، بعد السماح لهؤلاء بالوصول من دولهم الأصلية في أفريقيا والعراق ودول آسيوية، وبنيت لأجل ذلك أسوار كبيرة على حدود بيلاروسيا، وأظهر حرس الحدود البولنديين تشددا مع العالقين في الغابات الحدودية وبينهم عوائل من العراق وسورية.

غير أن تفاصيل ما يجري الكشف عنه أخيرا توضح مدى الفساد الذي يضرب معسكر التطرف القومي في البلد الذي رفض حتى مسألة قبول بعض اللاجئين القادمين إلى القارة منذ 2015.

فوفقا للتقارير في وارسو وعواصم أوروبية، يتبين أن بولندا الآن، ربما بسبب الفساد، سمحت لنحو 250 ألف عامل مهاجر بالدخول إلى منطقة "شينغن"، حيث تمكنوا من التقدم إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى لطلب الإقامة. ولولا أن السلطات السويدية والألمانية استغربت ارتفاع أعداد القادمين خلال العامين الماضيين بتأشيرات "شينغن" البولندية لما كشفت الأمور على هذا النحو الذي يورط ساسة كبار في المعسكر القومي. 

وطاولت القضية نائب وزير الخارجية البولندي بيوتر وارزيك، الذي حاول الانتحار بعد بدء الكشف عن القضية في 30 أغسطس/آب الماضي، وتدحرجها حتى اليوم، إلا أنه تم إنقاذ الرجل وهو رهن الاعتقال الآن، مع عدد آخر غير معروف تكشف عنهم التحقيقات المستمرة.

ووفقا لما رشح من معلومات عن التحقيقات، فإن نائب الوزير كان مسؤولا عن كل القنصليات البولندية حول العالم، وكان يتدخل شخصيا لتسريع منح البعض ممن تقدم للحصول على التأشيرات، الفردية والجماعية.

ما هو مثير في القضية أن حرس الحدود الألمان والسويديين أبلغوا سلطات بلديهما بشكوك حول زيادة عدد القادمين عبر بولندا، حيث باشرت سلطات مكافحة الفساد البولندية بالتحقيق السري، ويبدو أنها تحقيقات آخذة في الانتشار ومتوقع أن تطيح برؤوس كبيرة، حيث جرى الأسبوع الماضي اعتقال سبعة أشخاص "رسميين" على ذمة القضية، هذا إلى جانب إقالة المدير القانوني في وزارة الخارجية، بحسب ما نقلت "رويترز" عن مصادر حكومية.

تفاصيل مثيرة

تسارع وتيرة منح بولندا تأشيرات "عمل" خلال الأشهر الثلاثين الماضية جعل البلد مسؤولا عن تأشيرة من كل ثلاث تأشيرات في دول الاتحاد الأوروبي. بل إن بولندا خلال العام الماضي أصدرت نحو 700 ألف تأشيرة، بينما ألمانيا لم تصدر أكثر من 540 ألفا.

بالنسبة للسلطات البولندية، فإن نفيها الأولي بعد تواصل استوكهولم وبرلين معها لم يسعفها في تغطية ما كان يجري. إذ استبعدت المعارضة البولندية بدايةً أن يكون الأمر متعلقا فقط ببضع مئات من التأشيرات، كما ذهبت السلطات في نهاية الشهر الماضي، وأعربت عن اعتقادها بأن الحجم يتعلق بأكثر من 250 ألف تأشيرة "شينغن" أصدرتها قنصليات البلد في الشرق الأوسط وآسيا وبعض دول أفريقيا. فيما تحدثت مصادر أخرى لـ"بيلد" ودويتشه فيله الألمانيين عن نحو 350 ألف تأشيرة مقابل رشى مالية.

وإذا كان ما يجري تداوله في وارسو ودول أوروبية عن أن مهربي البشر والمسؤولين البولنديين كانوا يتقاسمون ما بين 4 إلى 5 آلاف دولار عن كل شخص يجري منحه تأشيرة عمل، بحسب الإعلام البولندي، فيمكن أن يكون الفساد بحجم غير مسبوق في دولة عضو في الاتحاد الأوروبي منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، بعد انهيار الكتلة الشرقية بعد سقوط جدار برلين في 1989.

من بين الأمثلة التي تثير الكثير من اللغط والجدل حول حجم الفساد، ما أشار إليه تحقيق صحافي لموقع "أونيت" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حول تواصل نائب وزير الخارجية بيوتر واورزيك مع قنصلية بلده في كل من نيودلهي ومومباي في الهند، طالبا في عدة برقيات تسريع منح تأشيرات لطاقم فيلم من بوليوود الهندية لتصوير فيلم في أوروبا. 

وكشف التحقيق أن "مصمم الرقصات لا يعرف الرقص، المنتج ليس أكثر من تاجر خضار، وفنان الماكياج يدير صالونا للعناية بالأظافر في محطة بنزين".

على كل، تعتبر المعارضة البولندية أن الكشف عن هذه الفضيحة في المعسكر القومي المتشدد مؤشر إلى ضرورة التغيير في البلد. هذا بالرغم من أن شعبية حزب "القانون والعدالة" ليست أمرا هينا، إذ حتى مع وقوف بولندا إلى جانب أوكرانيا في حربها ضد الغزو الروسي، انتهجت الحكومة سياسات تعارض توجهات أوروبية بالسماح بالدخول الحر والتفضيلي للمنتوجات الزراعية الأوكرانية، وهو ما يرفع شعبية المحافظين في صفوف أغلبية مزارعي وفقراء بولندا. 

ربما تحرم هذه الفضيحة اليمين المتشدد من مصداقية خطابه الذي يتهم المعارضة بأنها تساهم في تدفق الهجرة نحو أوروبا و"التغيير الديموغرافي"، الذي يتهم به المسؤول الأوروبي السابق دونالد توسك المنافس للقوميين اليوم في وارسو.

المساهمون