قيادات "الكتيبة 26 استطلاع" هدف لـ"ولاية سيناء"

08 يوليو 2022
تشييع قتيل للجيش بهجوم في سيناء، مايو الماضي (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

تثير خسارة الجيش المصري المتتالية، منذ عام، لقيادات في "كتيبة 26 استطلاع" التي تمثل أحد أجهزة إدارة المخابرات الحربية، بهجمات لتنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، الكثير من علامات الاستفهام والتساؤلات، حول استهداف هذه الكتيبة بالذات من قبل "ولاية سيناء"، وكذا عن التوقيت. 

كما تشمل التساؤلات استخدام التنظيم لتكتيكات جديدة في الهجمات التي ينفذها في مناطق مختلفة من شبه جزيرة سيناء، خصوصاً بعد نجاح القوات المسلحة المصرية في توجيه عددٍ كبير من الضربات له في مناطق مختلفة من المحافظة.


تشمل التساؤلات استخدام التنظيم لتكتيكات جديدة في هجماته

وتزداد حدّة التساؤل، خصوصاً أن الاستهداف تمّ على مدار ما يقارب العام، وفي أماكن حسّاسة، لواحدة من كتائب جهاز الاستطلاع الذي يتبع وزارة الدفاع ويمثل عيون وطليعة القوات المسلحة، وتُسند إليه مهام الاستطلاع الخطيرة في عمق وخلف خطوط العدو للحصول على معلومات عن قوته وإمكانياته. وهذه المهام هي ما تفعله هذه الكتيبة لمعرفة قدرات تنظيم "ولاية سيناء"، خصوصاً في المناطق النائية، المتمثلة في جبال وسط سيناء الوعرة والتضاريس المتعرجة.

الكتيبة 26 استطلاعات: عام من الاستهداف

وسجّلت الوقائع الميدانية على مدار العام الماضي، هجمات أودت بحياة عددٍ من قيادات "الكتيبة 26 استطلاع" العاملة في مناطق وسط سيناء. وكانت بداية الأحداث بمقتل ضابط كبير في المخابرات الحربية، في 4 يونيو/حزيران 2021.

وقالت المصادر الطبية العسكرية، حينها، لـ"العربي الجديد"، إن المقدم أركان حرب، أحمد محمد جمعة، من إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، وقائد "الكتيبة 26"، قتل بانفجار عبوة ناسفة استهدفت آلية عسكرية، فيما أصيب عدد من العسكريين بجروح، ما دفع قوات الجيش إلى ملاحقة التنظيم في كافة دروب وسط سيناء، لوقف هجماته في ذلك الوقت.

وبعد مرور أسابيع قليلة، قتل أيضاً المقدم أركان حرب، أحمد سمير محمد شرف الدين، رئيس عمليات الكتيبة 26 مخابرات حربية واستطلاع، برصاص مسلحين جنوبي مدينة بئر العبد، في هجوم استهدف مركبته العسكرية، وأصيب من كانوا برفقته في ذلك الهجوم. 

وفي 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، قتل المقاتل في الكتيبة، هشام شمس، خلال اشتباك مع التنظيم. وفي 11 يونيو الماضي، قتل النقيب أحمد بسيوني أحد أفراد الكتيبة، على الرغم من انتقاله للعمل في نطاق مدينة رفح برفقة قوات حرس الحدود على الطريق الساحلي للمدينة.

وفي آخر خسائر الكتيبة، سجل منذ أيام عدة وقوع هجوم في منطقة المغارة وسط سيناء، تمثل بتفجير عبوة ناسفة بآلية تابعة للجيش. وقتل في الهجوم الرائد أمير إبراهيم، وهو أحد قادة كتيبة 26 استطلاع، ليرتفع عدد قتلى الكتيبة وحدها إلى 5 في عام واحد.

رسائل "ولاية سيناء"

وتعقيباً على هذه الوقائع، رأت مصادر قبلية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تنظيم ولاية سيناء وكأنه يتقصد الكتيبة التابعة للمخابرات الحربية بعينها، دوناً عن بقية القوات، إذ إنه كان يلاحق أفراد الكتيبة وقادتها بشكل مباشر وشخصي". 

وأوضحت المصادر أن "قتل قائد الكتيبة (أحمد جمعة)، حصل في فترة كان نشاط التنظيم فيها يشهد ركوداً واضحاً، وذلك في يونيو 2021، وجرى استهداف قائد الكتيبة في ظروف غامضة لم تتضح تفاصيلها، في حين أن صفحة المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية، لم تأتِ على ذكر مقتل أي من أفراد هذه الكتيبة".

وأضافت المصادر ذاتها، أن مناطق وسط سيناء كانت تشهد هدوءا واضحاً في النشاط العسكري للتنظيم مقارنةً بمناطق رفح والشيخ زويد وبئر العبد، إلى أن جاء الهجوم الذي وقع في محطة المياه غرب بئر العبد، في مايو/أيار الماضي، والذي راح ضحيته 16 عسكرياً، ليتبنى التنظيم الهجمات سابقة الذكر بشكل رسمي، في بيانات نشرت على منصات التواصل الاجتماعي في أعقاب الهجوم.

ويسعى تنظيم "ولاية سيناء" إلى تسجيل نقاط في سجل عمليات الاغتيالات التي تستهدف الكوادر الأمنية، وكان منها على مدار السنوات الماضية اغتيال اللواء خالد كمال عثمان من قوة قطاع الأمن المركزي، ومدير إدارة الأحوال المدنية في شمال سيناء، العميد أحمد عسكر، ومدير مكتب قائد الجيش الثاني الميداني، العميد أحمد كمال الشيخ خليل، وقائد كتيبة الصاعقة 103 المقدم رامي حسنين، والعميد طيار في الجيش المصري هشام شاهين. 

وقتل أيضاً بهجمات لـ"ولاية سيناء"، قائد الفرقة 9 مشاة، العميد عادل رجائي، وقائد "اللواء 134" العميد أركان حرب مصطفى أحمد عبيدو، والعقيد أركان حرب أسامة عبد الحليم، وهو قائد كتيبة مشاة.

من مهام الكتيبة معرفة قدرات "ولاية سيناء" خصوصاً في المناطق النائية

كما أصيب بهجمات التنظيم وكيل المباحث في مديرية أمن شمال سيناء، العميد وهبة الشورى، وكذلك مفتش الأمن العام في منطقة جنوب سيناء، العقيد ياسر الحديدي، وقائد عمليات الجيش المصري في مدينة رفح، المقدم أركان حرب محمود جمال منتصر، وحكمدار مديرية أمن شمال سيناء، اللواء توفيق حسام.

ورأى باحث في شؤون سيناء، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تنظيم ولاية سيناء يسعى في كل فترة إلى تحقيق أي اختراق نوعي ليثبت حضوره، في ظل الضربات التي يتلقاها على يد الأمن المصري بين الفينة والأخرى، وكذلك لأمور داخلية تخص التنظيم وتتعلق بإرساله رسالة لقادة التنظيم في خارج مصر، مفادها أنه لا يزال قادراً على الاستمرار في مهاجمة الأمن المصري".

ويأتي ذلك، بحسب الباحث، في ظل المشاهد الآتية من شمال سيناء، والتي تؤكد فيها القوات المسلحة المصرية السيطرة على مساحات شاسعة كان التنظيم متواجداً فيها طوال السنوات الماضية.

وبرأي الباحث الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لتواجده في سيناء، فإن التنظيم يحاول "الرد على الرواية الرسمية من خلال البحث عن أهداف لهجماته، ظنّاً منه أنه يمكن إضعاف القوة العسكرية المصرية في مواجهته، من خلال بعض الهجمات المتناثرة، لتجاوز الظروف الصعبة التي يعيشها في ظل تضييق الخناق عليه من قبل قوات الجيش والمتعاونين البدو في رفح والشيخ زويد وبئر العبد ووسط سيناء".

وأضاف الباحث أن التنظيم "يعي جيداً أن معركته مع الجيش المصري تعتمد أساساً على المعلومة الاستخبارية، والتي تتوافر من خلال المتعاونين البدو مع قوات الجيش، واستخبارات الجيش، المتمثلة في المخابرات الحربية والاستطلاع، وبالتالي قد يتعمد إلحاق الضرر بهذين المصدرين بشكل مباشر، من خلال ملاحقة المتعاونين البدو طيلة السنوات الماضية، وكذلك استهداف القوة الاستخبارية التابعة للجيش في سيناء، والمتمثلة في كتائب الاستطلاع وأبرزها الكتيبة 26 استطلاع".

وأضاف المصدر أن "الكتيبة 26 استطلاع فقدت جزءاً أساسياً من كوادرها خلال العام الأخير، ما يفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات عدة حول كيفية معرفة التنظيم بقوة الكتيبة وأفرادها وأماكن نشاطها في شمال سيناء".

وحذّر الباحث من أن ينعكس استهداف كتيبة الاستطلاع على سير العمليات العسكرية، خصوصاً في منطقتي وسط سيناء ورفح لأن في ذلك "تحقيقا لمراد التنظيم من الهجمات الأخيرة، من إضعاف الروح المعنوية للمقاتلين على الأرض، سواء قوات الجيش أو المجموعات القبلية المساندة له".

ولفت إلى أن "الرد الذي يخشاه التنظيم هو أن تؤدي الهجمات إلى رد فعل عكسي يتمثل في زيادة الملاحقة للمجموعات المتبقية من تنظيم داعش، التي باتت تتحصن في مناطق محددة وليس على امتداد محافظة شمال سيناء كما كان الحال طوال السنوات الماضية". 

وأوضح أن "الدور الأبرز للمجموعات القبلية في ملاحقة تنظيم ولاية سيناء يعود به الفضل إلى المخابرات الحربية التي باتت محل استهداف متعمد من تنظيم داعش".