كيبيك... قانون العلمانية ينعش الإسلاموفوبيا

25 مايو 2021
من تظاهرة تضامنية مع ضحايا مجزرة مسجد كيبيك عام 2017 (فرانس برس)
+ الخط -

أكدت المحكمة العليا في كيبيك ـ كندا في 20 إبريل/نيسان الماضي على جزء من قانون العلمانية، الذي يقيّد ارتداء الرموز الدينية في الوظائف العامة. وبعد أسابيع عدة من جلسات الاستماع، أصدر القاضي مارك أندريه بلانشار، حكماً مؤيداً للحفاظ على قانون علمانية الدولة، المسمى "القانون 21". وبموجب القرار تُعفى مجالس المدارس الناطقة بالإنكليزية ونواب الجمعية الوطنية في كيبيك من الامتثال إلى حظر ارتداء الرموز الدينية، الذي يستهدف بشكل خاص المعلمين والشرطة والقضاة والمدعين العامين. ويواجه القانون منذ دخوله حيّز التنفيذ في يونيو/ حزيران 2019، انتقادات بسبب طبيعته التمييزية، خصوصاً ضد النساء المسلمات.

"إنه انتصار جزئي فقط"، بحسب المحامية نور فرحات، الممثلة لمجموعة من المدرّسين المعارضين لـ"القانون 21"، وتضيف في حديثٍ لـ"أوريان 21" أن "هناك خيبة كبيرة بما يتعلق بالحكم الذي تم إصداره، ومع ذلك نحن سعداء بمحتواه". في الحكم، يقرّ القاضي بلانشار بالطبيعة التمييزية لـ"القانون 21"، تحديداً بالنسبة للنساء اللواتي يرتدين الحجاب أو أنواعًا أخرى من الأوشحة. وتنصّ الفقرة 67 من الحكم، على أن "الدليل يظهر أن سياسة الإقصاء هذه، كما يجب تسميتها، لها عواقب مبالغ فيها على المسلمات". وعلى الرغم من أن الحكم يعترف بالطابع التمييزي والمخالف للحقوق والحريات الأساسية للقانون، غير أنه لم يتم إبطاله. وتشرح فرحات بأن "يدي القاضي كانتا مقيدتين"، كونه تمّ اعتماد مشروع "القانون 21" من قبل المشرّعين باللجوء إلى "بند غضّ الاعتبار"، الذي يسمح بتجاوز بعض مواد الميثاق الكندي للحقوق والحريات. في نفس اليوم، أي في 20 إبريل الماضي، أعلنت حكومة كيبيك التي يقودها المحافظ فرانسوا ليغو منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018 بأنها "ستستأنف هذا القرار".


أقرّت المحكمة بالطبيعة التمييزية للقانون 21 ضد المسلمات

مضايقة إعلامية
وشكّلت النساء المسلمات غالبية الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم بسبب حظر الرموز الدينية المنصوص عليه في "القانون 21"، كما تقول فرحات. وتؤكد أن "من المفترض أن ينطبق القانون على الجميع بشكل متساو. لكن في الواقع، فإن المرأة التي تحمل صليباً يمكنها إخفاؤه تحت سترتها، بينما امرأة ترتدي خماراً لا تملك أية طريقة لإخفائه"، وهذا ما يفسر هذا الوضع المقلق.

من جهتها، ترى الرئيسة المشاركة لـ"الجمعية القانونية المسلمة" في جامعة "ماكجيل" خديجة أحمد، التي التقيناها خلال تظاهرة أمام مكتب رئيس وزراء كيبيك، تم تنظيمها بعد ساعات قليلة بعد صدور الحكم، بأن أحكام "القانون 21" تنتهك حقوق وحريات كل مواطني كيبيك. وتعرب عن اعتقادها بأنه "من غير العدل القول إن القانون يؤثر أكثر على المسلمين". وتذكر بأنه في غياب معطيات بالأرقام، فإن هذا التأكيد ليس له قيمة تذكر. وتقرّ الطالبة في القانون، التي ترتدي الحجاب أيضاً، بأن "القانون يساهم في خطاب معاد للإسلام الذي هو موجود بالتأكيد في كيبيك".

وقُدّر عدد المسلمين في كيبيك في عام 2020 بنحو 300 ألف نسمة من مجموع 8 ملايين نسمة. وقد أظهرت استطلاعات الرأي قبل المصادقة على القانون الخاص بعلمانية الدولة أن أغلبية المواطنين تؤيده. وهي غلبة إحصائية لم تضع حداً للنقاش في المجتمع الذي يكون، حسب فرحات، مسرحاً لحملة من المضايقات الإعلامية تستهدف النساء المسلمات على وجه التحديد. وتضيف: "لم نسمع إلا قليلاً جداً عن الرجال الذين يعتمرون العمامة أو الكيبا (القلنسوة اليهودية)"، مشيرة إلى أنه "منذ عقد أو عقدين يصِمُ الخطاب العام في كيبيك المسلمين من دون حرج وعقد".

حملة ضد تعدد الثقافات
وخلصت دراسة سوسيولوجية تم إنجازها حول أحد كتّاب الأعمدة البارزين في "جورنال دو مونريال"، اليومية الأكثر قراءة في المقاطعة، بأن "الخطاب عن الإسلام و/أو المسلمين المنشور في أعمدة ريشار مارتينو يساهم في الإسلاموفوبيا". كما يحارب عالم الاجتماع ماتيو بوك كوتي، وهو وجه إعلامي بارز آخر، ضد التعددية الثقافية الكندية التي يعتقد أنها "تشكّل تهديداً للأمة الكيبيكية". وقد ردّ بعد الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا، بالتأكيد على أن هذه الأخيرة "باشرت في تفكيك القانون 21"، وبأن القاضي بلانشار "قرر إخضاع كيبيك إلى نظام التقسيم العرقي". ويمكن أن نقرأ في عموده في "جورنال دو مونريال": "من جهة، هناك أغلبية فرنكوفونية يتعين الخشية منها، ومن جهة أخرى هناك مجموعات من الأقليات يمكنها الآن أن تتحرّر، بإسم القانون، من القواعد الكيبيكية".

بالتالي، أصبحت المسألة "الهوياتية"، التي غالباً ما تتبلور حول رهانات متعلقة بالطائفة المسلمة، حاضرة بشكل متزايد في خطاب الأحزاب القومية التي تناضل من أجل استقلال كيبيك عن كندا. وتوجه الأصابع باستمرار إلى "تحالف مستقبل كيبيك"، من طرف جزء من المعارضة بسبب مواقفه وإجراءاته التي تعتبر معادية للأجانب، أو حتى أنها عنصرية ومعادية للإسلام. لكن قائد التحالف، رئيس وزراء كيبيك فرانسوا ليغو، يرفض الاعتراف بوجود عنصرية منهجية، بل سبق له أن جزم في عام 2019 بـ "عدم وجود كراهية للإسلام (إسلاموفوبيا) في كيبيك". وجاء هذا التصريح في حينه، في معرض تبرير معارضته لإعلان 29 يناير يوماً وطنياً ضد الإسلاموفوبيا، وهو تاريخ إحياء ذكرى الهجمات على مسجد كيبيك، في عام 2017، التي قُتل فيها ستة مصلين، برصاص ألكساندر بيسونيت، المعجب المتحمس بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ورئيسة "التجمع الوطني" اليميني المتطرف في فرنسا، مارين لوبان.

مسألة "هوياتية"
ويُعتبر مفهوم علمانية الدولة في كيبيك أحدث بكثير مما هو عليه بفرنسا، فحتى الستينيات كان المجتمع بأكمله يخضع لسيطرة الكنيسة الكاثوليكية، والتي كانت، من بين أمور أخرى، تسيّر الأنظمة الصحية والتعليمية، فضلاً عن تأديتها دوراً أساسياً في المجال الخاص. وما تزال مونريال، التي تعد القلب الاقتصادي والثقافي للمقاطعة، تسمى حتى اليوم بـ"مدينة المائة جرس".


يرفض رئيس وزراء كيبيك الاعتراف بوجود الإسلاموفوبيا

وقد أحدثت اكتشافات "لجنة بارانت"، التي شُكّلت في 21 إبريل 1961، حول التعليم موجة صادمة في المجتمع، وأدت تجاوزات رجال الدين إلى فقدانهم السيطرة على المؤسسات العامة. وقد بدأت آنذاك ثورة هادئة، تمثلت في تدشين عقد من الإصلاحات السياسية والمؤسساتية، جعلت كيبيك تجري الفصل الواضح بين الكنيسة والدولة. وبالتزامن، تمّ تأميم خدمات عامة مثل الطاقة الكهرومائية، في سياق التماشي مع الحركة السيادية التي كانت تنمو في أنحاء المقاطعة.

وأُعيد إحياء النقاش حول علمانية الدولة عام 2006، خصوصاً حول مسألة "الترتيبات المعقولة"، التي أتت بعد طلبات رفعتها بعض الجماعات الدينية الراغبة في أن تُستثنى من بعض القواعد بسبب معتقداتها. ونتيجة لذلك، أُنشئت لجنة التشاور "بوشار ـ تايلور"، وبرز حظر ارتداء الرموز الدينية البارزة في الوظائف العامة، كإحدى التوصيات الرئيسية لتقرير اللجنة. وفي عام 2013، وبمبادرة من الحزب "الكيبيكي"، الذي حمل لعقود المطلب الاستقلالي، تم طرح مشروع "القانون 60"، الهادف إلى وضع ميثاق القيم في كيبيك. وهو ميثاق للعلمانية مماثل لذاك الذي نشره في فرنسا في نفس السنة، وزير التربية الوطنية، فانسان بيّون، ليعيد مرة أخرى طرح مسألة الرموز الدينية، وبالتالي الحجاب، في النقاش العام. وكلّف هذا المشروع المثير للجدل الحزب "الكيبيكي" خسارة الانتخابات في عام 2014، وتم التخلي عن المشروع.

زيادة جرائم الكراهية
ما تزال أحدث حلقة لملحمة العلمانية والطعن القضائي في "القانون 21" بعيدة عن الانتهاء، وهي تبدو تتويجاً لنقاشات ومناورات سياسية ليست وليدة الأمس. ففي حين لاحظت هيئة الإحصاء الكندية ارتفاعاً واضحاً في جرائم الكراهية بين عامي 2015 و2019، هل يمكن القول بأن مناخ المقاطعة الجميلة أصبح معادبًا أكثر فأكثر للمسلمين؟

يبدي مدير الشؤون العمومية في كيبيك لدى "المجلس الوطني للمسلمين الكنديين"، يوسف فقيري، اعتقاده بأنه حان الوقت للاعتراف بأن "القانون 21" يفرض على المسلمين أن يكونوا "مواطنين من الدرجة الثانية". ويضيف: "أنا لا أقول بأن المجتمع الكيبيكي عنصري، ولكن عندما تنكر الحكومة الحقائق، فذلك هو المشكل الحقيقي"، مشيراً إلى رفض رئيس الوزراء ليغو الاعتراف بوجود الإسلاموفوبيا. وبعيداً عن الاستسلام يقول فقيري إنه سيواصل النضال ضد قانون علمانية الدولة وضد الإسلاموفوبيا، على الرغم من خيبة 20 إبريل الماضي. ويؤكد: "نحن فخورون بكوننا كيبيكيين وكيبيكيات. إننا في وطننا هنا".

يُنشر بالتزامن مع "أوريان 21"

https://orientxxi.info/ar