حسم الجيش المصري والمجموعات القبلية قبل فترة، المعركة في مواجهة تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، في مراكز مدن شمال سيناء، شرقي البلاد. وعلى الرغم من أن التنظيم تمركز في تلك المناطق لعشر سنوات، تمكن خلالها من حشد قوة عسكرية وبشرية ذات قيمة في الميدان، بدليل حجم الهجمات التي نفذتها ضد قوات الأمن والمتعاونين معهم، برز في المقابل دور "الدواعش" التائبين في ترجيح كفة القوات الأمنية في مواجهة التنظيم خلال العام الماضي.
معلومات ذهبية عن خطط "ولاية سيناء"
وفي كواليس المعركة الأمنية التي قادتها أجهزة مخابرات مصرية عدة، قال أحد مسؤولي المجموعات القبلية المساندة للجيش في سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن أجهزة المخابرات الحربية والعامة وحرس الحدود، عملت من بعد فرض الحصار على "داعش" في عام 2018، على فتح خطوط اتصال سرّية مع عناصر مؤثرين في التنظيم، بهدف تسليم أنفسهم مقابل الحماية الكاملة، ونقلهم خارج سيناء، وتقديم وسائل حياة جديدة. وهدفت الخطوة إلى إضعاف التنظيم، لا سيما أن العمل كان يجري على العناصر المحلية، من أبناء سيناء، الذين لهم الدور البارز في نشاط التنظيم، واختيار أماكن الاختباء والتحرك، لخبرتهم الكبيرة في المنطقة بخلاف العناصر الأجنبية.
قدّم العناصر التائبون معلومات ذهبية كانت أساس بناء خطط الجيش الجديدة لحسم المعركة
وأضاف المسؤول في المجموعات القبلية، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن المفاجأة السارة كانت أن هؤلاء العناصر التائبين والذين كان لهم دور في التنظيم، قدموا معلومات ذهبية، كانت أساس بناء الخطط الجديدة لحسم المعركة التي طال أمدها مع التنظيم الإرهابي، والتي كانت أولى خطواتها تعزيز وجود المكون البدوي في القوة العسكرية التي ستهاجم معاقل التنظيم. وبالفعل تمّ إشراك قبيلتي السواركة والأرميلات وعوائل عدة من بئر العبد في المعركة ضد "داعش"، وكان لذلك أثر بالغ في تحقيق إنجازات عسكرية ملموسة، أفضت إلى طرد التنظيم بشكل كامل من رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد في غضون أسابيع عدة، بحسب المصدر.
وبيّن المسؤول في المجموعات القبلية، أن هؤلاء "الدواعش" على صلة مباشرة في القرابة مع مسؤولين في اتحاد قبائل سيناء والمجموعات القبلية المختلفة، ما ساعد في التواصل بينهم وبين أجهزة المخابرات، وصولاً إلى التعاون معاً في مواجهة التنظيم. حتى أن بعضهم، بحسب المصدر، عاد برفقة الجيش إلى مناطق القتال، بهدف إرشاد القوة العسكرية الميدانية إلى أماكن الاختباء والخنادق والأنفاق التي حفرها التنظيم، وكذلك مخابئ الأسلحة والمواد المتفجرة. ولفت المصدر إلى أن هذه الأماكن ما كانت قوى الجيش لتصل إليها لولا تلك المعلومات الذهبية التي حصلت عليها من عناصر "داعش" التائبين.
وكان الجيش المصري برفقة المجموعات القبلية، قد حسم المعركة مع تنظيم "داعش" الصيف الماضي، بعد أيام طويلة من القتال، في كافة المناطق، أدّت إلى وقوع خسائر بشرية ومادية فادحة في صفوف الطرفين. وحصل ذلك بعد عقد من الزمن استمرت فيه المعركة بين مدّ وجزر، بينما انتقلت بعض خلايا التنظيم إلى مناطق الإسماعيلية والقنطرة ووسط سيناء، فيما باتت مناطق شمال سيناء خالية تماماً من "داعش".
في المقابل، كشف أحد مسؤولي اتحاد قبائل سيناء لـ"العربي الجديد"، أن أحد المسؤولين الحاليين للاتحاد ويدعى "أ.ج.ع" هو من الذين كانوا عملوا مع تنظيم "داعش"، إلا أن قرابته المباشرة برئيس الاتحاد رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، المقرب من قيادة المخابرات المصرية، كان مدخلاً إلى مساعدته للخروج من التنظيم بعد التضييق عليه خلال العملية العسكرية الشاملة في فبراير/شباط 2018.
التقط مسؤولو المجموعات القبلية العاملة مع المخابرات، أي إشارة من أقربائهم في التنظيم، للتوبة
ومنذ ذلك الحين، أوضح المصدر أن "أ.ج.ع"، يساعد ضباط المخابرات والجيش في تقدير الموقف والوصول إلى خلايا "داعش" ومخابئه في مدن شمال سيناء، وبعد الانتهاء من المهمة، بات يعمل في مجالات التجارة والمقاولات تحت مظلة شركات العرجاني، عدا عن منحه منزلاً ذا مستوى عالٍ من التجهيز في محافظة الإسماعيلية. ولفت المصدر إلى أن "هذا مثال على أحد أفراد داعش التائبين، الذين يقدرون بالعشرات، مع التفاوت في أهمية المعلومات التي قدموها".
وقال المسؤول في اتحاد القبائل إنه جرى فتح باب التوبة أكثر من مرة لعناصر التنظيم لتسليم أنفسهم، مع ضمان الأمان لهم وتقديمهم لمحاكمة عادلة، وإيواء عوائلهم من نساء وأطفال، وبالفعل حققت هذه الحملات نجاحات، بتسليم عشرات العناصر أنفسهم، أو تسليم عوائلهم لقوات الجيش في الميدان. وأوضح أن هذا الأمر أضعف قدرة التنظيم على الوقوف طويلاً في وجه الجيش خلال الحملة العسكرية التي شنّها برفقة أبناء القبائل البدوية العام الماضي، وأدت إلى تحقيق الإنجاز الأكبر في تاريخ الحرب على الإرهاب في سيناء.
متغيرات أحدثت فرقاً
وتعليقاً على ذلك، رأى باحث في شؤون سيناء في حديث لـ"العربي الجديد" أن حسم المعركة ضد "داعش" في 2022 بعد عشر سنوات من القتال المستمر، يشي بوجود بعض المتغيرات التي أحدثت فارقاً لصالح قوات الأمن والجيش، ومن أبرزها عناصر "داعش" الذين سلموا أنفسهم طواعيةً، أو الذين تم القبض عليهم، في عمليات أمنية تم تنفيذها عامي 2020- 2021، في أعقاب الحصار الشامل الذي ضرب شمال سيناء. وأشار الباحث إلى أن "الحصار أثّر على الدعم اللوجستي للعناصر الإرهابية وأحدث موجة من قلّة المواد التموينية، كالطعام والشراب والأدوية، ما زعزع صفوف ولاية سيناء، بالتزامن مع تراجع قوة التنظيم الأم في كافة المناطق خارج مصر".
وأكمل الباحث الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لتواجده في سيناء، أن عنصر "داعش" بات في ذلك الحين على مفترق طرق، فإما أن يكمل حياة الجوع والعطش له ولعائلته أو أن يتجه إلى قوات الأمن ويستفيد من حملات التوبة التي فتحت لهم. كما لفت إلى البعض من هؤلاء اتجه إلى التواصل مع أقربائه العاملين في المجموعات القبلية واتحاد قبائل سيناء الذين يعاونون قوات الأمن والجيش في سيناء، بهدف إنجاز صفقة بخروجه من التنظيم وتقديم معلومات حسّاسة، في مقابل ضمان عدم سجنه أو المحاكمة، بل الحصول على ظروف حياة جديدة ذات قيمة.
وبحسب الباحث، فإن مسؤولي المجموعات القبلية ومشايخها الذين هم على اتصال مباشر بأجهزة المخابرات، كانوا من جهتهم يلتقطون أي إشارة تصدر من أقربائهم في داخل التنظيم، تظهر رغبةً في الخروج من مستنقع الإرهاب، والعمل لصالح الدولة.
وبيّن الباحث أن تراجع البعض عن العمل مع التنظيم، سواء بمبادرة شخصية أو استغلالاً لباب التوبة، يعود إلى الأسباب التي دخل من أجلها التنظيم، وكذلك للعلاقات العائلية التي تربط غالبية عناصر التنظيم المحليين، فيما لم يسلم أي عنصر أجنبي نفسه لقوات الأمن، لعلمه بأن طبيعة التعامل معه ستكون قاسية للغاية. وختم بقوله إنه لهذا السبب، "نلاحظ أن غالبية قتلى التنظيم هم من الأجانب أي ليسوا مصريين، أو على الأقل مصريون من خارج سيناء، بينما المحليون تمكنوا من الهرب من مناطق القتال، أو سلّموا أنفسهم لقوات الجيش مع اشتداد التضييق عليهم خلال العمليات العسكرية".