على جاهليته تلك، كانت لهشام بن عمرو مروءة العربي الذي تحركه النخوة، أكثر بكثير من الأنظمة العربية القائمة المكبلة.
لم يرق لهشام ورفاقه الأربعة أن تمضي قريش في حصارها الظالم على المستضعفين في شعاب مكة، فقرر أن يمزق قرار وثيقة الحصار وصحيفة المقاطعة. وشعاب مكة الآن هي غزة المحاصرة بالقتل من جانب والجوع من جانب آخر. والمستضعفون في تلك الشعاب هم أبناء الشعب الفلسطيني المحاصر في القطاع من كل جانب، وقريش الآن ليست إسرائيل بذاتها، بل هي هذه الأنظمة العربية المتواطئة مع إسرائيل، لتجويع الفلسطينيين والامتناع عن مدهم بأي مقومات الحياة.
في كل هذه الخريطة التي تسمى وطناً عربياً، وبعد أكثر من شهرين من القتل والتجويع المستمرين للفلسطينيين، لم يمزق أحد صحيفة الحصار، ولم يفعل أحد فعلة هشام بن عمرو تلك. ترك الفلسطينيون لقدرهم، وقد كانوا على يقين من ذلك، فقد تركوا لأكثر من سبعة عقود رهن ظروف النكبة وتداعيات النكسة، وبين أكاذيب السلام وأوهام التطبيع، وهم يواجهون ذلك بما استطاعت أيديهم من حيلة جيلاً بعد جيل. ولذلك كان 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تعبيراً عن لحظة غضب فلسطيني ليس بعده غضب.
لم يطلب أحد من هذه الأنظمة والجيوش العربية، المدججة بكل أنواع الأسلحة المركونة في المخازن، إلا من النخوة والمروءة أن تحارب، فللحرب أهلها ورجالها، وأنى لهذه الجيوش أن تفعل، وعلى رأسها عقال من الخوف الذي يسيطر عليها منذ عقود، ويستنزف العقل السياسي والعسكري العربي.
ولكن طلب منها فقط أن تقوم بما كانت تقوم به النساء في الحروب من جهد إعداد الغذاء والإمداد والتطبيب ليس أكثر. ومع ذلك فهي لا تفعل، ليس بسبب عدم الاستطاعة فهي أقدر على حمل جبال مكة نفسها، ولكن لأن دولها لا تملك قرارها، وإلا فما معنى ألا تفتح المعابر إلى غزة إلا بقرار أميركي وإسرائيلي؟
لم يكن عقل المقاومة، وهو يطلق هجوم أكتوبر الماضي، ليجهل هذا الأمر أو تغفل عنه هذه الحقائق، وإن كانت المقاومة تأمل ولو من باب الصدفة أن يكون هناك في مكان ما "هشام بن عمرو" ما. ولعل أبلغ تعبير هو الذي أطلقه المتحدث باسم كتائب القسام أبو عبيدة، عند حديثه عن المطلوب من الحكام العرب: "لا سمح له".
عندما حدثت ثورات الربيع العربي، قيل إنها ثورات أميركية تستهدف تفكيك الأنظمة العربية القائمة. فشلت ثورات الربيع العربي لسبب أو لآخر، وعادت نفس منظومات الحكم العربية تلك، لكنها ظهرت في صيغة أسوأ مما كانت عليه قبل الربيع العربي، وأكثر خضوعاً للقرار الأميركي، وأكثر رغبة في التجاوب مع الرغبات الإسرائيلية والأميركية. بل إنها أيضاً أنظمة ليس لديها أية مشكلة في المساعدة بالأفكار والمشاركة في هندسة مستقبل غزة ما بعد الحرب.