هل ينجح الحراك الدبلوماسي في خفض التصعيد بين روسيا والغرب حول أوكرانيا؟

06 يناير 2022
يبذل الغرب هذه الأيام كل ما في وسعه لمنع الحرب في أوكرانيا (Getty)
+ الخط -

 يبذل الغرب هذه الأيام كل ما في وسعه لمنع الحرب في أوكرانيا، وسط حراك دبلوماسي مستمر في العديد من الجلسات الثنائية على المستوى الدولي، أهمها بين ألمانيا والولايات المتحدة، وزيارة منسق السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل لأوكرانيا.

 لكن يبقى الحراك الدبلوماسي الأبرز، الاجتماعات الثلاثة المقررة الأسبوع المقبل، حيث سيلتقي المفاوضون الروس والأميركيون في جنيف، فيما سيجتمع مجلس الناتو وروسيا في بروكسل، إضافة إلى اجتماع آخر لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بفيينا. فهل سينجح خفض التصعيد في خضم التهديد المستمر في أوكرانيا؟

وفي هذا الإطار، قال الرئيس السابق لمؤتمر الأمن في ميونخ فولفغانغ ايشينغر، في تصريحات لصحيفة "دي تسايت" أخيراً، إنّ "من المنطقي تحدث بعضنا إلى بعض قبل أن تتصاعد الأمور إلى مغامرة عسكرية، والأمر نفسه كان خلال الحرب الباردة، وفي ذلك الوقت اتبع الناتو استراتيجية مزدوجة: التحدث والتسليح، قبل أن يوصي بالتعلم من الوصفات المجربة والمختبرة، ويدعو إلى منع الصراع من خلال كل من الردع والدبلوماسية".

من جانبه، قال الباحث السياسي أولريش كين، في حوار مع راديو برلين وبراندنبورغ، إنه "في الصراع الأوكراني، قد تواجه أوروبا أسوأ أزمة أمنية لها في هذه الألفية، رغم أن هناك جهوداً دبلوماسية تبذل لنزع فتيل الأزمة بين روسيا وأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي"، لافتاً إلى أنّ "من الصواب إجراء محادثات ضمن جميع القنوات الممكنة".

في المقابل، يرى مراقبون أن الرئيس الروسي لا يبحث عن حل وسط، وهذا ما يجب أن يكون واضحاً للغرب في ما يتعلق بقضية أوكرانيا، ولا سيما أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وأيضاً مستشار السياسة الخارجية الروسي، يوري أوشاكوف، والسفير الروسي لدى الولايات المتحدة، أناتولي أنتونوف، أعلنوا في أوقات سابقة أن موسكو تريد ضمانات أمنية ملزمة من الغرب.

 وأهم الضمانات الروسية، الوعد بعدم قبول دول سوفييتية سابقة في حلف الناتو، والتعهد بوقف النشاط العسكري في وسط أوروبا وشرقها ودول البلطيق، فضلاً عن سحب الصواريخ قصيرة المدى ومتوسطته من أوروبا، وسط توجه صارم لبوتين بأنه لن يسحب القوات الروسية من الحدود الأوكرانية، إلا بعد أن يلغي الناتو الوعد الذي قطعه لأوكرانيا وجورجيا في عام 2008 بشأن العضوية المستقبلية في حلف الأطلسي.

وأمام هذا الواقع، تطرح التساؤلات عن دوافع بوتين لممارسة الضغوط والاستفادة من الزخم، رغم أنّ واشنطن قدمت بالفعل بعض التنازلات لروسيا، بعد أن قلص الرئيس جو بايدن قليلاً من الوعود التي قطعها في قمة بوخارست عام 2008، أبرزها أنه لن تُخزَّن معدات عسكرية ثقيلة على الأراضي الأوكرانية، أي تقييد الحد من التعاون العسكري مع كييف، رغم أن هذا من المحتمل أن يزعج الكونغرس الأميركي.

وينظر بوتين إلى الغرب، ولا سيما الاتحاد الأوروبي، على أنه منهك تماماً بسبب وباء كورونا ومتحوراته، لذا تجد روسيا الفرصة مواتية للإصرار على مطالبها التي لا رجعة فيها. فالحكومة الألمانية التي يقودها الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ينظر إليها كمؤيدة لموسكو ولديها مصلحة في تشغيل نورد ستريم 2، وفرنسا تخوض حملة انتخابية رئاسية مرهقة يطالب فيها بعض المرشحين بانسحابها من الناتو ورفض العقوبات المفروضة على روسيا، أما في الولايات المتحدة، ففريق الرئيس بايدن منقسم على نفسه، بين الصين أولاً أو الأولية للتفكير في روسيا.

نظر بوتين إلى الغرب، وبخاصة الاتحاد الأوروبي على أنه منهك تماما بسبب وباء كورونا ومتحوراته

 يضاف الى ذلك، أن بوتين غاضب حقاً، لأن أقرب أصدقائه وحليفه الأوكراني فيكتور ميدفيدشوك اتهم بالخيانة وسجن في كييف، وأي رئيس أوكراني لن يلتزم معايير اتفاقية مينسك الموقعة عام 2015، التي ترى فيها كييف شعوراً كبيراً بالإذلال، وأنها وجهت السلاح مصوباً إلى صدرها.

من جهة ثانية، هناك اعتبارات عسكرية، وبصفته القائد العام للقوات المسلحة، لا يستطيع بوتين تحمّل نقل القوات الروسية بشكل مكثف مرتين في العام، لأن ذلك يكبد الخزينة أموالاً طائلة، والتنازل عن مطالبته وسحب قواته فقط بمجرد إجراء اتصال هاتفي مع بايدن، من شأنه أن يخلق صورة ضعف، رغم أن روسيا لم يعد لديها خشية من أي شيء، وما يهمّ بوتين، شعور بعض دوائر النخبة الرئيسية وكبار المسؤولين العسكريين بنشوة القوة الرادعة، ما سيترجم بتأمين المزيد من الحفاظ على استقرار النظام.

وهنا قد يكون القتال في أوكرانيا ضرورة استراتيجية، والتزاماً نابعاً من الإرث التاريخي، وبخاصة أن بوتين يدرس خطواته جيداً، ويبدو أكثر إصراراً ويشعر بقدر أكبر من الحرية في قراراته، ربما أكثر مما كان عليه السوفييت في أي وقت مضى.

المساهمون