البرلمان المصري الجديد ببّغاء للسلطة بلا يسار

07 ديسمبر 2015
من احتجاج ضدّ السيسي في لندن (إنسي غونداغ/الأناضول)
+ الخط -
ما بين مؤيد ومؤيد، ومشيد بمواقف رئيس الجمهورية، ومرحّب بقرارات الحكومة؛ هكذا هو الحال المنتظر من نواب البرلمان المصري الجديد، الذي تغيب عنه المعارضة بشكل شبه كامل للمرة الأولى في تاريخه، في ظل مقاطعة مختلف القوى الإسلامية، باستثناء حزب "النور"، فضلاً عن أحزاب اليسار المشاركة في الانتخابات، والتي خسر جميع مرشحيها، باستثناء ممثل وحيد لحزب "التجمع"، وهو عبد الحميد كمال، في دائرة محافظة السويس.

اقرأ أيضاً: مقاطعة الانتخابات المصرية: انتفاضة صامتة

وخسر 11 مرشحاً لـ"التجمع" في المرحلة الثانية، فضلاً عن 10 آخرين في المرحلة الأولى؛ وهو الحزب الذي يصنّف على يمين النظام أكثر من يساره، نظراً لمواقف الحزب الرسمية المؤيدة لكل قرارات النظام الحالي، منذ الانقلاب على الرئيس السابق محمد مرسي.

فيما مني حزب "التحالف الشعبي الاشتراكي" بخسارة 10 مرشحين في المرحلة الأولى. وخسر مرشحه الأخير في محافظة الإسماعيلية مسعد الفطايري، ولم يتبق له سوى مرشح وحيد في إحدى الدوائر الملغاة نتائجها، وهو نائب رئيس الحزب زهدي الشامي، بدائرة دمنهور بمحافظة البحيرة، إلا أن ترتيبه في عدد الأصوات كان متأخراً في المرة الأولى.

وتُنتظر إعادة الانتخابات بـ4 دوائر بمحافظات الإسكندرية والبحيرة وبني سويف، تنتهي في 16 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بإجمالي 13 مقعداً، بعد حسم 555 مقعداً بالانتخاب على نظامي الفردي والقوائم المغلقة، إضافة إلى تعيين السيسي 28 مقعداً، بعد انتهاء الانتخابات، ليبلغ عدد مقاعد البرلمان الجديد 596 مقعداً (الأكبر في تاريخه).

كما خسر ثلاثة مرشحين للحزب الاشتراكي المصري، وفشل مرشحا حزب "العدل"، محمد موسى بمحافظة المنوفية، وفتحي فراج بمحافظة الشرقية، في الوصول إلى جولة الإعادة بالمرحلة الثانية. ولم يكن للحزب مرشحون في المرحلة الأولى.

وخسر خمسون مرشحاً في المرحلتين لحزب "الكرامة"، الذي شارك في تأسيسه المرشح الرئاسي الخاسر حمدين صباحي، وكان آخرهم عضو هيئته العليا سامي عبد الوهاب، الذي خسر في جولة الإعادة بالمرحلة الثانية في دائرة بنها بالقليوبية، أمام اللواء مصطفى كمال الدين حسين، نجل نائب رئيس الجمهورية الأسبق.

ويغيب اليسار للمرة الأولى في تاريخ المجالس النيابية المصرية، والذي كانت له صولات إبان فترة السبعينيات، ولعب دوراً بارزاً في كتلة المعارضة خلال عهد الرئيس المخلوع بثورة شعبية، حسني مبارك.

مستقلان فقط، ظاهرهما يساري، ومواقفهما متباينة، استطاعا الفوز بمقعدين في المرحلة الأولى، أولهما النائبة عن دائرة إمبابة بالجيزة نشوى الديب، العضو السابق بالحزب "العربي الناصري"، والثاني هيثم الحريري عن دائرة محرم بك بالإسكندرية، الذي ينتمي لجيل الأبناء، فهو نجل البرلماني المخضرم، القيادي اليساري الراحل أبو العز الحريري.

الأولى لا تعارض قانون التظاهر الحالي، وتنظّر لنظام السيسي، وتدافع عن بعض مواقفه، شأن القطاع العريض من التيار الناصري، المؤيد للحكم العسكري؛ والثاني لا يعارض الانضمام لما يسمى ائتلاف "دعم الدولة"، إذا ما تحققت بعض الشروط، الذي تسعى لتشكيله قيادات قائمة النظام "في حب مصر"، الفائزة بجميع مقاعد القوائم المغلقة.

لا عدالة اجتماعية

وفي حديث لـ"العربي الجديد"، قال المتحدث الرسمي باسم حزب "التجمع"، نبيل زكي، إن عدم تمثيل الأحزاب اليسارية ستكون له تداعيات سلبية على مجلس النواب، وأهمها غياب قضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الفقراء والموظفين.

ويضيف زكي أنه يجب على الشعب فرض قضاياه على مائدة البرلمان، بصرف النظر عن رغبات النواب، وأن على المواطنين الضغط على ممثليهم بهدف تشريع قوانين أهداف العدالتين الاجتماعية والانتقالية.

وعن فشل اليسار في الانتخابات، يقول المتحدث إنه يعود إلى "سيطرة المال السياسي على نظامي الفردي والقوائم، وعدم قدرة الأحزاب اليسارية على إنفاق أموال باهظة على مرشحيها"، مؤكداً أن "جميع المرشحين المنافسين تجاوزوا سقف الدعاية والإنفاق، الذي تم تحديده في قانون مجلس النواب".

وعن تعيين قيادات من الحزب في البرلمان ضمن سلّة الرئيس، يوضح أنه لم يُعرض على الحزب ترشيح أسماء بالتعيين، ولم يتم إخطاره بأن الرئاسة ستعيّن أحداً منه، لكن في حال العرض على القيادات، "سنقبل التعيين"، قائلاً "مين يرفض تعيين رئيس الجمهورية"!

برلمان تابع للسلطة

في المقابل، قال القيادي في حزب "التيار الشعبي"، معصوم مرزوق، إن موقف أحزاب التيار الديمقراطي والقوائم المنسحبة من الانتخابات من التعيين محسوم، وإنهم لن يقبلوا أن ينضموا إلى البرلمان كمعيّنين، لأنهم "كانوا يرغبون في المنافسة الشريفة التي تقود إلى المجلس".

وكانت مجموعة من الأحزاب المعارضة قررت مقاطعة الانتخابات، اعتراضاً على قانوني مباشرة الحقوق السياسية، وانتخابات مجلس النواب، المنظمين للعملية الانتخابية، وفي مقدمتها: حزب مصر القوية، والوسط، والدستور، ومصر الحرية، والتيار الشعبي، فضلاً عن قائمة صحوة مصر، التي شكلها التيار الديمقراطي، وانسحبت بعد رفض محكمة القضاء الإداري الطعون المقدمة على قرار إعادة إجراء الكشوف الطبية لمرشحي البرلمان.

وأضاف معصوم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الناخبين اتخذوا الموقف نفسه الذي تبنّته بعض أحزاب اليسار في مصر بشأن مقاطعة الانتخابات النيابية، موضحاً أن اليسار رفض منذ البداية النظام الانتخابي القائم، الذي يشجع على المال السياسي، واستمرار السياسات التي قامت ضدها ثورة 25 يناير.

وأوضح أن البرلمان المقبل بتشكيلته الحالية لن يكون سوى إحدى إدارات السلطة التنفيذية، ولن يقوم بدوره الحقيقي سواء في التشريع أو الرقابة، والدليل هو أن بعض النواب الحاليين لم يخجلوا من التصريح علناً أنهم سيقبلون جميع القوانين التي أُقرّت في غياب البرلمان، والتي تتجاوز الـ300 قانون، دون مناقشة. واتهم القيادي بحزب التيار الشعبي المشاركين في الانتخابات من قوى اليسار بـ"مجموعة من الموالين للسلطة، الباحثين عن وظيفة".

وفي الإطار، قال نائب رئيس حزب "التحالف الشعبي" مدحت الزاهد، إن "هدف الحزب من الانتخابات لم يكن الوصول إلى كرسي البرلمان، بقدر الوصول إلى الناخبين لعرض برنامجه، ورفض مقاطعة الانتخابات كي لا يحسب على جماعات المقاطعة المناهضة للدولة"، على حدّ تعبيره، في إشارة إلى جماعة "الإخوان المسلمين".

وأضاف الزاهد أن خسارة اليسار ترجع إلى استخدام المال السياسي بشكل غير مسبوق، فضلاً عن وجود نسبة كبيرة من الناخبين خارج العملية الانتخابية، في ظل عزوف قطاعات واسعة، وفي مقدّمتها الشباب.

اقرأ أيضاً: برلمان السيسي: أدوار مرسومة سلفاً ومعارضة من داخل النظام

المساهمون