دعا اثنان من كبار الاستراتيجيين في إسرائيل إلى نسف العقيدة القتالية الحالية للجيش الإسرائيلي واعتماد عقيدة جديدة توفر حلولاً أنسب لمواجهة "خطر التنظيمات الجهادية الإسلامية". وقد أعد البروفسور حاييم آسا، الذي يعدّ من آباء الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، والجنرال المتقاعد يديديا يعاري، القائد الأسبق لسلاح البحرية، مشروع العقيدة الجديدة بناءً على طلب هيئة أركان الجيش الإسرائيلي. وتقوم العقيدة الجديدة على مبدأ "القتال المفرق" باعتباره "أفضل" صيغة تصلح لمواجهة الجهاديين.
وقد ضمّن آسا ويعاري مبادئ العقيدة الجديدة في كتاب صدر حديثاً عن دار النشر "يديعوت سفريم"، وجاء بعنوان:"القتال بشكل آخر: العقيدة القتالية الجديدة ومبادئ المناورة المشتتة".
ويؤكد آسا ويعاري، في مقدمة الكتاب، على أن مشروع العقيدة الجديدة يأخذ بعين الاعتبار المخاطر التي طرأت على الأمن القومي الإسرائيلي وينطلق من التفكير "خارج الصندوق".
ويشدد مشروع العقيدة الجديدة على أن السلوك القتالي للتنظيمات الإسلامية الجهادية، التي تضم على حد قوله "تنظيم القاعدة وفروعها وتنظيم "الدولة" وحركة حماس"، والقائم على مرونة الحركة وسرعة نقل المعركة من مكان إلى آخر، "ينسف صورة العدو الكلاسيكي الذي تمثله الدول، التي تعتمد جيوشها على قواعد عسكرية ثابتة، ما جعل العقيدة القتالية الحالية للجيش الإسرائيلي غير مناسبة على الإطلاق للتعامل مع التنظيمات الجهادية". ويقوم مشروع العقيدة الجديدة على افتراض آخر مفاده أن التنظيمات الجهادية هي التي ستحتكر التأثير في العالم العربي على مدى السنوات القادمة.
ويعني مبدأ "القتال الموزع" أن يكون الجيش الإسرائيلي جاهزاً لممارسة جهودا حربية في كثير من المناطق في آن واحد، ما يستدعي إعادة بناء الجيش من ناحية تنظيمية ولوجستية وبشرية للقيام بهذا الدور. وحسب مشروع العقيدة الجديدة، فإن مبدأ "القتال الموزع" يفرض على الجيش توسيع اعتماده على الوحدات الصغيرة وليس على الفرق العسكرية والألوية، على اعتبار أنه كلما صغر حجم القوات كلما ضمنت سرعة حركتها ومرونتها، عندما ترسل لتصفية خلايا التنظيمات الجهادية". ويضيف الكتاب "هذا العدو، ليس بإمكاني أن أواجهه بقوات كبيرة بشكل مباشر، لأنه عندها سيفتك بي، كما أن قدرته على التحمل أكبر من قدرتي، مما يحتم علي أن أواجهه بشكل متفرق، لكي أشتت انتباهه وأفقده التركيز، مما يمكنني من إلحاق الضرر به". ويشدد آسا ويعاري على أن العقيدة القتالية الجديدة لا تضمن تحقيق الحسم والقضاء النهائي على خطر التنظيمات الجهادية بل تقلصه إلى حد كبير. ويؤكدان أنه من المستحيل تحقيق الحسم في مواجهة مثل هذه التنظيمات.
ويشير مشروع العقيدة الجديدة إلى أنه من المستحيل القضاء على التنظيمات الجهادية، لأنه من الصعب جداً ضمان تصفية قيادتها، التي تكون عادة غير مركزية ومنتشرة على نطاق جغرافي واسع. ويوضح الكتاب أن المعضلة في مواجهة الحركات الجهادية تتمثل في أنها تحافظ على طابع التنظيم، لكنها في الوقت ذاته تملك قدرات عسكرية وتجارب قتالية عادة ما تتمتع بها الدول، علاوة على قدرتها على التخفي والعمل في أوساط حضرية.
ويوضح مشروع العقيدة الجديدة أن المعلومات الاستخبارية تؤدي دوراً حاسماً في نجاح العقيدة الجديدة، إذ إن "تحديد أماكن تواجد خلايا التنظيم على امتداد مناطق كثيرة ومهاجمتها في نفس الوقت يقلص قدرتها على اسناد بعضها البعض". وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة "ميكور ريشون" في عددها الصادر الثلاثاء الماضي، أوضح آسا أن أكبر مصدر قوة للتنظيمات الجهادية يتمثل في تعاظم مظاهر "الصحوة الإسلامية". ويشدد آسا على أن أوضح مظاهر الصحوة الإسلامية يتمثل في استعداد قطاعات واسعة من المسلمين لـ"رفع لواء الإسلام من أجل إعادته لصدارة العالم"، بغض النظر عن طابع التضحيات التي يمكن أن يقدموها.
ودعا آسا إلى عدم التركيز على ظاهرة تنظيم "الدولة الإسلامية" والتعاطي معها بشكل منفصل، مشدداً على أن هذا التنظيم يستفيد فقط من مظاهر "الصحوة الإسلامية". وحذر من الاستهانة بالقيادات الميدانية في التنظيمات الجهادية، قائلاً: "تستفيد هذه التنظيمات من وجود عدد من أكثر القادة الميدانيين خبرة في العالم بأسره"، مشيراً إلى أن هؤلاء القادة الذين وفدوا من أفغانستان والشيشان وباكستان وغيرها من مناطق النزاع "قد عرفوا العسكرية منذ نعومة أظفارهم، ومنهم من أصبح مقاتلاً وهو في سن الثانية عشرة". وأوضح آسا أن تعدد الساحات التي قاتل فيها الجهاديون تجعلهم قادرين على التأقلم مع كل الجبهات العسكرية، مشيراً إلى أنهم قاتلوا في أفغانستان وباكستان وأفريقيا وروسيا وأوروبا.
وفي السياق نفسه، حذر تقرير استراتيجي صهيوني من أن مواجهة التنظيمات الجهادية تمثل أحد أخطر التهديدات الاستراتيجية خلال عام 2015. وفي ورقة نشرها موقع "دفاع اسرائيل" (ISRAEL DEFENSE) الاثنين الماضي، أوضح كل من مدير "مركز أبحاث الأمن القومي" ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق، الجنرال عاموس يادلين، والباحثة البارزة في المركز كرميت فالنسو، أن آليات العمل التي تتبعها التنظيمات الجهادية تمثل بحد ذاتها تحدياً للجيش الإسرائيلي، على اعتبار أنها تستخدم وسائل قتالية تستهدف الجبهة الداخلية الإسرائيلية، مثل الصواريخ والأنفاق وغيرها. وأشار التقرير إلى أن تداعيات الأوضاع في سورية يمكن أن تكون كارثية، بسبب تعاظم تأثير الجماعات الجهادية، التي يمكن أن تستهدف العمق الإسرائيلي في كل وقت. وأشار يادلين وفالنسو إلى أن خطورة الجماعات الجهادية تكمن في أن مواجهاتها تكون "غير متناسبة"، بحيث يكون من المستحيل على جيش متطور تحقيق حسم عسكري فيها بشكل واضح وجلي. وتوقع التقرير أن يشهد عام 2015 نهاية الاستقرار الذي نعمت فيه إسرائيل خلال السنوات الماضية بسبب حالة انعدام الاستقرار في المنطقة.