الحوار الاستراتيجي الأميركي المصري اليوم: رحلة تطبيع العلاقات المعقّدة

02 اغسطس 2015
التغاضي عن حقوق الإنسان يقوّض مصداقية أميركا(فايز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -
تحاول واشنطن طي صفحة عامين من التشنج مع القاهرة، على خلفية عزل الرئيس محمد مرسي، كي تعود إلى مقاربتها الأساسية للعلاقة مع مصر على قاعدة أولوية دعم الاستقرار والأمن. يأتي هذا الموقف الأميركي الجديد نتيجة تزايد التوتر الإقليمي، وبروز خطر تنظيم "داعش" في مصر. غير أنه يفرض على واشنطن إيقاعاً لم يتم تجاوز كل تعقيداته الثنائية بعد. 
مهما كانت نتائج الحوار الاستراتيجي الذي يبدأ في القاهرة، اليوم الأحد، بمشاركة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، فإن العلاقة الاستراتيجية بين الجانبين لم تعد كما كانت من قبل، ولعلها لن تعود في المدى المنظور على ما كانت عليه ما قبل عام 2005. في ظل تراجع دور مصر الإقليمي منذ عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وضعف الاقتصاد المصري وانغلاقه في التركيز على القضايا الداخلية، سقطت مصر من الأولويات الأميركية في المنطقة، وخصوصاً أن هناك أولويات إقليمية ضاغطة تسرق اهتمام إدارة الرئيس باراك أوباما حالياً. مع العلم أن موعد حوار اليوم تم تأجيله أكثر من مرة نتيجة انشغالات كيري وأسفاره، في دلالة على هذا الموقع المتراجع لمصر في حسابات المصالح الأميركية. ويتوقع أن يركز الحوار، الذي يمتد على يومين، على القضايا الإقليمية مثل سورية وليبيا والاتفاق النووي الإيراني، في وقت رفضت فيه القاهرة حتى الساعة الانخراط في المواجهة العسكرية مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية أو العراق وتفضل التركيز فيه على حملتها ضدّ "داعش" في مصر وليبيا.

اقرأ أيضاً: "فاينانشال تايمز": متى يقطع الغرب العلاقات الدبلوماسية مع السيسي؟ 

على المستوى الثنائي، فإن القضايا الرئيسية التي يتناولها الحوار الاستراتيجي هي التطورات في سيناء وقضايا حقوق الانسان، وإعادة هيكلة المساعدات العسكرية الأميركية وحال الاقتصاد المصري، الذي يعاني ويحتاج لتمويل خارجي وإصلاحات هيكلية، والتبادل التجاري. وتقوم المصلحة الأميركية على عدم السماح لـ "داعش" بإيجاد موطئ قدم مستدام في سيناء، وهذه القضية حساسة بالنسبة إلى الجيش المصري الذي لم يتمكن حتى الساعة من وقف الهجمات في الجزيرة.
أما ملف حقوق الإنسان، فيتوقع أن يثيره كيري لكن بدون زيادة الضغط على الجانب المصري والمخاطرة في ضمان فرص نجاح الحوار.

المساعدات العسكرية وشروطها
منذ عام 1979، بلغ حجم المساعدات العسكرية الأميركية إلى مصر 40 مليار دولار، لكن هذا لم يؤد إلى تقارب في الثقافة العسكرية بين الجيشين الأميركي والمصري. وتراجعت المساعدات المالية الأميركية، التي كانت قيمتها مليار دولار قبل 20 عاماً و600 مليون دولار قبل عشرة أعوام، إلى 150 مليونا في الفترة الحالية. وكان التحول الأبرز الذي فرضته أخيراً إدارة باراك أوباما في مجال التعاون العسكري مع مصر، هو إعلانها أنها ستبدأ منذ عام 2018 تحويل مساعداتها التي تصل إلى 1.3 مليار دولار سنوياً من امتياز يشبه بطاقة الائتمان، يسمح لمصر تقسيط ثمن الأسلحة الأميركية، إلى برنامج التمويل العسكري الأجنبي.

هذا الموضوع قد يكون أكثر حساسية، بحيث يحاول كيري شرح مضمون هذا التحول، وكيف يؤثر على المساعدات العسكرية. ويعطي هذا التحول واشنطن هامشا لإعادة هيكلة مساعداتها العسكرية، وتركيزها أكثر على مكافحة الإرهاب والاستثمار في البحرية وأمن الحدود، في وقت يفضل الجيش المصري الدبابات والطائرات لتعزيز قوته العسكرية التقليدية، والأهم من ذلك يعطي واشنطن هامش وقف هذه المساعدات أو الحد منها أو وضع شروط عليها.

وكانت الإدارة الأميركية قد أعلنت قبيل وصول كيري إلى القاهرة عن إيصال 8 طائرات "أف 16" من ولاية تكساس إلى مصر عشية انعقاد الحوار، على أن يلحق بها أربع طائرات أخرى في الخريف المقبل. وذكرت السفارة الأميركية في القاهرة في بيان في هذا السياق: "يهدد المتشددون الأمن الإقليمي؛ وأنظمة الأسلحة هذه توفر أداة جديدة لمساعدة مصر على مكافحة الإرهاب".
التباين بين الجانبين حول هذه المسألة يكمن في حرص واشنطن على التأكيد أن السلاح الأميركي يجب أن يستخدم لمكافحة الإرهاب، وليس قمع المعارضين في الداخل، وشدّ الحبال حول هذه المسألة قد يستمر في المرحلة المقبلة. وكانت واشنطن قد فرضت حظرا خجولا على المساعدات العسكرية الى مصر في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2013 لأن وزارة الدفاع الأميركية "بنتاغون" أرادت تفادي قطع العلاقات العسكرية مع الجيش المصري. وردّاً على الحملة التي طاولت جماعة "الإخوان المسلمين"، قررت واشنطن حينها وقف المساعدات الرئيسية مثل طائرات "أف 16" ومروحيات أباتشي، إضافة الى 260 مليون دولار من المساعدات المالية إلى الخزينة المصرية.
وفي أبريل/نيسان 2014، قرر "البنتاغون" رفع الحظر عن المساعدات. وفي ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، سلمت واشنطن القاهرة 10 طائرات أباتشي. وفي يونيو/حزيران الماضي، سلمتها سفنا صاروخية سريعة. والآن عادت المساعدات إلى مستوى عام 2009، لكن بشروط أميركية.

حقوق الإنسان
إلى جانب ذلك، هناك ضغوط في واشنطن على إدارة أوباما لإثارة قضايا حقوق الإنسان مع الحكومة المصرية، لا سيما اعتقال المعارضين والصحافيين وجلسات الحكم الجماعية لأنصار "الإخوان المسلمين"، ولهذا حرص كيري على أن يرافقه مساعد وزير الخارجية للديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل توم مالينوسكي، خلال رحلته إلى القاهرة. وهناك انقسام واضح داخل الكونغرس بين مجلس الشيوخ الذي يميل إلى وضع قيود على المساعدات العسكرية لمصر، ومجلس النواب الذي يميل إلى تحرير هذه القيود، على خلفية ملف حقوق الإنسان.


وفي هذا السياق، كتب مستشار السياسة الخارجية لمنظمة "هيومن رايتس فيرست" نيل هيكس، في "هافينغتون بوست"، أنه يجب على كيري عدم التغاضي عن قضايا حقوق الإنسان خلال الحوار الاستراتيجي، وإلا "ستقوّض الولايات المتحدة مصداقيتها إذا كان سينظر إليها على أنها تغيّر رسائلها حول حقوق الإنسان، بما يتناسب مع جمهورها". كما وجهت مديرة مكتب واشنطن لمنظمة "هومين رايتس واتش" رسالة مفتوحة إلى كيري جاء فيها: "نعتقد بقوة أن النهج القمعي الحالي في مصر، الذي يدّعي أنه يهدف إلى معالجة التهديدات الأمنية، يأتي بنتائج عكسية للغاية، وأن الاستقرار يبقى بعيد المنال ما لم يكن هناك إصلاح سياسي ذو مغزى يلتزم بمبادئ الحقوق الرئيسية".