المعارضة والانتخابات في الجزائر: مشاركة قسرية بعد استدراج وإغراء

07 نوفمبر 2016
باتت المعارضة شبه حاسمة في موضوع المشاركة (بشير رمزي/الأناضول)
+ الخط -
حسمت المعارضة السياسية في الجزائر خيارها باتجاه المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة في شهر أبريل/نيسان من العام المقبل، على الرغم من المخاوف والشكوك التي تلازمها منذ عقود في كل استحقاق انتخابي بفعل إشراف الإدارة المركزية على هذه الانتخابات، وفي ظل رفض السلطة لمطالب المعارضة بإنشاء هيئة مركزية مستقلة تتولى إدارة العملية الانتخابية. ودائماً ما كانت مواقف أحزاب المعارضة السياسية في الجزائر حادّة تجاه السلطة منذ عام 2014، والتي بلغت حد رفضها الاعتراف بالشرعية الدستورية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ومطالبتها بمرحلة انتقالية تتولاها حكومة وحدة وطنية، حتى أنها هددت بمقاطعة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. غير أن المواقف الأخيرة المعلنة من قبل قوى المعارضة تميل نحو المشاركة في الانتخابات التشريعية، على الرغم من استمرار الظروف السياسية والتقنية نفسها التي كانت تجري فيها الاستحقاقات الانتخابية السابقة، والتي تهيمن فيها السلطة على مجمل نواحي العملية الانتخابية، بدءاً من تسجيل الناخبين إلى عمليات التصويت إلى فرز الأصوات وإعلان النتائج. ولم يكن قرار تعيين دربال مفاجئاً للجزائريين، إذ سبق لبوتفليقة أن عرض نيته بإجراء هذا التعيين منذ أسابيع، وهو ما فهمه الطيف السياسية بأنه استدراج لأحزاب المعارضة لدفعها نحو المشاركة في الانتخابات، خصوصاً أن الظرف الداخلي والأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد، زادت من مخاوف السلطة من حدوث مشاكل سياسية داخلية".

ومن غير المعروف ما إذا كانت أحزاب المعارضة، بتلاوينها الإسلامية واليسارية والليبرالية، على علم مسبق بالقرار الذي صدر أمس الأحد عن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والقاضي بتعيين القيادي السابق في حزب إسلامي (حركة النهضة) والدبلوماسي السابق، عبد الوهاب دربال، رئيساً للهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، وما إذا كان هذا التعيين قد أدى دوراً، في حال كانت المعارضة على علم به، في تليين موقفها لناحية المشاركة في استحقاق العام المقبل. وقال بيان لرئاسة الجمهورية إن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عين عبد الوهاب دربال رئيساً للهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات "بعد استشارة كتابية لمجموع 70 حزباً سياسياً معتمداً بشأن تعيينه". وأوحى بيان الرئاسة أن هناك موافقة حزبية واسعة النطاق إزاء تعيين دربال، بما أن الرئاسة تلقت موافقة 47 حزباً على التعيين "فيما أبدت تسعة أحزاب تحفظات باعتبار أنها طلبت وضع هيئة مستقلة مكلفة بتنظيم الانتخابات".

بدورهم، وبعد فترة من التردد، أنهى "إخوان" الجزائر كل جدل سياسي بشأن مشاركتهم في الانتخابات، بعدما قرر مجلس شورى حركة مجتمع السلم، كبرى الأحزاب الإسلامية في الجزائر، في ساعة متأخرة من يوم الجمعة، المشاركة انتخابياً، وإبقاء إمكانية عقد التحالفات المحلية مع الأحزاب الأخرى.

وجاء موقف "إخوان" الجزائر مشابهاً لمواقف عدد من أحزاب المعارضة، التي قررت التعاطي الإيجابي مع الاستحقاق الانتخابي المقبل، تحديداً الأحزاب المنضوية تحت لواء ما يُعرف بـ"تنسيقية التغيير والانتقال الديمقراطي"، وهي "حركة مجتمع السلم" و"العدالة والتنمية" و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" و"حركة النهضة". وسبق لـ"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" أن أعلن قبل أسبوعين المشاركة في الانتخابات التشريعية، بعدما قاطع الانتخابات السابقة التي جرت في مايو/أيار 2012.

بدورها، أعلنت "حركة النهضة" و"جبهة العدالة والتنمية" المشاركة في الانتخابات، وفقاً لقرار مجلسي الشورى فيهما. وبدت هذه المواقف متوافقة خلال اجتماع لـ"تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي". واعتبر المجتمعون أن "موقف أعضاء التنسيقية من الانتخابات يندرج ضمن نفس الأهداف التي تكتّلوا من أجلها لحماية الأمة الجزائرية من ذهنية وممارسات النظام السياسي، الذي يُعدّ الجهة الوحيدة التي تهدد استقرار البلاد". وشدّدوا على "التزامهم العمل السياسي المشترك ضمن رؤية الحريات والانتقال الديموقراطي، المتفق عليها في يونيو/حزيران 2014، ومواصلتها تطوير وسائل النضال السلمي".


كما قررت "حركة الإصلاح" المشاركة، في ظلّ تخطيط حزب "العمال" اليساري بقيادة لويزة حنون للمشاركة، وكذلك حزب "طلائع الحريات" بقيادة رئيس الحكومة السابق علي بن فليس، فضلاً عن "جبهة القوى الاشتراكية"، أقدم أحزاب المعارضة السياسية في الجزائر.

لكن هذه المواقف وبقدر ما تريح السلطة على صعيد ضمان ما يضفي الشرعية السياسية على الاستحقاق الانتخابي، ستدفعها في المقابل إلى تقليص العوامل التي تشوش على المسار الانتخابي، وإلغاء الكثير من أدوات التزوير التي كانت تعتمدها في الاستحقاقات السابقة. 

بالنسبة لقوى المعارضة، يندرج خيارها المشاركة ضمن ما يعرف بسياسة "الخطوة خطوة"، تراكماً على ما تحقق من مكاسب لها. ذلك لأن الدستور الجديد يمنح المعارضة صلاحية استدعاء جلسة للبرلمان كل شهر وتحديد جدول أعمالها. وهو مكسب لم يكن موجوداً من قبل، لحساسية الظرف الداخلي بفعل التقلبات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، التي تشهدها الجزائر نتيجة تراجع مداخيل البلاد وانهيار أسعار النفط، وبوادر التصعيد الاجتماعي وإضرابات مختلف القطاعات التي تعقّد الأزمة، فضلاً عن التعقيدات الأمنية الإقليمية التي تستهدف الجزائر. وبالنسبة لـ"حركة مجتمع السلم"، فإن قرار المشاركة هو "قرار انخراط جدي وفاعل ومسؤول في مقاربة الحريات والانتقال الديمقراطي المتدرج، والتفاوض عليه من خلال المؤسسة التشريعية والمؤسسات المنتخبة المحلية، واكتساب وسائل الرقابة والإصلاح والتغيير".

ورأى بعض المحللين بأن "المعارضة وجدت نفسها مجبرة على هذا الخيار السياسي، بفعل تقلبات المشهد الداخلي على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي". في هذا الصدد، أعرب المحلل السياسي عبد السلام عليلي، عن اعتقاده بأن "الانتخابات تأتي وسط ظروف صعبة، واستحقاق لسياسات التبعية وإملاءات صندوق الفقر الدولي برفع الأسعار وتحرير أكبر للاقتصاد المحلي، ناهيك عن الاستحقاقات السياسية المطلوبة في هذه المرحلة". ولفت إلى أن "أكثر الأحزاب الموجودة في المعارضة، تعيش تحت ضغط قواعدها النضالية، التي تطالبها بخوض الانتخابات المقبلة، ومقاطعتها ستحدث تفجيرات داخل هذه الأحزاب، والسلطة نجحت سابقاً في تلغيم بعض الأحزاب".