سياسة الهجرة تمزّق الاتحاد الأوروبي قبل قمة "الفرصة الأخيرة"

05 مارس 2016
آلاف المهاجرين يتجمّعون عند الحدود اليونانية مع مقدونيا(ايهان محمد/الأناضول)
+ الخط -

تشهد بروكسل يوم الإثنين المقبل في السابع من مارس/آذار، قمة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لمناقشة جديدة حول ما تسميه صحف وساسة الاتحاد "أزمة اللاجئين". وهي قمة تسبق قمة مقررة في السابع عشر والثامن عشر من ذات الشهر والتي أطلق عليها رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك "الفرصة الأخيرة". تعبير "الفرصة الأخيرة" لا يأتي من فراغ، "فالأمور داخل الاتحاد تختلف عما كانت عليه سابقاً، إذ إن الارتباك والانقسام باتا يطغيان على العلاقات المتشنجة بين دول الاتحاد"، وفق ما تقول مصادر سياسية لـ"العربي الجديد".

ويتزايد هذا الارتباك مع استمرار ارتفاع أعداد اللاجئين، إذ أعلنت الهيئة الأوروبية للإحصاءات (يوروستات) أمس الجمعة أن أكثر من 1.25 مليون أجنبي غالبيتهم من السوريين والأفغان والعراقيين، تقدّموا بطلبات لجوء إلى الاتحاد الأوروبي في العام 2015 مما يشكل عدداً قياسياً لم يُسجل من قبل. وأوضحت الهيئة في بيان أن العدد شكّل زيادة بأكثر من الضعف مقارنة مع العام 2014.

ويسيطر خوف على المشهد الأوروبي من الفشل في إبعاد شبح انفراط عقد شينغن كأساس لـ"الوحدة الأوروبية في حرية الحركة". وناشدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في تصريحات نشرتها صحف ألمانية أمس الجمعة، دول الاتحاد الأوروبي لتبني موقف موحّد حيال أزمة اللاجئين وتجاوز الخلافات بينها. واعتبرت ميركل أنه بات من الضروري التوصّل في قمة الاتحاد الأوروبي مع تركيا الاثنين المقبل إلى حل لأزمة اللاجئين، ولفتت في رد على سؤال من خطر تفكك الاتحاد الأوروبي بالقول: "لن نكون أقوياء إلا إذا بقينا اتحاداً متماسكاً". وعبّرت عن قناعتها بالنجاح في خفض أعداد اللاجئين، موجهة الانتقاد إلى المجر لرفضها الالتزام باستقبال حصتها من اللاجئين الـ160 ألفاً وفق القرار الأوروبي.

يأتي هذا في وقت عقدت فيه ميركل أمس اجتماعاً مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في الإليزيه، لتنسيق مواقفهما من أزمة اللاجئين. وجاء الاجتماع بعد يومين من الإعلان عن مساعدة أوروبية بقيمة 700 مليون يورو لمساعدة الدول التي تقف في الخطوط الأولى على طريق الهجرة باتجاه أوروبا الشمالية، لا سيما اليونان.

وازداد التخوّف الأوروبي مع الخلاف بين اليونان والنمسا، إذ يرى مراقبون أن استدعاء أثينا لسفيرها من فيينا، بعد عدم دعوة اليونان لاجتماع فيينا الذي "خلق تكتلاً جديداً يضم فيينا ودول البلقان"، رسالة جدية. ولم تلقَ وزيرة الداخلية النمساوية يوهانا ميكل ليتنر، ترحيباً لزيارة أثينا لشرح ما جرى، وخرج وزير الهجرة اليوناني يانيس موزالاس بتصريح قال فيه: "نرفض أن تصبح بلادنا مكاناً لتخزين البشر أو نتحوّل إلى لبنان أوروبا".
وعاد وزير الخارجية النمساوي سيباستيان كورتز، إلى دعوة اليونان لإيواء المهاجرين الواصلين إلى أراضيها وعدم تركهم يواصلون رحلتهم إلى شمال أوروبا. وقال كورتز في مقابلة صحافية قبل يومين: "نسعى إلى أن تبني اليونان مراكز استقبال بمساعدة من الاتحاد الأوروبي، حتى تهتم على أراضيها بهؤلاء الاشخاص، ونمارس ضغوطاً لأنه لم يحصل شيء".

من جهته، طالب رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس "بوقف التحركات من جانب واحد في أوروبا"، وذلك بعد لقاء مع توسك الخميس في اليونان. وقال: "لن نسمح أن تتحوّل اليونان أو أي بلد آخر إلى مستودع للأرواح. نحن أمام لحظة فارقة في مستقبل أوروبا". وأضاف: "لن نألو جهداً لتطبيق اتفاقية شينغن ومعاهدة جنيف. لن نعيد الناس للبحر ونخاطر بحياة الأطفال". أما توسك فدعا المهاجرين لأسباب اقتصادية إلى عدم المجيء إلى أوروبا، مطالباً بإجراءات لمواجهة "الأعداد المرتفعة للغاية" من الوافدين إلى القارة. وأضاف: "لن تبقى اليونان ولا أي دولة أوروبية أخرى بلد عبور بعد الآن. سيتم تطبيق بنود اتفاقية شينغن مجدداً".

وتتسع حالة التململ وأحياناً الغضب المكتوم قبيل القمة المقبلة، وعبّر وزير العدل والهجرة السويدي مورغان يوهانسون عن المأزق بشكل واضح بالقول: "كل ما يجري ستكون له تأثيراته المأساوية على علاقات الاتحاد الداخلية وأسس وجوده لأنه يظهر العجز في إيجاد حلول مشتركة. نشعر بإحباط متزايد من هذه السياسات ولن نستمر بدفع مستحقاتنا المالية للاتحاد إذا لم تحل القضية جذرياً وجماعياً". وتلك المساهمات المالية تذهب في معظمها لمساعدة تلك الدول في تنمية بناها التحتية لتصل إلى المستويات المطلوبة في أوروبا الغربية، وهو تهديد سبق أن طرحته ألمانيا في أوج تدفق اللاجئين في سبتمبر/أيلول العام الماضي لتليين موقف رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان.

أزمة الاتحاد الأوروبي في تعاطيه مع قضية الهجرة واللجوء ليست مجرد عناوين صحافية، فبحسب مفوض الهجرة في الاتحاد ديمتريس افراموبولوس، فإن "كل نظام الاتحاد الأوروبي مهدد بالانهيار إذا لم يجر خلال عشرة أيام التوصل لحلول عملية".

ولم تنجح الاجتماعات السابقة بين وزراء داخلية الاتحاد في حل هذه المعضلة، ونشأ ما يسميه المراقبون الآن "حرباً باردة بين اليونان والنمسا ودول البلقان". فإغلاق الحدود المقدونية مع اليونان، رأته أثينا نوعاً من الضغط ومحاولة فرض ما اقترح العام الماضي "بإقامة معسكرات استقبال في اليونان". ووصفت الخارجية اليونانية تلك الخطوات بأنها "لن تساهم في إيجاد حلول مشتركة للأزمة وهي خرق للقانون الدولي للجوء".

وتقول مصادر أوروبية شمالية إن "الأمور زادت تعقيداً، فالأمر لم يتوقف عند أثينا، بل توسّع إلى استوكهولم التي عبّرت أيضاً عن غضبها بسبب غياب سياسة لجوء وهجرة تحمل روح التضامن بين دول الاتحاد من خلال الالتزام بحلول عملية مشتركة".

غضب رئيس وزراء السويد ستيفان لوفين يشبه غضب نظيره اليوناني. فوفق مصادر خاصة بـ"العربي الجديد" في السويد، "يواجه لوفين أزمة حقيقية في معسكره في اليسار ويسار الوسط، وانتقادات بدأت تتصاعد في صفوف حزب البيئة (الخضر) الداعم له برلمانياً على خلفية استقبال البلاد لأكثر من 163 ألف لاجئ ومهاجر مع توقعات أخرى جديدة قدّمتها مصلحة الهجرة له في نهاية فبراير/شباط بتوقّع قدوم 150 ألفاً خلال العام الحالي". فيما تسيبراس مصاب بذعر تكدّس عشرات آلاف المهاجرين واللاجئين في بلاده بعد الخطوة النمساوية المشجعة لدول البلقان لإغلاق الطريق بوجه هؤلاء المتوجهين شمالاً.

وما يزيد الأمر تعقيداً تسرّب رقم ألماني مفزع لدول أوروبية عدة، فبحسب صحيفة "سود دوتشه زايتونغ" الألمانية، تكشف وثيقة حكومية من وزارة الاقتصاد "أنه حتى العام 2020 سيصل الرقم إلى 3.6 ملايين مهاجر وطالب لجوء".

ويبدو أن النمسا وعلى الرغم من محاولتها التخفيف من وطأة "تشكيل جبهة مع دول البلقان"، بالاستعداد لاستقبال حوالي 37 ألف طالب لجوء كسقف أعلى، إلا أنها ماضية في تزعّم خط المواجهة مع اليونان وتحميلها مسؤولية "حماية الحدود الخارجية"، وفق ما قالته وزيرة الداخلية النمساوية، التي تستمر في التحذير بأن "السابع من مارس/آذار يجب أن يشهد حلولاً مشتركة وإلا سنتخذ خطوات أخرى". ويفسر المراقبون ذلك بأنه قد يكون ضغطاً إضافياً عبر دول البلقان على أثينا.

اقرأ أيضاً: تصاعد الخلافات الأوروبية حول المهاجرين... ونظام الهجرة مهدد

وبات مشهد تكدّس أكثر من 32 ألف مهاجر في اليونان، نحو 11 ألفاً منهم ينتظرون عند الحدود اليونانية المقدونية للتوجّه شمالاً، يقلق دولاً أوروبية عديدة. ويخشى هؤلاء مع تحسن أجواء البحر، من تدفّق كبير، وهو ما تبني عليه التقديرات الألمانية والسويدية من المكان واستمرار مشهد التدفق سواء من سورية أو العراق.

وحاولت اليونان في الفترة الأخيرة، التعامل بطريقة أخرى في معسكرات اللجوء المقامة على أراضيها، للتخفيف من توجّه هؤلاء شمالاً، على عكس سياستها السابقة التي كانت تُسجّل من خلالها القادمين إليها وتسمح لهم بالمغادرة شمالاً. ومع التكدس الكبير للاجئين، بدأت تظهر في اليونان نفسها مشكلة اجتماعية تتمثّل في رفض قطاعات من اليونانيين لوجود كل تلك الأعداد، حتى في الجزر التي كانت تستقبلهم بطريقة إيجابية. ويبدو مشهد اللاجئين في الغابات والساحات العامة الآملين بالتوجّه شمالاً، لا يبشر بأن اليونان لوحدها ستكون قادرة على تلبية مطالب باقي دول الاتحاد بما يسمونه "حماية الحدود الخارجية". وفي هذا السياق، كشفت منظمة أطباء بلا حدود عن أن الشرطة والجيش اليونانيين بدءا باستخدام القوة لإبعاد اللاجئين عن التوجّه نحو الحدود المقدونية.

وتبدو الضغوط كبيرة على اليونان، التي بدأت تشعر أن ما يجري ترجمة للخطة التي سُرّبت معالمها العام الماضي والتي تقضي بتغيير خطوط شينغن لتستثني اليونان، وهو ما بدأت تشعر به أثينا في التشدد الأخير لمقدونيا وبالاتفاق النمساوي مع دول البلقان، ونشوء تحالف يضم بعض دول وسط أوروبا بوجه سياسات ألمانيا، وتحميل ميركل مسؤولية التدفق الكبير العام الماضي مع خشية تكرره هذا العام. وزاد الضغط على اليونان، إعلان مفوض الاتحاد الأوروبي للهجرة ديمتريس أفراموبولوس أن الاتحاد سيمهل اليونان حتى 12 مايو/أيار لتسجيل جميع المهاجرين بطريقة منظمة أو مواجهة المزيد من إجراءات مراقبة الحدود. وقال أفراموبولوس، في حديث لصحيفة ألمانية أمس الجمعة: "سيكون أمام اليونان حتى مايو/أيار لحماية حدودها الخارجية"، مضيفاً: "سنجري تقييماً شاملاً للوضع في 12 مايو. إذا لم نر تقدّماً بحلول ذلك الموعد فلن نتردد في وضع شروط تكفل تمديد إجراءات مراقبة الحدود في أوروبا".

وعلى الرغم من أن الموقف اليوناني يبدو في ظاهره ضعيفاً، لكن ووفق رئيس الوزراء اليوناني فإن أثينا تملك من الأوراق الضاغطة؛ "ما يجعلها تعيق عملية اتخاذ القرارات في الاتحاد إذا لم يجرِ تحويل الحلول المتفق عليها إلى التنفيذ العملي بأسرع وقت ممكن". كما يعرف اليونانيون بأنهم ليسوا وحدهم ولا في عزلة في القمتين المقبلتين، فأكبر وأقوى دول الاتحاد كألمانيا وفرنسا، ومعهما إيطاليا، غاضبة أيضاً من خطوة النمسا المنفردة في الاتفاق مع دول البلقان، ومن جهة ثانية فإن إيطاليا قلقة من "التحوّل إلى حالة اليونان، وتصبح خارج شينغن كأمر واقع"، وهو ما ذكرته صحيفة "لا ستامبا" الإيطالية.

ومع كل هذه الأوضاع المتفاقمة، باتت "أزمة اللاجئين" تهدد جدياً التعاون في الاتحاد الأوروبي، وربما تحطيم أسسه، وذلك ما يدركه توسك، الذي سيبدأ جولة على النمسا وسلوفينيا وكرواتيا ومقدونيا واليونان قبل انعقاد القمة مع تركيا، والتحضير لقمة "العشرة أيام الأخيرة" بعد تلك القمة. وتدل مؤشرات كثيرة على أن القضية باتت تتعلق بمستقبل الاتحاد الأوروبي في أكبر أزمة ثقة بين دوله، فاليمين الأوروبي، سواء الحاكم أو المعارض، بات كمن يضع أجندة لمستقبل الاتحاد. ويجد التنسيق بين اليمين، تجلياته في تحويل القضية إلى "أزمة للاجئين"، كتعبير يرى فيه مراقبون محاولة لنزع المسحة الإنسانية عن المشكلة.

وتبدو المواقف الألمانية والتركية الأكثر تقارباً في مسألة اللاجئين والحلول المقترحة في تخفيف التدفق عبر حلول في شمال سورية نفسها. ومن جهة ثانية أبدت كل من أنقرة وأثينا، في الأسبوع الأول من شهر فبراير/شباط، رغبتهما في أن يقوم حلف شمال الأطلسي بدور في مراقبة تدفق اللاجئين عبر بحر ايجه. لكن النقاش الذي يرغب الاتحاد الخوض فيه في قمة السابع من مارس/آذار، يكمن في كيفية تطبيق الحلول المحلية، في سورية مثلاً، وقضية "محاربة تهريب البشر" وتقوية دور فرونتيكس في تلك العمليات المتعلقة بحماية الحدود الخارجية لدول الاتحاد.

خبراء استطلعت "العربي الجديد" آراءهم حول تشديد الرقابة الحدودية في الجنوب الأوروبي، يُجمعون على أن "إغلاق مقدونيا لحدودها لن يحدّ من توجه الفارين من الحرب السورية ومخاطرتهم لإيجاد طرق بديلة، وكان من الممكن ألا نرى كل هذه التداعيات لو أن تدخلاً حاسماً جرى لوقف سبب تشريد الشعب السوري". ويقول الباحث في "آثار الهجرة الدولية" في كوبنهاغن جون ستيفان رامبر: "يبدو أن الحل يكمن في إنهاء الأسباب، ولو متأخرين، إلا أن المسألة دونها عقبات كثيرة، ولهذا على أوروبا الاستعداد لتدفق مئات الآلاف إن لم تُحل الأسباب ويتوقف نقاش الآثار الجانبية للكارثة السورية التي استغلها أيضاً آخرون هرباً من بلدانهم التي تعاني اقتصادياً وأمنياً".

اقرأ أيضاً: فضاء "شينغن" يترنّح على وقع أزمة اليونان

المساهمون