الانتخابات التمهيدية الأميركية: همّ العنف في آخر ثلاثاء كبير

07 يونيو 2016
من الاحتجاجات المناوئة لترامب بسان دييغو (مارك رالستون/فرانس برس)
+ الخط -
وسط مخاوف من تهديدات داخلية وخارجية، علمت "العربي الجديد" من مصادر أمنية مطّلعة في الحكومة الفدرالية الأميركية، أن "الشرطة السرية الأميركية أعدّت ما يزيد على ألفي فرد من عناصرها، للمشاركة مع الشرطة المحلية في ولاية أوهايو الأميركية، لحماية مؤتمر الحزب الجمهوري، المقرر عقده في مدينة كليفلاند كبرى مدن الولاية، بين 18 يوليو/تموز و21 منه المقبل. كما تقرر انتقال عناصر من الشرطة السرية الأميركية، مع المئات من متطوعي الحرس الوطني الأميركي، إلى مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا، لحماية مؤتمر الحزب الديمقراطي المقرر بين 25 يوليو و28 منه".

في هذا السياق، أوضحت المصادر أن "الاستعدادات لمواجهة التهديدات الخارجية ليست جديدة ولا تتعلق بوجود معلومات محددة عن مؤامرات بعينها، لكنها تأتي في إطار اليقظة المستمرة لمواجهة التهديدات الإرهابية بصورة عامة، أما التهديدات ذات الطابع الداخلي فستكون استثنائية وغير مسبوقة في تاريخ المؤتمرات الحزبية الأميركية".

وطبقاً لأحد المصادر الخاصة، فإن "المعلومات المتوفرة للأجهزة الأميركية قائمة، بناءً على معلومات مسبقة عن مسيرات تأييد واحتجاج ضخمة، يعتزم ناشطون وطلاب جامعات من مؤيدي ومعارضي المرشح الجمهوري دونالد ترامب، تنظيمها في ولاية أوهايو والولايات المجاورة لها. كما ستُنظّم مسيرات مماثلة وقد تشهد صدامات بين أنصار الساعي لتمثيل الحزب الديمقراطي، بيرني ساندرز، في ولاية بنسلفانيا، ومعارضيه".

وعلى الرغم من التناقض الفكري والسياسي والشخصي الكبير بين ترامب وساندرز، إلا أن هناك جملة عوامل رئيسية مشتركة بينهما، أولها قدوم كل منهما من خارج المؤسسة الحزبية التقليدية وقيادته لما يشبه الثورة ضد الحزب الذي يسعى لتمثيله، وثانيها تصاعد دورة العنف والشغب المرافقة لحملتيهما الانتخابيتين، سواء من جانب المتحمسين لطروحات كل منهما أو المتحمسين ضد طروحاتهما.



أما أهم العوامل المشتركة بينهما على الإطلاق، فهي المخاوف السائدة من ترشّح أي منهما كمستقل، ففي الوقت الذي تستعدّ هيلاري كلينتون لمواجهةِ ترامب في الانتخابات الرئاسية في 8 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بعد أن عزز المرشحان موقعيهما في الانتخابات التمهيدية، داخل حزبيهما، فإن المخاوف بدأت تسود في أوساط الحزب الديمقراطي الأميركي من لجوء ساندرز إلى خوض الانتخابات الرئاسية بصفة مستقل، على غرار المخاوف التي سادت سابقاً في أوساط الحزب الجمهوري من لجوء ترامب للأمر ذاته. وفي حال اتخذ ساندرز قراراً كهذا، فإن خطورته تكمن في أنه سينجم عنه تشتيت أصوات الناخبين الديمقراطيين بين مرشحين قويين، وهو ما معناه الفوز المؤكد لمرشح الحزب المنافس.

وينطبق الأمر ذاته على الحزب الجمهوري في حال قرر أي قيادي جمهوري أو منافس سابق لترامب، خوض التنافس بصفة "مستقل"، ولن يعني ذلك سوى تشتيت الأصوات لصالح المرشح الديمقراطي، بغضّ النظر عمن يكون. ولكن من الصعب الجزم بارتباط عوامل التشابه بين ترامب وساندرز ببعضها بعضاً، أو كون أياً من تلك العوامل ينجم عن آخر، إلا أن الأمر المؤكد، هو اعتزام الشباب من أنصار ساندرز إيصال أصواتهم إلى قاعات مؤتمر الحزب الديمقراطي ولو من الشارع، خصوصاً أولئك المحبطين من الفشل المتوقع لزعيمهم ساندرز، في إحراز عدد كاف من أصوات المندوبين إلى مؤتمر الحزب لتمثيل الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية.

وتخطط الحركة الشبابية التي يقودها ساندرز لفرض مطالبها وإجبار المؤتمرين على تغيير قواعد اللعبة الحزبية، تحت مبرر أن نظام المندوبين الكبار غير ديمقراطي، ويتيح للمؤسسة الحزبية التقليدية الانحياز لمرشح ديمقراطي بعينه، في إشارة إلى المرشحة القوية هيلاري كلينتون.

وفي الوقت الذي كانت السلطات الفدرالية تخشى من أعمال شغب أوسع، مواكبة لمؤتمر الحزب الجمهوري من قبل أنصار ترامب، فإن التوقعات تحوّلت إلى مؤتمر الحزب الديمقراطي وأنصار ساندرز، أكثر مما هو عليه الأمر مع أنصار ترامب. ومن العوامل التي ساهمت في هذا التحوّل، هو أن المرشح الجمهوري نجح في تأمين عدد كاف من المندوبين، لحسم أي تحدٍّ له داخل المؤتمر بالتصويت الديمقراطي، في حين أن ساندرز وأنصاره، يسعون لفرض شروطهم داخل مؤتمر الحزب بكل الوسائل الممكنة، سواء كان من بينها اختياره مرشحاً بديلاً لكلينتون أو نائباً لها، أو تلبية شروط أخرى تساعد الحركة الليبرالية الناشئة على فرض هيمنتها على الحزب الديمقراطي، في الأعوام المقبلة على مستوى الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية أو المحلية.



أما في معسكر ترامب، فلا يعني فوزه بدعم قيادات الحزب الجمهوري، تحصيناً للحزب من غضب أنصار رجل الأعمال، كما أن رفض ترشيحه يعني انتصار خصومه المعارضين بشدة له داخل الحزب الجمهوري، الرافضين لطروحاته التي يصفها بعضهم بـ"العنصرية".

ويمثل الأميركيون من أصل مكسيكي أو أصول لاتينة أخرى، أكثر الفئات المعارضة لاختيار ترامب مرشحاً عن الحزب الجمهوري. وقد أظهر هؤلاء استعدادهم لارتكاب أعمال عنف والمشاركة في أحداث الشغب، تعبيراً منهم عن كراهيتهم للمرشح الجمهوري، الذي كانوا يأملون أن يكون من أصل لاتيني، لا أن يكون ترامب. وتُرجمت هذه الكراهية باشتباكات نشبت مساء الخميس الماضي بين أنصار ترامب ومناوئيه في مدينة سان خوسيه بولاية كاليفورنيا الأميركية المعروفة بكثافة المهاجرين القادمين من المكسيك. وخلال المواجهات التي وقعت أمام تجمّع جماهيري لأنصار ترامب، حضره المرشح الجمهوري في مركز المؤتمرات بالمدينة، رفع المتظاهرون أعلام المكسيك، فيما أحرق بعضهم العلم الأميركي في عمل نادر داخل الأراضي الأميركية. وردد المحتجون هتافات مناهضة لترامب وأحرقوا صوره ورسومات تعتبره من النازيين الجدد.

وجاءت هذه الاشتباكات بعد أسبوع من أعمال عنف انتهت باعتقال أكثر من 35 متظاهراً في مدينة سان دييغو بولاية كاليفورنيا، إثر صدامات وقعت بين مؤيدين ومعارضين لترامب. وأفادت وسائل الإعلام الأميركية، أن "الشرطة المحلية استعملت العصي ضد حوالي ألف شخص من الطرفين المتصادمين خلال تجمّع انتخابي للمرشح الجمهوري". وذكرت الشرطة أنها "اضطرت لاستخدام القوة لفضّ الاشتباكات، بعد أن فشلت تحذيراتها في إجبار أفراد المجموعتين على الانسحاب من ساحة المواجهة طوعاً. كما استخدمت الشرطة وسائل مبتكرة لفضّ الصدامات وتفريق المتظاهرين، من ضمنها استخدام مسحوق الفلفل الحار. كما أدى أنصار ترامب دور الضحية، وفي تأكيد ذلك أشاد ترامب في رسالة على صفحته بموقع "تويتر"، بتعامل شرطة سان دييغو مع المحتجين، وتقديره لما قامت به من إجراءات، معتبراً ذلك "أسلوباً رائعاً في التعامل مع البلطجية، الذين حاولوا عرقلة مسيرة سلمية جداً"، وفق تعبيره. وكان ترامب قد توقع منذ نحو أسبوعين، اندلاع أعمال شغب "إذا عرقل الحزب الجمهوري ترشيحه للانتخابات الرئاسية"، متوجّهاً بذلك إلى الذين ينوون منع اختياره خلال مؤتمر الحزب.

وقال ترامب حينها، "أعتقد أنكم ستواجهون أعمال شغب، وأعداداً هائلة، بل ملايين الأشخاص"، وفي تحذير لقيادة الحزب الجمهوري من محاولة الالتفاف، خلال المؤتمر الحزبي المقبل، على نجاحه في الانتخابات التمهيدية، خاطبهم ترامب في لقاء أجراه مع شبكة "فوكس نيوز"، قائلاً "إذا حرمتم هؤلاء الناخبين من تحقيق رغباتهم وقلتم لهم: آسفون لن نختار ترامب ممثلاً للحزب، فسوف تواجهون مشكلة". واعتبر أنه "من الضروري ترشيحه، طالما أنه قد حاز على أصوات الأكثرية الساحقة من الناخبين الجمهوريين". مع العلم ان ترامب حصل بالفعل على أكثر من 1237 مندوباً، أي العدد المفترض أن يحصل عليه أي مرشح جمهوري، لضمان تسميته من الحزب ودعمه في المحطة الانتخابية الرئاسية الأخيرة، بمواجهة المرشح الديمقراطي". وألمح ترامب إلى أن "قطاعاً كبيراً وقوياً من أنصاره يميلون بطبيعتهم إلى ارتكاب أعمال عنف"، لكنه تنصّل من تحمّل المسؤولية عنها، مردداً أكثر من مرة أن "الملايين الذي أدلوا بأصواتهم له، لا يؤمنون بالنظام ويبغضون المرشحين بشدة".
ولم يقتصر العنف على الجمهوريين، بل إن ساندرز تعرض أيضاً لمحاولة اعتداء في مدينة أوكلاند بولاية كاليفورنيا، من قِبل خمسة مهاجمين أثناء مخاطبته لحشد من جمهوره. لكن عدداً من عناصر شرطة الحماية السرية الفدرالية أحاطوا بالمرشح الرئاسي بينما تمكّن زملاؤهم من حماية المنصة التي كان يعتليها ساندرز. وبعد اعتقال المهاجمين الخمسة اتضح أنهم من أنصار الدفاع عن حقوق الحيوان، ويلومون ساندرز لأنه لم يعمل بشكل كافٍ لتجريم الممارسات الجارية في مزارع تسمين الحيوانات. وقال ساندرز بعد استئناف خطابه إثر الهجوم: "ليس من السهل أن تؤثر علينا مثل هذه التهديدات".

المساهمون