بيْد أن الفارق بين هذين الاقتحامين للمسجد الأقصى، يكمن في خلو ساحات المسجد، يوم الثلاثاء، من آلاف الفلسطينيين الذين احتشدوا لدى اقتحام شارون الأقصى، وتصدّوا له، وذلك بسبب القيود المشددة التي فرضت على دخولهم قبيل الاقتحام المخطط لعائلة المستوطنة القتيلة. وقتلت هيلل وهي من مستوطنة كريات أربع المقامة على أراضي مدينة الخليل، بعدما طعنها شاب فلسطيني بسكين، قبل نحو أسبوعين، كما أصاب مستوطناً آخر بجروح خطيرة.
انضم نحو 300 مستوطن لوالدَي القتيلة، إذ أقيم، للمرة الأولى، حفل تأبين داخل باحات الأقصى، أمام عيون مسؤولي الأوقاف الفلسطينيين الذين وقفوا عاجزين عن منع إقامة هذه الطقوس، فيما تعمّد ضباط جيش الاحتلال وجنوده إهانتهم واستفزازهم، وتمكين الإسرائيليين من أداء جميع الطقوس. في هذا السياق، يصف مدير عام أوقاف القدس، الشيخ عزام الخطيب لـ"العربي الجديد" ما جرى، بأنه الأسوأ، منذ العام 2000، والأوسع نطاقاً.
ووجّهت عائلة القتيلة الإسرائيلية هيلل يافا، قبل أيام، طلباً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للسماح لها بإقامة هذه الطقوس، ولم يتأخر رد نتنياهو على هذا الطلب الذي أعطى الضوء الأخضر لليهود بإقامة هذه الطقوس، غير مبالٍ، بردود الفعل الفلسطينية والأردنية والعربية التي لم ترق إلى مستوى الحدث الخطير اليوم، وفق ما يرى متابعون.
ويقول أحد مسؤولي الحراسة في المسجد الأقصى لـ"العربي الجديد"، إنّ "ما جرى صفعة شديدة للسلطة الفلسطينية، ومن قبلها الأردن صاحب الولاية على المسجد الأقصى. كما أنها صفعة لجميع العرب والمسلمين الذين يقفون عاجزين عن مواجهة الصلف الإسرائيلي والتغول اليومي بحق الأقصى والمرابطين فيه".
وفيما اكتفى مسؤولو الأوقاف بالمشاهدة والإدلاء بتصريحات الغضب، وسط توتر شديد ساد الساحات من عشرات المسنين الفلسطينيين الذين تمكنوا من الدخول إلى الأقصى، كاد الوضع ينفجر عند بوابات الأقصى التي أغلقت جميعها أمام مئات الفلسطينيين، معظمهم من مواطني فلسطين المحتلة عام 1948، والعشرات من سكان البلدة القديمة الذين لوحقوا داخل الأزقة واعتُقل بعضهم عند بوابات المسجد، كما حدث مع المواطن المقدسي مصباح أبو صبيح. وأطلق سراح الأخير بعد ساعات، وبعدما صدر قرار بإبعاده عن الأقصى لمدة أربعة أشهر.
في المقابل، وقف كل من وزير الزراعة الإسرائيلي المتطرف أوري أرئيل، وعضو الكنيست الأكثر تطرفاً، الحاخام إيهودا غليك، قرب باب المغاربة وفي ساحة البراق، قبل أن ينتقلا إلى باب السلسلة، أحد أبواب الأقصى، لينظما دخول وخروج مجموعات كبيرة من المستوطنين المتطرفين، معظمهم من تنظيم جباية الثمن أو مقربين مما يعرف بـ"شبيبة التلال"، وهم المستوطنون الأكثر تطرفاً الذين يقطنون في مستوطنات نابلس والخليل.
وحظر ديوان نتنياهو على الوزير أرئيل، وهو من أقارب المستوطنة هيلل يافا، سابقاً، دخول المسجد الأقصى مع أبناء العائلة، ونقل عن أرئيل قوله على باب المغاربة: "حان الوقت لتدخُّل رئيس الوزراء في مسألة السماح لكافة المواطنين الإسرائيليين بزيارة الأقصى بمن فيهم المسؤولون والمنتخبون". ويقول أحد حراس الأقصى لـ"العربي الجديد"، حيث وقف جانباً يراقب أرئيل وغليك، "كانا سعيدين لما جرى، ووزّع غليك المياه الباردة على المستوطنين وضباط الجيش والشرطة، وعائلة المستوطنة القتيلة". وكانت مجموعات أخرى ممن شاركوا بالاقتحامات تقيم حلقات الرقص على باب السلسلة وسط صرخات هستيرية، مرددين شعارات وهتافات عنصرية مثل "الموت للعرب".
وبالنسبة لكثير من المقدسيين، فإن ما حدث، يوم الثلاثاء، في الأقصى من طقوس تخليد لقتلى المستوطنين، قد يؤسس مستقبلاً لواقع جديد من الاقتحامات، ومن إعطاء هؤلاء المستوطنين الضوء الأخضر لتكرار إقامة مثل هذه الطقوس كلما قُتل مستوطن.
وطالبت عائلة المستوطنة القتيلة حكومة نتنياهو بتغيير اسم باب المغاربة التاريخي الشهير الذي يلج من خلاله المستوطنون، يومياً، في اقتحاماتهم للأقصى إلى اسم المستوطنة القتيلة هيلل يافا، التي نشرت عائلتها، في وقت سابق، صوراً لها خلال مشاركتها في اقتحامات الأقصى.
ويقول عضو الهيئة الإسلامية العليا، القيادي في حركة "فتح"، حاتم عبدالقادر، لـ"العربي الجديد"، إن "سماح نتنياهو للمستوطنين بإقامة طقوس تخليد قتلاهم يحمل أكثر من رسالة ودلالة وينذر بأخطار كبيرة، سيتصدى لها المقدسيون، ولن يسمحوا بفرض واقع يصبح تدنيس الأقصى فيه حدثاً عابراً كما حصل يوم الثلاثاء". ويحث عبدالقادر، الأردن، على التدخل العاجل، ومنع تكرار ما حدث، معتبراً "التهاون في هذا الأمر كارثة يمكن أن تجر المنطقة برمتها إلى دوامة من العنف يتحمل مسؤوليتها نتنياهو وحكومته".