كتالونيا: عودة إلى زمن فرانكو

كتالونيا: عودة إلى زمن فرانكو

21 أكتوبر 2017
بيغديمونت (يمين) راخوي (وسط) الملك فيليبي (يسار)(باسكال غويو/فرانس برس)
+ الخط -


يعود إقليم كتالونيا ابتداء من اليوم السبت إلى أكثر أيامه قتامةً، في ظلّ توجه مدريد إلى استخدام المادة 155 من الدستور، القاضية بتعليق الحكم الذاتي في الإقليم وبدء إدارته بشكل مباشر من قبلها، وهو ما يعيد شريط الذكريات السيئ إلى الإقليم، خصوصاً مرحلة عام 1932 التي أعلن فيها قادة الإقليم الانفصال وتشكيل جمهورية، غير أنهم لم يتمكنوا من الحصول سوى على الحكم الذاتي. بعدها دخل الإقليم في حربٍ طاحنة مع الجنرال فرانشيسكو فرانكو، الذي قام بإخضاع إقليم كتالونيا بالقوة، ملغياً الحكم الذاتي ومضيّقاً على الحريات. وفي الحرب الأهلية الإسبانية (1936 ـ 1939)، كان فرانكو قد فرض قوته على مختلف الأقاليم الإسبانية، جاعلاً من مدريد نقطة جذب لكل المدن والمناطق الخاضعة لحكمه. استمر الخضوع الكتالوني لسلطة مدريد، حتى عام 1975، مع وفاة فرانكو وعودة الحكم الملكي، وتمكين الملك كارلوس الإقليم من الحصول على الحكم الذاتي والتحكّم المالي لحكومة كتالونية شبه مستقلة في عام 2006. لكن مع التدهور السريع في العلاقة بين الإقليم والسلطة المركزية على خلفية استفتاء الانفصال في 1 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، بات الحكم الذاتي في مهبّ الريح ابتداء من اليوم السبت، في ظلّ مواكبة أوروبية مؤيدة للسلطات المركزية، ورافضة للاستقلال الكتالوني. الأثمان الباهظة في الإقليم بعد تفعيل المادة 155، ستكون مؤثرة سياسياً واقتصادياً على الإقليم. ومهد رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي، منذ أمس الجمعة، لتعليق الحكم الذاتي في الإقليم، بإعلانه على هامش مشاركته في القمة الأوروبية في بروكسل أن إجراء التعليق مبني على دستور إسبانيا لعام 1978. وينتظر أن يتم الإعلان رسمياً عن الخطوة بعد انعقاد مجلس الوزراء في مدريد اليوم، لتقرير وضع إقليم كتالونيا، خصوصاً السير بالمادة 155 من الدستور. ووفقاً لأحكام هذه المادة، فإنه "في حال عدم تنفيذ أي من حكومات أقاليم الحكم الذاتي التزاماتها الدستورية، يتم اللجوء لما يعرف بآلية الإجبار الفيدرالي". وتلك الآلية إجراء دستوري يمنح مدريد حق تعليق الحكم الذاتي للإقليم، الذي يفكر في الخروج عن سيطرتها المركزية. واعتبرت نائبة رئيس الحكومة الإسبانية، سوريا ساينز، أن "المهلة ستنقضي سيد (رئيس إقليم كتالونيا كارليس) بيغديمونت يدفعنا لتطبيق المادة 155. وأعتقد أن اللجوء لهذه المادة سيمنح الاستقرار لكتالونيا، لأنه من غير المسموح العبث بسلم كتالونيا بسبب السيد بيغديمونت".

كما أن السياسية الاشتراكية الإسبانية كارمن كالبو، ذكرت في مقابلة مع التلفزيون الرسمي، مساء الجمعة، أن "الحكومة اتفقت مع حزب العمال الاشتراكي على إجراء انتخابات إقليمية في كتالونيا، في يناير/كانون الثاني المقبل، في إطار حزمة إجراءات استثنائية لحكم الإقليم بشكل مباشر لفترة مؤقتة". بدوره كان راخوي قد طالب رئيس إقليم كتالونيا ـ"بالتصرف بعقلانية، ووضع مصلحة البلد فوق المصالح الشخصية"، متهماً إياه بـ"إدخال البلاد في حالة عدم اليقين والارتباك المتعمد، بفرضه على الشعب مشروعاً راديكالياً سيؤدي إلى إفقار كتالونيا".

ولا يبدو أن بيغديمونت في أفضل أيامه، فأوروبا أيضاً ترفض الانفصال الكتالوني، وهو ما فسّر "صمتها" حيال الاعتداءات التي ارتكبتها الشرطة الاسبانية في الإقليم، في الأيام التي سبقت استفتاء الانفصال في 1 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، ويوم الانفصال بالذات، والتي أدت إلى سقوط مئات الجرحى.

ومن شأن تفعيل المادة 155 من الدستور، أن يفضي إلى سيطرة تامّة للحكومة المركزية الإسبانية على إقليم كتالونيا، في سياق فرصة سانحة لتوجيه رسائل ضمنية إلى إقليم الباسك خصوصاً، الذي كان ينتظر لحظته، بعد الدعم الذي أبداه كثر في الإقليم، وتحديداً منظمة "إيتا" الانفصالية. وأيضاً ستسمح عملية التفعيل في ترسيخ دور الوحدويين في كتالونيا، والتضحية ببيغدمونت كـ"متهوّر قاد الإقليم لمعركة خاسرة". وسيُضعف الوضع الجديد حكومة كتالونيا في فرض شروطها المادية، أو المطالبة بتوسيع هامش الحكم الذاتي.

أما من جهة بيغديمونت، فإن تراجعه وقبوله، أو اضطراره لقبول معركة انتخابية في كتالونيا، أمر دونه عقبات، لأنه سيؤدي إلى تساوي حظوظه في الخسارة مع حظوظه في الربح، لعجزه عن قيادة منطقته إلى نيل استقلالها التامّ عن إسبانيا، كما وعد. وهزيمة الانفصاليين انتخابياً، ستسمح للاشتراكيين في الإقليم بالبروز، وإنهاء كل فكرة استقلالية لفترة طويلة.



المادة 155 تخدم الاتحاد الأوروبي أيضاً، خصوصاً في سياق أن "ما تفعله مدريد منصوص في الدستور"، وأن الدستور الاسباني موافق لشروط الاتحاد الأوروبي. بالتالي يتمّ تكريس قوة الحكم المركزي في إسبانيا، خصوصاً أن مساندة الاتحاد الأوروبي لمدريد في الأزمة المالية التي ضربت العالم، وانعكست بشكل هائل على اليونان، أمر يُمكن تصريفه في السياسة الاسبانية.

ماريانو راخوي سيخرج منتصراً وفقاً لكل هذه الحسابات، وسيستطيع إبعاد خصوم مفترضين اقتربوا منه في الفترة الأخيرة، تحديداً حزب "بوديموس" بقيادة بابلو إيغليزياس. الوضع الانتخابي لراخوي سيتغير، فهو بات "حارس الوحدة الإسبانية". عنصر آخر سيتمكن من تكريس وجوده في الإطار السياسي الإسباني، هو الملك فيليبي السادس، الذي يكون قد نجح في أول اختبار فعلي يواجهه، كما نجح والده، الملك كارلوس، في تمرير المرحلة الانتقالية بعد وفاة الجنرال فرانشيسكو فرانكو عام 1975 وعودة الحكم الملكي بواجهة ديمقراطية.

ما يمكن أن تؤدي إليه قضية كتالونيا اليوم، هو إطفاء شعلة استقلال القوميات في أوروبا، سواء كورسيكا في فرنسا، أو منطقة لومبارديا الإيطالية، وغيرهما. كما ستكرّس مفهوم "أوروبية" الخيارات المحلية، كاسكتلندا، التي قد يُسمح باستقلالها عن بريطانيا، في حال انضمت إلى الاتحاد الأوروبي، على اعتبار أن الخروج البريطاني أثّر سلباً على الاسكتلنديين. مع ذلك فإن أمام بيغديمونت محاولة أخيرة، عنوانها "إعلان الاستقلال" والرهان على تشرذم الصف المؤيد لمدريد. والوقت ليس امتيازاً يملكه حاكم كتالونيا.



المساهمون