لم تؤثر الأوضاع التي يمرّ بها اليمن على احتفالات البلاد بالذكرى السادسة لثورة 11 فبراير/شباط 2011، بل على العكس من ذلك، فقد شهدت المناسبة احتفاءً رسمياً وشعبياً غير مسبوق، في مشهد عكس إصرار القوى التي تصدّرت الثورة، على مواجهة تحالف الانقلاب الممثل بجماعة أنصار الله (الحوثيين) وحلفائها من الموالين للرئيس علي عبدالله صالح. وفي هذا الصدد شهدت محافظتا مأرب وتعز، وسط وجنوب اليمن، مهرجانين حاشدين أمس السبت، احتفالاً بالذكرى، والتي أعلنتها الحكومة "يوماً وطنياً"، في خطوة هي الأولى من نوعها.
في مهرجان مأرب، والتي تشهد بعض جبهاتها سخونة ميدانية بين الشرعية و"المقاومة" من جهة، في مواجهة الانقلابيين من جهة أخرى، كان حديث المشاركين عن اعتبار "11 فبراير حدثاً مفصلياً في تاريخ البلاد ضد النظام، والذي كان من أسوأ الأنظمة وأعاق تطوير اليمن، وساهم في تدمير البلاد، وأوصلها إلى ما وصلت إليه حالياً". وقد شارك في المهرجان عدد كبير من المسؤولين، على رأسهم نائب رئيس الوزراء، وزير الخدمة المدنية، عبدالعزيز جباري، ورئيس الهيئة العامة للأركان في الجيش اليمني، اللواء محمد علي المقدشي. وقال جباري إن "الشعب اليمني قام بثورة سلمية، ولم يتبقّ سوى أسابيع ونكون في صنعاء". وأضاف "نحتفل اليوم بالذكرى السادسة لثورة فبراير في مأرب البطولة والحضارة والفدى والإنسان التي رفضت الخنوع والركوع للمليشيات".
وجاء إحياء المهرجانين في أبرز المناطق التي تسيطر عليها القوات الموالية للشرعية في ظل احتفاء رسمي غير مسبوق، بذكرى الثورة مع إعلان الحكومة 11 فبراير يوماً وطنياً، وأقرت اليوم الأحد، عطلة رسمية بهذه المناسبة بدلاً عن السبت، والذي هو الأصل، عطلة أسبوعية.
وأكد رئيس الوزراء، أحمد عبيد بن دغر، اعتماد 11 فبراير يوماً وطنياً، برسالة وجّهها إلى الرئيس عبدربه منصور هادي تقدم فيها بالتهاني بهذه المناسبة، وحيّا "المناضلين الذين دفعوا بالبلاد إلى مرحلة من التغيير كانت ضرورة حفاظاً على منجزات ومكتسبات الشعب". وأضاف أن "مرحلة التغيير الثانية بدأت بـ"الحراك السلمي (الجنوبي) في عام 2007 وتعززت في عام 2011 بشباب مصمم على التغيير، واستمرت حتى تحقق التغيير السلمي الأكبر، وذلك في 21 فبراير 2012 بانتخاب الرئيس عبدربه منصور هادي رئيساً للبلاد".
واعتبر أن "الحوثيين استغلوا موكب التغيير الشبابي وتسللوا للعاصمة وعندما حققوا حضوراً على الساحة الوطنية بحثوا عن حلفاء جدد للانقضاض على الجمهورية والوحدة والشرعية الممثلة في فخامتكم، فلم يجدوا غير صالح حليفاً ونصيراً". وتابع قائلاً إننا "أمام مسؤوليات كبرى لمواجهة تحالف الحوثيين وصالح، وإن مسؤولية المجتمع كبيرة إزاء العدوان على الدولة والشرعية والمجتمع، وهي مسؤولية أكبر على شباب التغيير".
من جانبه، اعتبر هادي أن "بقاء نظام صالح كان أخطر من الحرب"، وقال في خطابه بمناسبة ثورة فبراير، إن "الثورة على الظلم مغامرة محمودة، وعندما يدخل الشعب كلياً في مغامرة، متجاهلاً كل احتمالات الفشل والحرب، فإنه يكون قد أيقن أن بقاء نظام صالح وعائلته أسوأ من الحرب ومن كل المخاوف والاحتمالات". وأضاف أن "انقلاب الحوثي وصالح على الشرعية زاد الشعب يقيناً بصواب موقف الثورة السلمية، وكشف للعالم الوجه الحقيقي بقبحه وبشاعته لمن ثار عليه ورفض استمراره في الحكم".
أما في صنعاء، فقد غابت مظاهر الاحتفاء بالثورة تقريباً، مع سيطرة الانقلابيين، على الرغم من أن جماعة أنصار الله (الحوثيين) كانت طرفاً مشاركاً بالثورة، وأحيت فعالياتها الرمزية حتى العام الماضي، لكنها ابتعدت عن ذلك في الذكرى السادسة، فيما بدا تجنباً للحساسية التي تثيرها المناسبة مع حزب المؤتمر المتحالف معها برئاسة صالح، بعد أن دخل التحالف بينهما باتفاق رسمي منذ يوليو/تموز العام الماضي.
الجدير بالذكر أن الثورة اليمنية تصاعدت مع ثورات الربيع العربي في أكثر من دولة، بدءاً بتظاهرات محدودة في صنعاء تطالب صالح بالرحيل، عقب سقوط نظام الرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي، ثم ومع الإطاحة بالرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك في 11 فبراير/شباط 2011، تصاعدت الاحتجاجات على نحو غير مسبوق، وبدأ المحتجون تدشين أول اعتصام مفتوح في تعز، وبعد أشهر طويلة من الثورة السلمية التي لم تخل من مواجهات محدودة بين قوات موالية لصالح وأخرى منشقة، وافق الرئيس المخلوع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، والتي بموجبها نقل السلطة إلى نائبه حينذاك، عبدربه منصور هادي في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011.