المسجد الأقصى: مشاهد ما بعد التخريب الإسرائيلي

19 يوليو 2017
امتلأت الشوارع المحيطة بالأقصى بالمصلين (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
مشاهد الدمار الذي خلّفه الاحتلال الإسرائيلي بعد انسحاب جنوده من داخل المسجد الأقصى وباحاته، ستظل محفورة في ذاكرة عدد من مسؤولي الأوقاف وحراس الأقصى ومواطنين فلسطينيين كانوا نجحوا في الدخول إلى الأقصى عقب إعلان سلطات الاحتلال انسحابها من هناك وإعادة فتحه بشروط مقيّدة جداً، حاولت أن تفرض خلالها على المقدسيين بوابات فحص إلكترونية، رفض المقدسيون المرور عبرها إلى الأقصى للصلاة فيه.

في مكاتب موظفي الأقصى التي تفقّدها مدير عام أوقاف القدس الشيخ عزام الخطيب، بدت آثار التخريب والتدمير الواسعة التي خلّفها الجنود، إذ حطموا أقفال وأبواب خزانات وأدراج مكاتب وعاثوا في غرف الحراس تخريباً، كما طاولت عمليات التخريب لجنة الإعمار وصودر ما فيها من أدوات تُستخدم في الحفر والنحت لتًعرض لاحقاً على وسائل إعلام إسرائيلية وعالمية على أنها "أسلحة وأدوات حادة" أخفاها الفلسطينيون داخل لجنة الإعمار.

ويصف الشيخ الخطيب في حديث لـ"العربي الجديد"، تلك المشاهد بالقول: "لم يبق شيء إلا أحدثوا فيها تخريباً وعبثاً. لم نكن نتوقع مثل هذه الهمجية، ولسنا ندري بعد حجم الخسائر التي تكبدناها، فما نتحدث عنه بعض من بقايا ما تركوه خلفهم من أقفال محطمة يزيد عددها عن ستين قفلاً، قمنا على الفور باستبدالها بأقفال جديدة"، مضيفاً: "ما حدث من عدوان مؤلم وحزين. لقد تصرفوا بوحشية من دون مبرر".

التخريب طاول أيضاً المتحف الإسلامي، ومرافق الحراس والموظفين، ومقر لجنة الزكاة، إضافة إلى العيادة الطبية في ساحات الأقصى التي طاولها العبث والتخريب، قبل أن ينسحب جنود الاحتلال وكأنهم لم يفعلوا شيئاً، وفق الخطيب. ويضيف: "حتى الآبار نزلوا فيها بعد أن حطموا أقفالها، وحين انتهوا من بحثهم وتفتيشهم فيها أغلقوا بواباتها الحديد بمرابط بلاستيكية، وفي الواقع لا ندري ماذا فعلوا في الآبار؟ ولماذا هبطوا إليها"؟ ويتابع: "كما أن التحري والكشف جارٍ لمعرفة ما إذا كانوا وضعوا أجهزة تنصت أو كاميرات مراقبة سواء داخل المساجد الثلاثة: القبلي والمرواني والصخرة المشرفة في المسجد الأقصى، وقد شكّلنا لجنة من الخبراء لتقييم الأضرار والقيام بعمليات الفحص اللازمة لكل ما جرى".


المشاهد بالنسبة للقيادي في حركة "فتح" ناصر قوس، الذي يقطن قرب باب المجلس، أحد أبواب المسجد الأقصى، هي ذاتها التي صعقت رجال الوقف الذين رافقهم قوس في جولتهم التفقدية الأحد الماضي، في يوم إعادة فتح أبواب الأقصى، بعد يومين على إغلاقه يوم الجمعة، إثر استشهاد ثلاثة شبان فلسطينيين من مدينة أم الفحم بالداخل الفلسطيني المحتل باشتباك مسلح في باحات الأقصى. وشملت الجولة مقر محكمة الاستئناف الشرعية، التي تحتوي على بئر للزيت كان يُستخدم لإضاءة مصابيح المسجد الأقصى، إضافة إلى ضريح القيادي الفلسطيني الراحل فيصل الحسيني، والعيادة الطبية التي تعمل فيها شقيقته زهرة، التي كانت رفضت تسليم مفاتيح العيادة للجنود، فهددوها باقتحامها عنوة، وكان جوابها "فلتفعلوا ما شئتم".

يقول قوس لـ"العربي الجديد" بعد كل ما رأى: "نبشوا المسجد الأقصى جميعه، لم يتركوا مرفقاً إلا ودخلوه وعبثوا بمحتوياته وألحقوا تخريباً فيه. حتى الآبار نزلوا إليها، كما عبثوا بقبور القادة والزعماء المدفونين في ساحة الأقصى". ولم يستبعد قوس أن يكون جنود الاحتلال قد زرعوا كاميرات متطورة داخل المسجد وفي بعض المقرات الهامة. لكنه كان حزيناً لما رآه في ضريح الراحل فيصل الحسيني. كان قوس أبرز مرافقيه على مدى سنوات طويلة وخاض معه معارك التصدي دفاعاً عن القدس والأقصى. ويقول قوس لو كان الحسيني حيّاً، فمن المؤكد أنه سيكون على رأس المتصدّين للاحتلال، ولن يسمح بكل ما حدث.

لكن المحزن جداً في ما جرى في الأقصى، كما يقول حراس هناك سُمح لعدد ضئيل جداً منهم بالدخول، هو استباحة عشرات المستوطنين للمسجد بعد فتحه بحماية قوات الاحتلال ومن دون أن يُسمح للحراس بمتابعتهم كما جرت عليه العادة. يقول أحد مسؤولي الحراسة في الأقصى ويدعى أشرف أبو ارميلة، لـ"العربي الجديد"، إن "المستوطنين استباحوا الأقصى، ونحن بقينا خارج أبوابه معتصمين ونرفض شروط الاحتلال المذلة لدخوله، لكن ما أبلغَنا به حراس ومواطنون أن المستوطنين كانوا يؤدون طقوسهم من دون رقيب أو متابع. وحين غادروا احتفلوا بما سموه تحرير الأقصى من الغرباء، وبعضهم وصف ما جرى وما قامت به قوات الاحتلال بأنه لحظة تاريخية".

على بُعد أمتار قرب باب المجلس، أحد بوابات الأقصى، وفي شارع الواد، كان المشهد ذاته الذي شاهده العالم في باب الأسباط. الشوارع امتلأت بالمصلين، وكذلك الساحات العامة، كان صوت الأذان من داخل المسجد يلقى صداه خارج ساحاته، لتحتشد الجموع وسط حصار مشدد تفرضه سلطات الاحتلال على المصلّين، لتتحول الساحات من حين إلى آخر إلى ساحة للمواجهة أوقعت عشرات المصابين. في حين بدا التكافل الفلسطيني في البلدة القديمة من القدس وخارجها كبيراً مع المعتصمين، إذ تطوع العديد من التجار وحتى العائلات بمد المعتصمين بالماء البارد والسندويشات والعصائر، إضافة إلى الفواكه دعماً وإسناداً لهم في ظل حرارة الجو المرتفعة.

كما كانت الأحياء المقدسية على تخوم الأقصى ترسل مواطنيها للمشاركة في الاعتصامات والصلوات، إذ اندفعت جموع كبيرة من الشبان من أحياء رأس العمود، سلوان، الطور، الصوانة، العيسوية، مخيم شعفاط، جبل المكبر، وصور باهر، بينما كانت عشائر القدس وعائلاتها تنضم إلى المشاركة بفعالية في الاحتجاجات ضد إجراءات الاحتلال بحق الأقصى، ملبية نداء المؤسسات الإسلامية في القدس التي ناشدت المقدسيين وأهل فلسطين عموماً الدفاع عن الأقصى، ورفض إملاءات الاحتلال المذلة بالتفتيش عبر البوابات الإلكترونية.

المساهمون