عدن... بين فشل مشروع "العاصمة المؤقتة" وبروز الانفصال

01 أكتوبر 2017
أصبح في اليمن مصرفان مركزيان (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -

جاءت استقالة محافظ تعز، جنوبي اليمن، علي المعمري، لتسلط الضوء مجدداً، على الوضع الذي تمثله عدن، ثاني أهم المدن اليمنية، والتي أعلنتها الحكومة الشرعية "عاصمة مؤقتة"، معتبرة أن صنعاء "محتلة" من قبل "الانقلابيين". غير أن ما حدث هو أن عدن، التي ترزح تحت وصاية أو سيطرة إماراتية بدرجة أو بأخرى، لم تتحول إلى عاصمة مؤقتة حاضنة لكل اليمنيين، بقدر ما تبدو "الشرعية" غطاءً لـ"عاصمة جنوبية"، لا يمنية مؤقتة.

ولم يجد محافظ تعز المعين من الشرعية، وبعد شهور طويلة من المماطلة والرفض للحصول على رواتب الموظفين الحكوميين في المدينة، سوى الاستقالة يُلقي بها بوجه الشرعية. وكشفت مصادر مقربة من المحافظ، لـ"العربي الجديد"، أن الاستقالة جاءت نتيجة للضغوط التي يتعرض لها محلياً في تعز نتيجة الوعود المتكررة التي يطلقها بتسليم مرتبات الموظفين، وفقاً للتوجيهات الرئاسية والحكومية التي يحملها والتي تصطدم برفض البنك المركزي. ومن أبرز ما حمله بيان/خطاب الاستقالة، في السياق، الإشارة اللافتة إلى "العنصرية"، التي يتعامل بها البنك المركزي اليمني، الذي يفترض أنه المؤسسة المركزية المالية لكل اليمنيين. وقال المعمري إن البنك "يصر بشكل غير مفهوم على عرقلة كل أمر مالي يتعلق بتعز، بالعرقلة وسياسات التطفيش بصورة توحي بالعنصرية". وأضاف أن "الوضع أصبح فوق الاحتمال. منذ ما يقارب العام، لم نستطع استكمال راتب شهر واحد".

وفي الوقت الذي لم يوضح فيه المحافظ المزيد من "العنصرية"، التي واجهها، فإن من الواضح، في السياق، أنه يشير إلى التعامل الشطري المناطقي، من قبل المسؤولين الإداريين في البنك الذين ينتمون إلى المحافظات الجنوبية، مع تعز، بوصفها محافظة "شمالية"، بالتقسيم الذهني السياسي وفقاً لما كان سائداً قبل توحيد البلاد في العام 1990، على الرغم من كون المحافظة أقرب إلى عدن منها إلى صنعاء، من ناحية العديد من الخصائص الاجتماعية والسياسية. ويسلط التصريح الأضواء مجدداً نحو طريقة تعامل البنك المركزي اليمني مع الملف المالي، بعد أن بذلت الحكومة الشرعية والتحالف، بقيادة السعودية، العام الماضي، جهوداً كبيرة لنقله من صنعاء إلى عدن، وهي الخطوة التي ساهمت بانتقال البلاد إلى حافة المجاعة، حين انقطعت مرتبات ما يزيد عن مليون موظف يمني على امتداد البلاد وفي مناطق سيطرة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) التي لا تزال أزمة المرتبات تعصف بها حتى اليوم، على الرغم من تعهدات الشرعية بتسليم مرتبات الموظفين في جميع أنحاء البلاد، بما فيها مناطق سيطرة الحوثيين. وتتباين آراء اليمنيين إزاء البنك المركزي في عدن، بين من يدعم "المبررات" التي يقدمها البنك بتسليم الواردات إليه، كشرط لصرف المرتبات، وبين من يرى أن السياسة تعكس في الواقع، التوجه نحو ترسيخ التقسيم في البلاد، بين شمال وجنوب على الأقل، وهو الأمر الذي بات متجسداً، باحتفاظ الحوثيين بوجود للبنك المركزي في صنعاء، بعد أن أصبح مركزه الرئيسي في عدن منذ عام، ما يعني أن البلاد صارت بين مصرفين وعاصمتين وحكومتين، مع الفارق أن البنك والحكومة في عدن معترف بهما دولياً.


وفي السياق، يثير التطور المتعلق بالبنك، تساؤلات كثيرة، حول وضع عدن عموماً، بعد أكثر من عامين ونصف العام على تدخل التحالف، بقيادة السعودية والإمارات. فالمدينة التي وُصفت بـ"العاصمة المؤقتة"، وجرى الإعلان عن "تحريرها" من الحوثيين في يوليو/تموز 2015، لم تصبح "عاصمة مؤقتة" حتى اليوم، إذ تعرض المواطنون الذين يتحدرون من المحافظات الشمالية إلى مضايقات، في وقت لا يجد آخرون منها "عاصمة" فعلية لليمن، بقدر كونها مركزاً للمحافظات الجنوبية طبقاً للتقسيم السائد قبل توحيد البلاد في العام 1990. ولا تبرز المشكلة مع المتحدرين من الشمال فقط. فقد كان من المفترض أن يعود الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، والحكومة الشرعية، إلى عدن لممارسة مهامهما في "العاصمة المؤقتة"، إلا أنه وعلى الرغم من العودة الشكلية للحكومة أو هادي، في فترات متقطعة، لا يزال الأخير وأبرز المسؤولين يقيمون في الرياض، بعد أكثر من عامين على الإعلان عن تحرير ثاني أهم مدن البلاد. وفي الواقع، تقبع عدن بين وصاية أو سيطرة إماراتية، تجعل من أبو ظبي مصدر القرار الأول، بوصفها الدولة التي تصدرت واجهة عمليات التحالف وحضوره في جنوب وشرق اليمن، وتُتهم بممارسات وسياسات جعلت من نفسها "السلطة" العليا على حساب الشرعية من جهة، ودعمت سيطرة تيارات الحراك الجنوبي، الداعية إلى الانفصال، من جهة أخرى. وبين كل ذلك، يتحكم بعدن، الإماراتيون وحلفاؤهم الجنوبيون، من مليشيات وأطراف محلية، إلى جانب النفوذ الذي تمثله الشرعية والقوات الموالية لها في المدينة، على نحو يجعل منها مركزاً للجنوب قبل أن تكون "عاصمة مؤقتة لليمن".

ومن زاوية أخرى، تثير التطورات الأخيرة التساؤلات، حول طبيعة المؤسسات التي شرع التحالف بدعمها في عدن، على غرار نقل مقر البنك المركزي اليمني، وبناء مقار للوزارات والمؤسسات الحكومية وصولاً إلى المنشآت التي تتمتع بطابع سيادي، كافتتاح "كلية عسكرية"، وغير ذلك من الخطوات التي تقول الشرعية إنها في سياق "العاصمة المؤقتة" لليمن، لكنها بنظر متحفظين، تبدو كما لو أنها تؤسس لبنية تحتية للانفصال، بغطاء "الشرعية" التي تواجه العديد من التحديات، وقد يتم الانقلاب عليها لاحقاً، الأمر الذي كانت مؤشراته بدأت مع تأسيس ما سُمي بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" في عدن، في مايو/أيار الماضي، قبل أن يتم تجميد أنشطته نسبياً في وقت لاحق. وتبقى الحكومة الشرعية والتحالف أبرز المعنيين بإثبات أن عدن "عاصمة مؤقتة" للبلاد، وليس لـ"الجنوب" فقط.