العراق: حكومة عبد المهدي قد لا تكتمل الثلاثاء

02 نوفمبر 2018
يعمل عبد المهدي لإيجاد تسوية بين القوى المختلفة(مرتضى سوداني/الأناضول)
+ الخط -

توحي الأجواء والتسريبات وترجيحات أعضاء في البرلمان العراقي ورؤساء أحزاب ومسؤولين سياسيين، بأن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، قد لا يتمكن من إكمال ما تبقّى من تشكيلته الوزارية الجديدة التي أنهى منها 14 وزارة حتى الآن، خلال الأسبوع المقبل والذي يشهد جلسة للبرلمان يوم الثلاثاء، بسبب الخلافات الحادة بين القوى السياسية على مرشحي الوزارات المتبقية وعددها ثمانٍ، وهي الدفاع والداخلية والعدل والثقافة والتربية والتعليم العالي والهجرة والتخطيط.

وتتصارع القوى السياسية الفائزة بالانتخابات للحصول على ما تستطيع من مناصب، إذ لم تتفق الأحزاب السنّية، وأبرزها "المحور الوطني" و"ائتلاف الوطنية"، على مرشح لوزارة الدفاع، فيما تتمسك كتلة "عطاء" بمرشحها لوزارة الداخلية وهو رئيس هيئة "الحشد الشعبي" فالح الفياض، القريب من إيران والنظام السوري. كما يسعى الأكراد للظفر بوزارة الهجرة، ومليشيا "العصائب" للحصول على وزارة الثقافة، فيما فشلت مساعي حزب "الفضيلة" في الحصول على وزارة العدل، الأمر الذي أغضب مرشده الديني المرجع محمد اليعقوبي، ودفعه لإصدار بيان اتهم فيه بعض الوزراء الجدد بـ"التورط بالفساد وتزوير الشهادات والانتماء لحزب البعث، بالإضافة إلى امتلاك عدد منهم جنسيات أجنبية".

وحتى الآن، لم تفضِ الحوارات الأخيرة بين الأحزاب السياسية وعبد المهدي إلى أي جديد في ما يتعلق بترتيب أسماء الوزراء الجدد للوزارات الشاغرة، فما تزال كتل تحالف "البناء" (معسكر نوري المالكي-هادي العامري) القريب من إيران، تصرّ على اسم الفياض للداخلية، وشقيقة زعيم مليشيا "بابليون" ريان الكلداني، أسماء سالم، لوزارة العدل، وهو ما يرفضه زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، الذي يمثّل عقبة أمام الأحزاب الشيعية والسنّية التي عاودت طريقتها القديمة في تبادل المناصب الحساسة في الحكومة.

ويعمل عبد المهدي على خطة مدعومة من الصدر، لإنهاء ملف الوزارات الشاغرة، باستثناء وزارتي الداخلية والدفاع، التي سيديرها عبد المهدي بنظام الوكالة إلى حين هدوء التنافس بين الكيانات السياسية، وضمن فترة زمنية لا تتجاوز الثلاثة أشهر، بحسب ما كشف مصدر مقرب من مكتب عبد المهدي، لـ"العربي الجديد". وأوضح المصدر أن رئيس الحكومة "يبحث حالياً عن إكمال حكومته، ويعمل على إيجاد تسوية بين تحالف سائرون التابع للصدر، وائتلاف دولة القانون الذي يرأسه نوري المالكي، لتسمية أشخاص يوافق عليهما الطرفان وإنهاء أزمة الحكومة"، لافتاً إلى أن "هناك خلافات حادة بين سائرون ودولة القانون، وهي السبب الذي أدى إلى فشل تمرير التشكيلة الوزارية التي عرضها عبد المهدي، خلال جلسة البرلمان الماضية".

وأضاف المصدر أن "رئيس الوزراء يعرف حجم سائرون كقاعدة شعبية وبرلمانية، كونها الرابح الأكبر في الانتخابات الماضية، بالإضافة إلى ثقل دولة القانون ضمن تحالف الفتح، وهو يحاول إمساك العصا من الوسط، فما يزال حزب المالكي يؤيد فكرة التكنوقراط الحزبي، وهذه الفكرة تعني أن الأحزاب تمتلك الخبرات داخل تنظيماتها الحزبية، ويمكن لعبد المهدي الاستفادة منها، وهو ما يرفضه الصدر"، مشيراً إلى أن "عبد المهدي يعمل على خلق اتفاق بين سائرون ودولة القانون، والوصول إلى معالجة لمطالب الفتح بمنصب وزارة الداخلية، بالإضافة إلى حل أزمة وزارة الهجرة والمهجرين التي ينادي بها المكوّن الكردي".

ولفت إلى أن "الانتقادات الجديدة التي تطاول وزراء حكومة عبد المهدي، تمثّل عقبة لم تكن متوقعة، لا سيما أن الداعمين الأول لعبد المهدي وهم نواب سائرون دخلوا على خط الانتقاد، فهؤلاء النواب باتوا ينتقدون بعض الوزراء الذين صوّت البرلمان لصالحهم، لدرجة أنهم فاتحوا هيئة المساءلة والعدالة والنزاهة بشأن معرفة حقيقة انتماء بعضهم لتنظيمات إرهابية وتورطهم بعقود استثمارية فاسدة، ويتحكمون في الوقت نفسه بملف اختيار الوزراء الجدد". وأكد أن "عبد المهدي متمسك بوزرائه الذين باشروا أعمالهم، وسيعمل على إنهاء الوزارات الباقية، من دون الوزارتين الأمنيتين (الداخلية والدفاع)، لأنه سيديرهما لمدة ثلاثة أشهر بنظام الوكالة، حتى تتوصل الأحزاب السياسية إلى قرار يرضيها وتتفق على مرشحَين عسكريين، أحدهما من الشيعة والآخر من السنّة".


من جهته، رأى عضو "ائتلاف دولة القانون" سعد المطلبي، أن "التواصل بين الأحزاب السياسية وعبد المهدي بات قليلاً، لا سيما مع شعور بعض الأحزاب بعدم إمكانية التأثير على رئيس الوزراء الجديد"، موضحاً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الحرية التي أعطيت لعبد المهدي بشأن اختيار الوزراء، تتوقف مع إرادة الكتلتين الكبيرتين في البرلمان، سائرون والفتح، اللتين تقرران وعبد المهدي يأخذ بنظر الاعتبار قرارات هذه الكتل". ولفت إلى أن "هناك تفاوتاً بين فاعلية الحوار بين عبد المهدي والأحزاب من جهة، وعبد المهدي وسائرون والفتح من جهة أخرى، وما تزال الأمور غير واضحة، وهناك تكتم على المعطيات الجديدة وما تفرزه الحوارات السياسية، ويبدو أن عبد المهدي سيدير الوزارات الأمنية، وقد يستغل هذا التوجّه لا سيما مع دعم الصدر لهذا الأمر".

ولا يختلف سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، وعضو تحالف "سائرون"، رائد فهمي، مع طرح المطلبي، في احتمالية إدارة عبد المهدي للوزارتين الأمنيتين إلى حين توافق القوى السياسية بشأنهما. وقال فهمي لـ"العربي الجديد": "لا توجد تأكيدات على حسم ملف الوزارات الشاغرة كلها، إنما بعضها سيتم العمل على إنهاء الأسماء لأجلها وسينتهي الأمر حتى السادس من الشهر الحالي، لا سيما أن عبد المهدي خرج من تحدي التوقيتات الزمنية الذي لم يعد حاكماً عليه، إنما الحاكم الآن هو البعد السياسي والقانوني"، موضحاً أن "الوزراء الجدد لا بد أن يكونوا على قدر التصدي للمهمات الكبيرة المستقبلية، وعبد المهدي يسعى للتعامل بتأنٍ، لعدم وجود مانع قانوني يلزمه بإكمال وزاراته خلال المرحلة المقبلة".

وأشار فهمي إلى أن "منطق الأحزاب المتمسكة بالوزارات والحصص يصطدم مع قرارات محاربة المحاصصة التي يعمل عليها عبد المهدي". وعن تمسك كتلة "عطاء" بمنصب وزير الداخلية، و"ائتلاف الوطنية" بأياد علاوي لوزارة الدفاع، قال فهمي: "نحن ندعم عبد المهدي بإبعاد الطائفيين والوجوه القديمة، ولهذا السبب أعطيناه الحرية، والوزارات الأمنية لا بد أن تُسلّم لعناصر مهنية بحكم أنها وزارات أمنية، بعيداً عن الاصطفافات السياسية والحزبية".

من جهته، رأى المحلل السياسي العراقي محمد الشريفي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن عمل عبد المهدي "لم يظهر بصورة واضحة حتى الآن، لكن بعض القرارات التي اتخذها من خلال تعيين مدير لمكتبه وإعطائه وكالات، قوبلت بالكثير من الملاحظات والتحفّظات السياسية والشعبية، ولكن بصورة عامة عمله لم يظهر إلى الآن، ولا يوجد أي تغيير في نهج الحكومة، فهي ما زالت جديدة"، مشيراً إلى أن "عبد المهدي يراقب كل ما يصدر من انتقادات له ولحكومته ووزرائه الجدد، لكن هناك وزراء فُرضوا عليه، ولا يستطيع تغييرهم، على الأقل خلال فترة الأشهر الأولى من عمر الحكومة".

ولفت إلى أن "عبد المهدي سيقدّم تكملة تشكيلته الوزارية خلال جلسة البرلمان المقبلة، والمعرقل الوحيد لتمرير أسماء الوزراء هو تحالف الصدر (سائرون)، الذي لديه اعتراضات كثيرة على الفياض للداخلية، وعلى مرشح وزارة الثقافة ومرشح دولة القانون للتعليم العالي، ولديه اعتراض أيضاً على مرشحة وزارة العدل، كما أن هناك خلافاً سنّياً على وزارة الدفاع، لكن اعتراض سائرون لن يفرز عدم تمرير الحكومة الجديدة".