"الهجمات الداخلية" تهدد العلاقة الأمنية بين أفغانستان والقوات الدولية

06 نوفمبر 2018
مخاوف من عرقلة العمليات المشتركة (وكيل كوشار/فرانس برس)
+ الخط -

بدأت "الهجمات الداخلية" في أفغانستان تأخذ منحىً خطيراً في الآونة الأخيرة، إذ باتت تُنفذ بدقة متناهية، وبعضها يستهدف مسؤولين في الحكومة الأفغانية وفي القوات الأميركية والدولية، علاوة على امتدادها إلى مناطق الشمال بعد أن كانت بمعظمها تقتصر على الجنوب. هذه الهجمات بدأت في عام 2008 قبل أن ترتفع وتيرتها في السنوات الأخيرة، وتؤدي إلى مقتل 151 وإصابة أكثر من 200 آخرين من القوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي حتى الآن، ولكنها أصبحت تثير في صورتها الأخيرة قلقاً في صفوف القوات الأميركية ومسؤولي الحكومة الأفغانية على حد سواء، وسط مخاوف من أن تؤدي لعرقلة التنسيق وفقدان الثقة بين الطرفين، وهو ما برزت أولى مؤشراته في الأيام الأخيرة.

وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وقعت ثلاث هجمات داخلية، اثنتان منها تبنّتهما حركة "طالبان"، فيما اكتفت بالقول إن منفذ الهجوم الثالث "بطل أفغاني وشهيد لأجل الدفاع عن المقدسات"، مطالبة جميع جنود الأفغان بتصويب بنادقهم صوب من وصفته بـ"العدو المحتل"، ما يشير إلى أن الهجوم الثالث الذي وقع في مطار حامد كرزاي الدولي، في قلب العاصمة الأفغانية كابول، السبت الماضي، كان عملاً أحادياً من قِبل جندي أفغاني.

في البداية وضعت القوات الأميركية هجوم كابول ضمن سلسلة الهجمات الداخلية العادية، كما تحدثت عنه وسائل إعلام أفغانية وأميركية في السياق نفسه، لافتة إلى خطورة استمرار الهجمات التي يستهدف فيها الأفغان مدربيهم الأميركيين ليجعلوا أنفسهم أبطالاً في عيون "طالبان". لكن في اليوم التالي للهجوم، أي الأحد، تبيّن أن الجندي الأميركي القتيل لم يكن جندياً عادياً، بل كان أحد المستشارين الأميركيين، وهو شغل سابقاً منصب عمدة مدينة أوغدن الشمالية في ولاية يوتا. وكتبت صحيفة "ذا سولت لايك تريبيون" (the salt lake tribune) تحت عنوان "يوتا تحزن على فقدان بطل حقيقي"، أن عمدة أوغدن الشمالية السابق، برينت تايلر، قُتل السبت الماضي في هجوم داخلي نفذه جندي أفغاني في كابول، موضحة أن "خطة تايلر كانت أن يعود إلى أسرته بعد سنة من العمل في أفغانستان". وذكرت الصحيفة الأميركية أن تايلر كان عضواً مهماً في الفريق الاستشاري الذي يتولى تدريب القوات الخاصة الأفغانية (كوماندوس).

واستبعد المحلل الأمني الأفغاني محمد إسماعيل، أن يكون قتل المستشار الأميركي في المطار أمراً حصل فجأة، بل هو مُحضر وفق خطة وبدقة متناهية وكان يستهدف المستشار نفسه، لافتاً إلى أن خطورة الهجمات الداخلية باتت سلسلة متواصلة وتستهدف أشخاصاً مهمين. وأشار إلى أن هجوم قندهار الأخير، الذي نفذه أحد مسلحي "طالبان" بعدما تغلغل في فريق حراسة الحاكم زلمي ويسا كجندي، غيّر الكثير من الأمور، وبدأت القوات الأميركية والدولية تراجع خططها في ما يتعلق بالعلاقات المباشرة مع القوات الأفغانية. وكان هجوم قندهار قد وقع بعد اجتماع مهم لمسؤولين أمنيين أفغان بقائد القوات الدولية في أفغانستان سكوت ميلر، في 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ما أدى إلى مقتل مسؤول أمن قندهار الجنرال عبد الرازق ورئيس الاستخبارات عبد المؤمن حسن خيل، وإصابة العديد من بينهم قائد القوات الأميركية في قندهار الجنرال جيفري سمايلي، وحاكم إقليم قندهار زلمي ويسا.

وأعلنت "طالبان" أن المهاجم أحد عناصرها، واصفة إياه بالبطل. كما تبيّن في ما بعد أنه كان أحد عناصر الجيش، وعند زيارة تفقدية لحاكم الإقليم زلمي ويسا لإحدى قواعد الجيش طلب أن ينضم الشاب إلى فريق حراسته، وخلال أيام محدودة وصلت درجة الاعتماد بين الحاكم وحارسه إلى أنه كان الوحيد الذي يرافقه في كل مكان، وكانت مفاتيح مكتبه معه، الأمر الذي أثار استغراب فريق مكتب الحاكم. كل تلك المعطيات تشير إلى أن الهجمات الداخلية لا تحدث بشكل مفاجئ، وإنما تنفذ وفق خطة مدروسة وتستغرق فترات طويلة لكي يصل المهاجم إلى الهدف.


ووقع بين هجومي كابول وقندهار، هجوم ثالث الأسبوع الماضي، في إقليم هرات غربي أفغانستان، إذ قام أحد عناصر القوات الأفغانية الخاصة، ويدعى وحيد الله، بقتل جندي أميركي وإصابة آخر. واللافت في هجومي هرات وكابول أن المنفذ هو من القوات الخاصة التي يتم اختيار عناصرها وفق آلية صعبة ودقيقة، كما تقول السلطات الأفغانية، وهي القوات الوحيدة التي تعتمد عليها الحكومة الأفغانية والقوات الأميركية لتوجيه ضربات قاسية لـ"طالبان"، وبالتالي فإن اختراق هذه القوات يُعتبر نجاحاً كبيراً لـ"طالبان"، كما يطرح تساؤلات حول مستقبل المؤسسة العسكرية الأفغانية.

وعلى الرغم من أن نفوذ "طالبان" هو السبب الأبرز وراء هذه الهجمات، لكن عدم إعلان الحركة أن منفذ هجوم كابول ينتمي إليها، يكشف عن أسباب أخرى لحصول هذه الهجمات. وفي هذا السياق، لفت المحلل الأمني محمد إسماعيل، إلى أن هناك العديد من الأسباب غير نفوذ "طالبان"، ففي بعض الأحيان الشعور الأفغاني وتعامل الجنود الأجانب، يدفعان الجندي الأفغاني لقتل الجنود الأميركيين أو الدوليين، وهذا حدث خلال السنوات الماضية.

ومن الأسباب الرئيسية أيضاً، طريقة التعامل القاسية من القوات الأميركية مع الأفغان أثناء العمليات المشتركة، خصوصاً مع النساء والأطفال، ما يؤدي إلى إثارة حفيظة الجنود الأفغان. وفي هذا السياق، قال نصيب شاه، إن ابنه الذي كان سابقاً أحد عناصر القوات الأفغانية الخاصة، كان يتحدث دائماً عن تعامل القوات الأميركية القاسي مع المواطنين الأفغان، وأنه كان يعتزم الإقدام على قتلهم، لكنه تراجع عن الفكرة وهرب من القوات الخاصة مع الأسلحة والعتاد ليصبح أحد قادة "طالبان" الميدانيين في مدينة خوجياني الجبلية شرق البلاد.
واللافت أيضاً أن معظم تلك الهجمات تقع في الجنوب، وإن كانت قد امتدت في الآونة الأخيرة إلى مناطق الشمال، وهذا الأمر يثبت الدافع القبلي، فمن المعروف أن قبائل الجنوب، وغالباً البشتون، عندها حساسية تجاه القوات الأجنبية أكثر من سكان مناطق أخرى.

أما القوات الأميركية والدولية (إيساف)، فتحاول أن تثبت أن غالبية هذه الهجمات لا تنفذها "طالبان" وإنما هي أعمال فردية في مجملها، غير أن ذلك يُظهر فرضية خطيرة أخرى هي أن الجنود الأفغان بطبيعتهم يرفضون تواجد القوات الأميركية، أو أن هناك خلافات عميقة بين الطرفين تؤدي إلى الهجمات الداخلية، ما قد يتسبّب بعرقلة عملية التدريب والاستشارة التي تقوم بها القوات الدولية حالياً.

وعلى الرغم من تأكيد القوات الدولية مراراً أن الهجمات الداخلية لن تؤثر أبداً على عملياتها في أفغانستان، إلا أنها أعلنت بعد هجوم قندهار أنها تُقلّص العلاقات المباشرة مع القوات الأفغانية، وبدأت باستخدام وسائل عبر الإنترنت للتواصل مع القوات الأفغانية بدلاً من الاجتماع المباشر بها. وقال المتحدث باسم حلف الأطلسي في أفغانستان، كنوت بيترز، في تصريح صحافي، إن الحلف وللحفاظ على حياة جنوده، اتخذ بعض الخطوات اللازمة. ولم يشرح تلك الخطوات بالتفصيل، غير أنه أكد أن الحلف قرر التواصل مع القوات الأفغانية عن بُعد من خلال شبكة الإنترنت والاتصالات بدلاً من الاجتماعات، مع إصراره على أن العمليات المشتركة بين القوات الأفغانية وقوات الأطلسي متواصلة ولن تتأثر. لكن المحلل الأمني محمد إسماعيل، تساءل كيف يمكن التواصل عن بُعد بدلاً من الاجتماع مع مواصلة العمليات المشتركة في آن واحد، مؤكداً أن الهجمات الداخلية لا محالة تؤثر على العمليات المشتركة وعملية التدريب.

المساهمون