سباق التحالفات الانتخابية بتركيا ينطلق: "العدالة والتنمية" والحركة القومية" نحو ائتلاف موسع
وحافظت التعديلات على العتبة البرلمانية لدخول كل حزب إلى البرلمان بنسبة عشرة بالمائة من الأصوات، والتي تعد واحدة من أعلى العتبات البرلمانية في أوروبا، ولكن التعديلات خفضت منها، بشكل غير مباشر، عبر السماح للأحزاب بتكوين ائتلاف انتخابي ستنطبق عليه العتبة البرلمانية ذاتها، بحيث إذا تجاوز الائتلاف عتبة العشرة بالمائة فإن هذا سيعني دخول جميع الأحزاب المتواجدة فيه، بشكل آلي، إلى البرلمان، على أن يتم توزيع المقاعد بينها بحسب تعداد الأصوات التي حصل عليها كل حزب.
وجاءت هذه التعديلات في الوقت الذي نجح حزب "العدالة والتنمية"، بالتعاون مع "الحركة القومية" في إحداث تحول جذري في الحياة السياسية الداخلية في تركيا خلال العام الأخير، وذلك بتمرير التعديلات الدستورية الخاصة بالتحول نحو النظام الرئاسي، ومن ثم النجاح في الدفع نحو سياسة الكتل البرلمانية بدل سياسة الأحزاب، عبر النجاح في تكوين ائتلاف بين الحزبين تحت اسم "الائتلاف الجمهوري"، مازال مفتوحا لمشاركة باقي أحزاب اليمين التركي، كحزب "الوحدة الكبرى" ( المنشق عن "الحركة القومية" في عام 1993)، أو حزب "السعادة" الذي انشق عنه مؤسسو حزب "العدالة والتنمية".
وتشمل حزمة التعديلات القانونية التي قدمها الحزبان 26 مادة، تشمل تعديلات على قانون انتخاب النواب، وقانون الأحزاب، وكذلك عدد من البنود التي تتعلق بإجراءات مواءمة القوانين التركية مع نظام الحكم الرئاسي، الذي سيدخل حيز التنفيذ بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستنعقد في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام المقبل.
وبحسب التعديلات، فإن ورقة الاقتراع ستحافظ على شعارات الأحزاب المختلفة، بينما سيتم وضع الأحزاب المشاركة في ائتلافات قرب بعضها، ووضع اسم الائتلاف فوقها، وكذلك سيمنح القانون الهيئة العليا للانتخابات صلاحية نقل بعض صناديق الاقتراع لأسباب أمنية بناء على طلب الوالي أو مدير اللجنة الانتخابية في المنطقة، وكذلك بات بإمكان اللجنة تأسيس فكرة الصناديق المتنقلة لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة والعجزة من غير القادرين على التوجه إلى مراكز الاقتراع، وتم أيضا تخفيض سن الترشح إلى 18 عاما، إضافة إلى إصلاح بعض التفاصيل المتعلقة باللجان الانتخابية.
ورغم أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن حزب "الحركة القومية" بدأ باستعادة شعبيته بعد الانشقاقات التي تعرض لها إثر التحالف مع "العدالة والتنمية"، إلا أن التعديلات القانونية الجديدة ستكون الورقة الرابحة التي ستضمن للحركة دخول البرلمان حتى في حال عدم تجاوزه العتبة البرلمانية عبر "التحالف الجمهوري" مع "العدالة والتنمية"، كما أن إبقاء الأحزاب مستقلة على ورقة الاقتراع رغم وجودها في ائتلاف مشترك سيؤمن الاستقلالية، وبالذات سيؤمن ذلك لـ"العدالة والتنمية" المسافة الكافية للابتعاد عن "الحركة القومية" والحفاظ على ناخبيه الأكراد.
رغم المكاسب القريبة للحزبين، لكن هذه التعديلات ستفتح المجال أمام وجود عدد أكبر من الأحزاب التركية في البرلمان، عبر السماح لها بإجراء تحالفات تسمح لها بتجاوز العتبة البرلمانية، التي لطالما حرمت الكثير من الأحزاب من دخول البرلمان والحصول على التمويل لبرامجها من قبل الدولة التركية.
في غضون ذلك، يستمر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في محاولاته لتوسيع "التحالف الجمهوري" وتحويله إلى جبهة يمينية عريضة تضم مختلف أحزاب اليمين التركية، حيث أجرى لقاءات مع زعيم حزب "السعادة"، تمل كرمان أوغلو، بحثا خلالها انضمام الحزب إلى الائتلاف، ولكنه لم يبدِ حماسا لذلك، الأمر الذي قد يتغير بعد تأكيد زعيم حزب "الوحدة الكبرى"، مصطفى دستيجي، على أن عملية انضمام الحزب للائتلاف تسير في الاتجاه الصحيح، بعد اللقاء الذي عقده مع الرئيس التركي الإثنين الماضي.
ويأتي هذا في الوقت الذي يبدو أن "الائتلاف الجمهوري"، في حال تمكن من ضم كل من حزب "السعادة" و"الوحدة الكبرى"، سيضع حزب "الشعب الجمهوري" ( أكبر أحزاب المعارضة) في مأزق سياسي، وذلك لصعوبة إقناع مساندي الأخير بأي ائتلاف مع حزب "الشعوب الديمقراطي" ( الجناح السوري لـ"العمال الكردستاني").
وفي سياق متصل، أشارت استطلاعات الرأي إلى أن "الحزب الجيد" الحديث النشأة برئاسة ميرال أكشنر مازال يجذب الأصوات من مؤيدي "الشعب الجمهوري"، مما يجعل إمكانية التحالف بين الاثنين، على المدى القريب، غير ممكنة.
ولن يتم التصويت في الجمعية العمومية على التعديلات القانونية الجديدة قبيل الموافقة عليها في رئاسة البرلمان، ومن ثم مناقشتها في الجمعية العمومية، وإن كان تمريرها تحصيل حاصل، بسبب الغالبية البرلمانية التي يتمتع بها كل من "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" معا.
يذكر أن تخفيض العتبة البرلمانية لسبعة أو إلى خمسة بالمائة كان واحدا من مطالب الأحزاب التركية خلال عقود، بعد أن كانت هذه العتبة قد وضعت من قبل انقلابيي 1980، في سبيل منع الإسلاميين والأجنحة السياسية لـ"العمال الكردستاني" من الدخول إلى البرلمان والحصول على تمويل من قبل الدولة التركية.