هل تغيّر إسرائيل سياساتها تجاه غزة بعد الاثنين الأسود؟

17 مايو 2018
يرفض الاحتلال الاستجابة لمطالب متظاهري غزة (جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من سقوط عشرات الشهداء ومئات الجرحى من الفلسطينيين برصاص جيش الاحتلال، يوم الإثنين الماضي، على الحدود الشرقية لقطاع غزة، فإنه لا يوجد ما يدل على أن نهاية الجولة الحالية للمواجهة بين غزة وإسرائيل تلوح في الأفق. فقد أعلن منظّمو مسيرات العودة، مدعومين بمواقف مساندة من الفصائل الفلسطينية، تحديداً حركة "حماس"، مواصلتهم نشاطات الحراك حتى تحقيق أهدافه، لا سيما رفع الحصار عن القطاع. في المقابل، أوضح الاحتلال أنه ليس وراداً لديه الاستجابة لمطالب الحراك، بزعم أن مثل هذه الخطوة تعزز موقف ومكانة حركة "حماس". وأكد كبار المسؤولين الإسرائيليين أن جيش الاحتلال سيواصل إجراءاته العسكرية الهادفة إلى منع المتظاهرين من الوصول إلى الجدار الحدودي.

وإن كانت هناك مسوغات تغري تل أبيب بالتمسك بموقفها هذا، إلا أنه في المقابل، هناك محاذير قد تدفع الاحتلال لإعادة تقييم السياسات المتّبعة تجاه قطاع غزة بشكل جذري. فنجاح الجيش الإسرائيلي في منع المتظاهرين من اجتياز الحدود على نطاق واسع، شكّل مبرراً لمواصلة المستوى السياسي الحاكم في تل أبيب الرهان على خيار القوة العسكرية، على اعتبار أن هذا التعاطي يحول دون اضطرار تل أبيب لدفع ثمن الكلفة السياسية لأي قرار بتغيير نمط السياسة المتّبعة تجاه القطاع.

إلى جانب ذلك، فإن نُخب اليمين الحاكمة في تل أبيب ترى في التشبّث بالخيار العسكري وعدم إبداء استعداد للاستجابة للمطالب الفلسطينية، أداة لتحسين مكانتها الداخلية، إذ إن الأحزاب والحركات المشاركة في الائتلاف الإسرائيلي الحاكم تعي أن الجمهور الإسرائيلي أبدى حماسة للقمع الذي مارسه الجيش ضد المتظاهرين. في الوقت ذاته، فإن الغطاء الذي توفره الولايات المتحدة للاحتلال دولياً، قلّص من الثمن السياسي الذي كان يمكن أن تدفعه إسرائيل مقابل ما ارتكبه جيشها من انتهاك واضح للقانون الدولي في مواجهة المتظاهرين.

كما أن البيئة الإقليمية سمحت لإسرائيل بمواصلة التشبّث بالخيار العسكري لمواجهة حراك العودة، من دون أن تخشى دفع ثمن باهظ. فما صدر عن الحكومات العربية إزاء ما أقدمت عليه إسرائيل من عمليات قتل ليس فقط لم يؤثر على نمط العلاقة الحالي بين تل أبيب وهذه الحكومات، بل إن بعض أنظمة الحكم تطوّعت لمساعدة الاحتلال في احتواء حراك العودة من خلال الضغط على حركة "حماس"، كما فعل نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.


لكن في مواجهة العوامل التي تغري إسرائيل بمواصلة التشبّث برفضها التعاطي مع مطالب حراك العودة المتعلقة برفع الحصار، فإن هناك عوامل مضادة يمكن أن تدفع إسرائيل لتغيير مواقفها. فبخلاف ما يدعيه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من أن "حماس" تقف وراء حراك العودة خدمة لأهدافها، فإن وزراء وازنين في حكومته قد طالبوا، وقبل اندلاع هذا الحراك، بتغيير سياسة الحصار المتّبعة ضد غزة، على اعتبار أن هذه السياسة تضر بمصالح إسرائيل ذاتها. وكما كشفت الصحافية الإسرائيلية نوا لانداو، على حسابها على "تويتر"، يوم الخميس، فقد عقد المجلس الوزاري المصغّر لشؤون الأمن على مدى العامين الماضيين عدداً كبيراً من الاجتماعات بهدف مناقشة إحداث تغيير على الواقع الاقتصادي والإنساني في قطاع غزة، على اعتبار أن هذا ينسجم مع مصالح إسرائيل الاستراتيجية. وسبق لوزير الاستخبارات والمواصلات الليكودي، يسرائيل كاتس، أن كشف عن أن جميع أعضاء المجلس الوزاري المصغّر لشؤون الأمن، باستثناء وزير الأمن أفيغدور ليبرمان ونتنياهو، يؤيدون الخطة التي قدّمها والتي تدعو لتدشين ميناء ومطار عائمين قبالة سواحل غزة وإحداث تحوّل جذري على الواقع الاقتصادي هناك، على اعتبار أن الأدوات العسكرية في التعاطي مع غزة لن تخدم المصالح الإسرائيلية على المدى البعيد.

من جهة ثانية، فإن إسرائيل تعي أن تواصل حراك العودة يحمل في طياته تحديات أمنية كبيرة جداً. فحدود القطاع مع إسرائيل التي تُعد الحدود الأقصر لإسرائيل مع أي كيان آخر، تستوعب حالياً نصف قوات المشاة العاملة في الجيش الإسرائيلي. إلى جانب ذلك، فإن مراكز التقدير الاستراتيجي في تل أبيب تقر بأن هناك حالة انعدام يقين إزاء مستقبل الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، وأن هذه الأوضاع يمكن أن تنفجر في أية لحظة، وهو ما يزيد من كلفة تواصل حراك العودة.

كذلك، وعلى الرغم من الغطاء الأميركي في الساحة الدولية، فإن الاحتلال يعي أن أحداث الإثنين الأسود قد أفضت إلى تراجع واضح في مكانته الدولية. فلم يحدث أن قامت دول بردود فعل دبلوماسية ضد إسرائيل قوية احتجاجاً على سلوكها ضد الفلسطينيين، كما حدث في أعقاب هذه الأحداث. وتخشى إسرائيل أن تفضي ردة الفعل الغاضبة حتى داخل بعض الأوساط الأميركية إلى منح حركة المقاطعة الدولية (BDS) المزيد من الوقود لتعزيز جهودها الهادفة إلى مراكمة الضغوط الدولية لإجبار تل أبيب على تغيير نمط سلوكها تجاه الفلسطينيين.

إلى ذلك، فإن تل أبيب تعي أنه في حال أدرك الفلسطينيون أن حراك العودة قد فشل في تحقيق أهدافه، لا سيما على صعيد رفع الحصار، فهذا يعني بدء العد التنازلي لمواجهة جديدة مع غزة. صحيح أن ميل موازين القوى يسمح لإسرائيل بخوض غمار هذه الحرب، لكن صنّاع القرار في تل أبيب يعون، في الوقت ذاته، أنه لا يوجد هدف استراتيجي يمكن تحقيقه في نهاية هذه الحرب. بل إن مثل هذه الحرب يمكن أن تدفع إسرائيل للغرق في المستنقع الغزي إلى أمد بعيد؛ فلا يوجد طرف ثالث يمكن أن يتولى زمام الأمور في القطاع بدل حركة "حماس".