اقتراحات أوروبية لاحتواء التصعيد الإيراني

10 يوليو 2019
ترقب في الشارع الإيراني لتطور الأوضاع (فرانس برس)
+ الخط -
في موازاة التصعيد الإيراني المتبادل، والتهديدات الأميركية والإسرائيلية لطهران، بعد تخطي الأخيرة الحد المسموح به لمخزونها من اليورانيوم المخصب وفق الاتفاق النووي، تجري جهود أوروبية تقودها علناً فرنسا لاحتواء التصعيد في الملف النووي عبر مباحثات تشمل الجميع، وإن تصدرتها علناً باريس عبر إرسال إيمانويل بون، المستشار الدبلوماسي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى طهران في زيارة بدأت أمس، الثلاثاء، للقاء مسؤولين إيرانيين سعياً "للتخفيف من حدة التوتر" في هذا الملف. ومن الواضح أن حراك باريس يأتي بالتنسيق مع الأوروبيين والولايات المتحدة، إذ سبق زيارة بون اتصال بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الفرنسي ماكرون ناقش هذا الملف، وسط سعي من كل الأطراف لشراء الوقت منعاً لانهيار الاتفاق النووي. أما إيران وعلى الرغم من تصعيدها الكلامي ضد واشنطن، وتهديدها حتى بتخطي عتبة 20 في المائة (من نسبة التخصيب)، إلا أنها تريد أيضاً التفاوض و"إلا كانت خرجت من الاتفاق النووي"، كما نقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤول إيراني أمس، لم تكشف اسمه.

ووصل إيمانويل بون إلى طهران، أمس الثلاثاء، سعياً لإنقاذ الاتفاق النووي الموقع عام 2015. وأعلنت الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أن بون سيلتقي، صباح اليوم، أمين المجلس علي شمخاني، في وقت أوضحت الرئاسة الفرنسية أن بون يزور طهران "لإيجاد عناصر تساهم في التخفيف من حدة التوتر مع خطوات يجب أن تتخذ فوراً قبل 15 يوليو/ تموز"، من دون مزيد من الإيضاحات. وأعلنت الرئاسة الفرنسية "نحن في مرحلة حرجة للغاية"، وأضافت أن "الإيرانيين يتّخذون إجراءات تنتهك (الاتفاق) إنما مدروسة بدقة". وبعد تخطي الحد المسموح به لمخزونها من اليورانيوم المخصب، عاودت طهران، الإثنين، عمليات التخصيب بنسبة 4.5 في المائة، أي فوق العتبة المنصوص عليها في الاتفاق النووي، مهددة بتجاوز خط أحمر جديد "في مهلة ستين يوماً".

ويبدو أن الأوروبيين يسعون لكسب الوقت من أجل حمل طهران على العودة لاحترام التزاماتها وفق الاتفاق النووي، وذلك عبر إجراء أميركي ولو كان رمزياً. ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤول أوروبي لم تكشف اسمه، تلخيصه الوضع بالقول "نشتري الوقت، وكذلك يفعل الإيرانيون. يجب إعادة إيران إلى الصراط المستقيم، لقاء إجراء أميركي رمزي". ولفت إلى أنه "عملياً، ثمة مباحثات تجري بين الجميع" من دون أن يورد المزيد من التوضيحات.

ويأمل الأوروبيون في إقناع طهران بالعودة إلى الالتزام ببنود الاتفاق لقاء بادرة أميركية حول صادرات النفط الإيراني المحظورة حالياً. ونقلت "فرانس برس" عن مصدر دبلوماسي إشارته إلى أنه سبق لترامب أن منح في الماضي إعفاءات لبعض الدول ولا سيما الصين والهند، وهما تقليدياً من كبار مستوردي النفط الإيراني. كما يمكن للولايات المتحدة، بحسب المصدر، غض الطرف عن الاتجار غير المشروع بالنفط الذي يفلت من العقوبات، لكن المصدر اعتبر أن "الإيرانيين لن يكتفوا على الأرجح بهذا القدر. يريدون بادرة ذات مغزى أكبر".


في المقابل، يبدو أن طهران تلعب لعبة الوقت بهدف فك طوق العقوبات عن اقتصادها وجني المنافع الاقتصادية التي كانت تأمل بها من خلال اتفاق فيينا لقاء الحد من برنامجها النووي. لكن دبلوماسياً فرنسياً قال لـ"فرانس برس" في هذا الصدد إن "الطريق الذي يختارونه (بالحد من التزاماتهم) قد يرغمنا على سلوك طريق لا نريدها". فانتهاكات إيران المتدرجة لالتزاماتها قد تعيد الملف إلى مجلس الأمن الدولي وفق آلية تقود في نهاية المطاف إلى إعادة فرض العقوبات الدولية والأوروبية، ما سيعني سقوط الاتفاق.
لكن الإيرانيين يريدون إبقاء الباب مفتوحاً لإجراء محادثات. وقال دبلوماسي إيراني لـ"فرانس برس": "لو لم نكن نريد التفاوض، لكنا خرجنا من الاتفاق". كما قالت مصادر في باريس للوكالة إن خطر الانتشار النووي لا يزال مضبوطاً في الوقت الحاضر، حتى لو أن إسرائيل التي تتهم إيران بالسعي لامتلاك السلاح الذري تحذر من "تطور خطير جداً".

في غضون ذلك، حضّت الدول الأوروبية المشاركة في الاتفاق النووي ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي طهران على العودة عن خرقها لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي. وجاء في بيان مشترك أن "وزراء خارجية فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والممثلة العليا للاتحاد الأوروبي يعربون عن قلقهم الكبير لمواصلة إيران أنشطة لا تنسجم مع التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة"، وهي التسمية الرسمية للاتفاق النووي.

يأتي هذا فيما تعقد الوكالة الدولية للطاقة الذرية بناء لطلب واشنطن اجتماعاً طارئاً، اليوم الأربعاء، لبحث ما أعلنته إيران أخيراً. وبينما تتصارع الجهود خلف الأبواب المغلقة لحل دبلوماسي يخفف التوتر، يبدو التصعيد قائماً في العلن. وفي سياق مواصلة واشنطن ممارسة سياسة "الضغوط القصوى" على طهران وعلى حلفائها في المنطقة، فرضت، أمس، عقوبات على نائبين في "حزب الله" اللبناني هما محمد رعد وأمين شري، لاتهامهما بـ"استغلال النظام السياسي والمالي" اللبناني لصالح حزبهما وإيران الداعمة له، مستهدفة لأول مرة نواباً من الحزب الذي تصنفه منظمة "إرهابية"، على ما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في بيان. كما استهدفت العقوبات مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا. وحذرت واشنطن الحكومة اللبنانية من أن الحزب يستغل النظام المالي والمؤسساتي اللبناني لتوسيع نشاطاته.

وفي سياق التصعيد، حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إيران من أنها في مرمى الطائرات الحربية الإسرائيلية. وقال نتنياهو في تصريحات، أمس، في قاعدة جوية إسرائيلية: "إيران كانت تهدد في الفترة الأخيرة بتدمير إسرائيل... عليها أن تتذكر أن هذه الطائرات يمكنها الوصول إلى أي مكان في الشرق الأوسط بما في ذلك إيران وبالتأكيد سورية".

في المقابل، تواصل إيران أيضاً رفع نبرتها. وقال رئيس هيئة الأركان العامة الإيرانية، اللواء محمد باقري، أمس الثلاثاء، إن احتجاز بريطانيا لناقلة نفط إيرانية في الرابع من الشهر الحالي جاء انتقاماً من إسقاط بلاده طائرة مسيرة أميركية. وفيما اعتبر الحجج البريطانية لإيقاف الناقلة "اتهامات واهية"، أكد أن "هذه الخطوة المخزية لن تبقى من دون رد وأن الرد عليها سيكون عند الضرورة في الزمان والمكان المناسبين". ولفت إلى أن بلاده "لها اليد العليا" في المواجهة مع الولايات المتحدة، مؤكدا أن "العدو فشل في تحقيق أهدافه وهو احتقر لدرجة لا يعرف كيف يتصرف".
من جهته، اتهم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عبر "تويتر"، مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ"القضاء على اتفاقية باريس عام 2005 بين إيران والدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) من خلال إصرارهما على عدم تخصيب اليورانيوم (في إيران)".