منذ أن بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يُعدّ لحل الحكومة، مع تقديم قانون حل الكنيست، رسم ملامح دعايته الانتخابية في مواجهة خصومه في الساحة الحزبية الإسرائيلية، ليضع احتلال القدس وتكريس الضم القسري لها، ومواصلة البناء الاستيطاني، على رأس دعايته الانتخابية.
وقد خطا نتنياهو، خلال المسابقة السنوية لمعرفة "التوراة" أمس الأول، خطوة إلى الأمام من خلال محاولة العودة إلى شعاره الانتخابي في معركته الأولى عام 1995 مقابل الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز.
فقد تهكّم على تصريحات قطبي التحالف الجديد، رئيس حزب العمل يتسحاق هرتسوغ وزعيمة حزب "هتنوعاه" تسيبي ليفني، عندما أعلن الاثنان مطلع الأسبوع خلال مراسم دينية في باحة حائط البراق، أن القدس المحتلة وحائط البراق سيظلان تحت السيادة الإسرائيلية في كل حل مستقبلي.
وتساءل نتنياهو في إشارته إلى هذه التصريحات "كيف يريد هؤلاء إبقاء القدس تحت السيادة وهم يسعون إلى التنازل عن شرقي القدس؟ هل يريدون أن نصل إلى حائط البراق عبر المدرعات والسيارات المصفحة؟ وهل سيكون حائط البراق (الذي يسميه الإسرائيليون حائط المبكى) جيباً داخل حدود الدولة الفلسطينية؟".
ويحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي استعادة شعار "بيريز سيقسّم القدس" عبر التركيز على أن الثنائي ليفني وهرتسوغ سيقودان إسرائيل إلى دولة فلسطينية مع التنازل عن أجزاء من القدس، على الرغم من تصريحات ليفني وهرتسوغ بإبقاء حائط البراق تحت السيادة الإسرائيلية.
وكان نتنياهو قال في خطابه الأخير قبل حل الكنيست، إنه "بالنسبة لليسار الإسرائيلي فطالما لم تقم بإخلاء مستوطنات ومناطق، فإنك عملياً لم تفعل شيئاً".
ويسعى في المعركة الانتخابية الحالية إلى التركيز بشكل خاص وشبه حصري على قضايا السياسة، والحل الدائم والاستيطان والأمن ومحاربة "الإسلام المتطرف"، خصوصاً بعد أن ساوى بين حركة "حماس" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
في المقابل يحاول خصوم نتنياهو وخصوصاً ليفني وهرتسوغ، والوزير الليكودي السابق موشيه كاحلون، وزعيم حزب "ييش عتيد" يئير لبيد، جرّ المعركة الانتخابية الإسرائيلية الحالية إلى القضايا الاجتماعية والاقتصادية، خصوصاً بعدما أظهر تقرير مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية أن مليوناً وستمائة ألف إسرائيلي يعيشون تحت خط الفقر، بينما أظهر تقرير بديل لجمعية إسرائيلية تدعى "لتيت"، أن عدد فقراء إسرائيل في العام 2013-2014 بلغ مليونين ونصف المليون شخص.
ويسعى اليسار والوسط في إسرائيل، لاستغلال قرار سلطة مكافحة الاحتكار، إلغاء اتفاقية احتكار السيطرة على قطاع الغاز الإسرائيلي من شركتي ديلك الإسرائيلية ونوبيل إنرجي الأميركية، كورقة في وجه البرامج الاقتصادية لنتنياهو، واستعداده في إطار مشروع خصخصة شركات القطاع العام للرضوخ لأصحاب المال على حساب المواطنين في إسرائيل.
لكن نتنياهو الذي لا يُخفي دعايته الرامية لمنافسة اليمين المتطرف، وتحديداً حزب "البيت اليهودي" بقيادة وزير الاقتصاد نفتالي بينيت، يواجه تحدّياً آخر من وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "يسرائيل بيتينو"، الذي أعلن أنه لا يُسقط من خياراته احتمالات السعي للوصول إلى كرسي رئاسة الحكومة، وفي الطريق إلى ذلك، يوجّه ليبرمان، انتقادات شديدة لسياسة نتنياهو الخارجية، ويسعى لطرح نفسه على أنه يمين وسط، يسعى فعلاً إلى حل الدولتين لتفادي حل "الدولة الثنائية القومية" في حال عدم التوصل إلى تسوية مع السلطة الفلسطينية.
ومع أن ليبرمان أعلن في الأسبوع الماضي رداً على اتهامات أقطاب الليكود والبيت اليهودي، أن حزبه هو الذي يمثّل اليمين في إسرائيل أكثر من أي حزب آخر، فإنه فاجأ مستمعيه في جامعة تل أبيب الاثنين، عندما دعا إلى ضرورة التوصل إلى تسوية على أساس مبدأ حل الدولتين، من جهة، والتحذير، وللمرة الأولى من مغبة القطيعة مع الاتحاد الأوروبي.
وقال ليبرمان في لقاء مغلق عقده نادي رجال الأعمال في جامعة تل أبيب، إنه لا يمكن التقليل من خطورة القطيعة مع الاتحاد الأوروبي، معتبراً أن دول الاتحاد تُشكّل السوق الرئيسية لإسرائيل، وبالتالي لا يمكن التنازل عن العلاقة معها، حتى لا يصيب إسرائيل ما أصاب الاقتصاد الروسي بعد المقاطعة الأوروبية لروسيا إثر أحداث شبه جزيرة القرم والأزمة الأوكرانية.
ويُعتبر هذا التحوّل في موقف ليبرمان مؤشراً مفاجئاً، خصوصاً أن الرجل كان حتى قبل وقت قليل من الذين يروجون إلى أنه بالإمكان الاستعاضة عن السوق الأوروبية بأسواق أخرى جديدة خصوصاً في الهند وجنوب شرق آسيا ودول أميركا اللاتينية.
وجاءت التصريحات الجديدة لليبرمان على ما يبدو رداً على كلام نتنياهو ضد أوروبا بعد قرار البرلمان الأوروبي الاعتراف بدولة فلسطين، وقرار محكمة العدل الأوروبية إخراج "حماس" من قائمة الإرهاب، إذ ادعى رئيس الوزراء الإسرائيلي أن أوروبا التي قُتل على أراضيها 6 ملايين يهودي لم تستخلص على ما يبدو العبر من ذلك.