قمة رؤساء الاتحاد المغاربي... حلم تجهضه الخلافات

07 مايو 2018
جاءت دعوات البكوش إلى إمكانية عقد القمة في مناسبتين(الأناضول)
+ الخط -
أعادت الدعوات الأخيرة للأمين العام لـ"اتحاد المغرب العربي"، الطيب البكوش، لعقد القمة الرئاسية بين بلدان منطقة الاتحاد المغاربي الخمسة، إلى الواجهة موضوع هذا الاتحاد الذي يعيش جموداً سياسياً واقتصادياً منذ أمد طويل، بسبب الخلافات السياسية بين عدد من أعضائه، خصوصاً بين المغرب والجزائر، على خلفية نزاع الصحراء. وجاءت دعوات البكوش إلى إمكانية عقد القمة الرئاسيّة المغاربية السابعة لبلدان المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا، في مناسبتين، الأولى عندما التقى في فبراير/ شباط الماضي بفايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، باعتبارها "دولة الرئاسة"، والثانية عند تباحثه قبل أيام مع وزير خارجية ليبيا، محمد الطاهر سيالة، حول إمكانية عقد القمة الرئاسيّة المغاربية السابعة، وذلك على هامش الدورة التاسعة والعشرين لمجلس جامعة الدول العربية التي انعقدت في السعودية.

وكانت فكرة إنشاء الاتحاد المغاربي قد تبلورت في المؤتمر الأول للأحزاب المغاربية الذي عقد في مدينة طنجة المغربية، في إبريل/ نيسان 1958، والذي ضمّ ممثلين عن حزب الاستقلال المغربي، والحزب الدستوري التونسي، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، ثمّ توالت أفكار ومحاولات التكامل بين دول المغرب العربي على مدى سنوات طويلة.

وفي 10 يونيو/ حزيران 1988، اجتمع قادة بلدان المغرب العربي في مدينة زرالدة في الجزائر، ليتم في 17 فبراير/ شباط 1989 الإعلان رسمياً عن قيام "اتحاد المغرب العربي" في مدينة مراكش، مشكلاً من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، وبحضور زعماء هذه البلدان حينها: الملك الحسن الثاني والشاذلي بن جديد، وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي ومعاوية ولد سيدي أحمد الطابع.

وسمي الاتفاق بين زعماء البلدان الخمسة في البداية "اتحاد المغرب العربي"، غير أنه في سنة 2012 تقدّم وزير خارجية المغرب حينها سعد الدين العثماني، وهو رئيس الحكومة الحالية في المغرب، طلباً لتحويل هذا الاسم إلى "الاتحاد المغاربي" بدون "العربي"، مراعاةً للحساسية التي يثيرها الاسم الأول عند الحركات الأمازيغية في بعض بلدان المنطقة، وهو مقترح رحبت به موريتانيا وتونس، ورفضته الجزائر وليبيا حينها.

ووفق قانون "اتحاد المغرب العربي"، فإن القمة الرئاسية تتألّف من رؤساء الدول الأعضاء، وهي أعلى جهاز في الاتحاد، وتكون رئاسة المجلس لمدة سنة بالتناوب بين رؤساء الدول الأعضاء، وترأس ليبيا حالياً المجلس. ولم تعقد أي قمة على مستوى القادة منذ عام 1994 في تونس، فيما تأجلت القمة الرئاسية التي كانت مقررة في الجزائر سنة 2003.


وفي هذا الإطار، قال مصدر مسؤول في الأمانة العامة للاتحاد المغاربي، ومقرها العاصمة المغربية الرباط، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "الأمل في عقد قمة رئاسية لبلدان اتحاد المغرب العربي لا يمكن أن ينطفئ، ويمكن للقمة أن تتحقّق إذا ما توفّرت العزيمة لذلك، إذ يلزم فقط التنسيق بين أجندات قادة البلدان المعنية، ووضع الاختلافات القائمة جانباً والجلوس إلى طاولة واحدة للحوار وتكثيف التعاون"، معتبراً أنّه "من شأن هذه القمة الرئاسية المنشودة لدول الاتحاد الخمس، خصوصاً في فترة رئاسة ليبيا، أن تضطلع بأدوار سياسية واقتصادية حاسمة، تتجاوز الخلافات المندلعة بين بعض أعضاء الاتحاد، لتصل إلى قرارات تعود بالنفع على الشعوب المغاربية، ولا سيما المتعلقة بالمشاريع الاقتصادية التي تم الإعلان عنها من قبل ولم تتحقق بعد، مثل القطار المغاربي السريع، وإنشاء منطقة مغاربية للتبادل الحر...".

حلم عقد قمة رئاسية لبلدان المغرب العربي كان قد داعب بقوة الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي في فبراير 2012، عندما قام بزيارات مكوكية إلى البلدان الخمسة، وقابل زعماءها من أجل هدف واحد هو بعث الحياة في جسد "اتحاد المغرب العربي" المجمّد، إذ اعتبر وقتها أنّ السنة التي تلت الربيع العربي "يتعيّن أن تكون سنة اتحاد المغرب العربي".

ونادى المرزوقي بأن تتمتع شعوب بلدان "الاتحاد المغاربي" بخمس حريات، وهي حرية التنقل والإقامة والعمل والاستثمار والتملك وحق المشاركة في الانتخابات البلدية في الفضاء المغاربي. غير أنّ دعواته وجهوده ذهبت أدراج الرياح، إذ تلقّى وعوداً فضفاضة من هذه البلدان لم تترجم أبداً على أرض الواقع حتى يومنا هذا.

وعلّق الدكتور إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة مراكش، ورئيس منظمة "العمل المغاربي"، على الموضوع بالقول إن "البناء المغاربي هو حلم مشروع ويظلّ قائماً رغم كل الإكراهات والتحديات، فهو خيار استراتيجي يستجيب لرغبة شعوب المنطقة، ومدخل لمواجهة تحديات داخلية وخارجية مشتركة، في زمن تنامى فيه الرهان دولياً على التكتل كخيار مربح".

وأكد لكريني في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك مقومات عدة تدعم هذا التوجه، سواء تعلّق الأمر بالمشترك التاريخي والثقافي والاجتماعي والحضاري، أو بحجم الإشكالات الخطيرة العابرة للحدود التي تواجه دول المنطقة برمتها، فضلاً عن الإمكانات الاقتصادية والطبيعية والبشرية والموقع الجغرافي الحيوي بما يوفّر أرضية خصبة لتكتل واعد في عالم اليوم"، مضيفاً أن "الإكراهات المطروحة حالياً في أبعادها المختلفة والتي تكرّس الجمود، والمرتبطة بغياب إرادة حقيقية لهذا البناء عبر تفضيل القطرية وعدم التحمس لنسج علاقات ملؤها التعاون وفتح الحدود وتنقل الأفراد والبضائع والرساميل، وانخراط البعض في دعم طروحات مسيئة لسيادة دول أخرى داخل الاتحاد، كلها عوامل تجسد الفرقة والشّك وهدر الإمكانات المتوافرة".

واعتبر رئيس منظمة "العمل المغاربي"، التي تضم خبراء وأكاديميين من بلدان المغرب العربي الخمسة، أنّ "عقد قمة مغاربية هو أمر مطلوب، خصوصاً في هذه المرحلة المفصلية التي تمر بها المنطقة العربية بشكل عام"، مبرزاً أن "الكثير من الإشكالات تجعل من أي تحرّك على هذا المستوى، أو الرهان على مخرجات هذه القمة في حال انعقادها، أمراً من دون جدوى". ولفت لكريني إلى أنّ "استحضار المصالح الاستراتيجية للمنطقة برمتها، واستيعاب تحولات المحيطين الإقليمي والدولي، عبر تجاوز المواقف المسيئة، وتنسيق التعاون على مختلف الواجهات وبناء علاقات اقتصادية متينة، تسمح بتشبيك المصالح وتدفع لحل المشاكل العالقة تدريجياً".

وتبرز كلفة اقتصادية وسياسية واجتماعية باهظة بسبب التشرذم بين بلدان الاتحاد المغاربي، خصوصاً بسبب الخلافات الحادة بين المغرب والجزائر بسبب ملف الصحراء، باعتبار أن الجزائر تساند علانية جبهة البوليساريو في مطلب تقرير مصير إقليم الصحراء الذي تعتبره الرباط من جهتها أرضاً مغربية، وتقترح لحل النزاع مع البوليساريو مبدأ الحكم الذاتي الموسّع للصحراء.

وعلى مستوى الأرقام، تفيد تقارير اقتصادية مختلفة بأن كلفة عدم التكتل بين بلدان "الاتحاد المغاربي" تصل إلى خسارة أكثر من 6 مليارات دولار على صعيد المبادلات التجارية، كما يفقد هذا الفضاء المجمد حوالي 3 نقاط من النمو كل سنة، فيما تنحصر مبادلات البلدان الخمسة في نسبة لا تتجاوز 2 بالمائة، رغم أن اقتصادات هذه الدول متنوعة ويمكن أن تشكّل تكاملاً في ما بينها.