أبراج غزة... إسرائيل تكرّر تدميرها في حروبها على القطاع

أبراج غزة... إسرائيل تكرّر تدميرها في حروبها على القطاع

24 أكتوبر 2023
أبراج ومبان سويت بالأرض (محمد الحجار)
+ الخط -

يحرص الغزيون في الوقت الحالي على عدم الاقتراب من الأبراج السكنية، كونها مثل أي مقر حكومي أو مركز شرطة يمكن استهدافها مباشرة من قبل طائرات الاحتلال الإسرائيلي. ودمرت إسرائيل العديد من الأبراج السكنية وأخرى تضم مئات المكاتب والعيادات الطبية والشركات الصغيرة وغيرها. وتعد هذه الأبراج ملاصقة للمنازل بسبب الكثافة السكانية الكبيرة في قطاع غزة. بالتالي، فإن قصفها يؤدي أيضاً إلى تدمير المباني والبيوت الملاصقة بالإضافة إلى الشوارع. 
دُمّر منزل سامح ربيع (57 عاماً) بالكامل بعد استهداف برج الظافر في حي تل الهوا، إذ إن منزله ملاصق للبرج. ولحظة تهديد البرج بصواريخ استطلاع من أجل الإخلاء، استطاع الفرار برفقة أسرته، لينهار البرج بالكامل فوق منزله المكون من طابقين. فراره لم يحل دون إصابته وزوجته في الرأس. يقول إنه كان في منزله 30 فرداً بعدما نزحت شقيقتاه من شمال قطاع غزة إلى بيته. ربيع وشقيقه يعيشان في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكان مقرراً أن يسافرا مع العائلة في 11 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، لكن كل شيء تأجل بسبب إغلاق معبر رفح في ظل الحرب
يقول ربيع لـ"العربي الجديد": "أعيش وأعمل في إمارة الشارقة. لطالما اعتبرت الأبراج جزءاً من جمال وتحضر الدول المتقدمة التي تتنافس لابتكار أجمل التصاميم لها. وكوني مهندساً، صممت عدداً من المباني في دولة الإمارات، ولطالما تمنيت أن أكون قادراً على تصميم أبراج في غزة. لكن ما دام هناك احتلال إسرائيلي، فيمكن أن يدمرها خلال لحظات ويشرد عشرات الأسر من سكان البرج ويقضي على أحلامها".
يقول ربيع إنه عندما بدأ العدوان الحالي، كان على يقين أنه لن يكون مثل أي عدوان سابق، هو الذي عايش عدوان عام 2014 وعلق في غزة أكثر من شهرين ونصف شهر قبل أن يتمكن من العودة إلى الإمارات. منذ بدء الحرب، حاول الانتقال إلى شقة بالإيجار بعيداً عن منطقته المحيطة بالأبراج خشية قصفها، وهو ما حدث.
ويشير ربيع إلى أنه بالنسبة للمخطط العمراني في قطاع غزة، فإن الأبراج تعد أحد الحلول لمواجهة الكثافة السكانية الكبيرة. فمنذ عام 2000، ومع بدء الانتفاضة الثانية، كان يعمل مهندساً في وزارة الاشغال الفلسطينية، وكان هناك عمل على التخطيط لإنشاء أبراج في مدن عدة لمواجهة الكثافة السكانية. إلا أن وجود الاحتلال الإسرائيلي وحصاره جعل من فكرة إقامة الأبراج أمراً مستحيلاً. 
من جهته، يقول رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف إن حوالي 50 في المائة من الوحدات السكنية في قطاع غزة تضررت بسبب القصف. وفي التفاصيل، فإن 165 ألف وحدة سكنية تضررت، وقرابة 20 ألف وحدة سكنية هدمها الاحتلال بشكل كامل أو باتت غير صالحة للسكن، ومنها بنايات كبيرة وحوالي 25 برجاً موجودة في مناطق القطاع الأساسية.  
وصل عماد الزيان إلى مدينة دير البلح، صباح يوم الجمعة الماضي، تاركاً منزله في حي النصر غرب مدينة غزة نتيجة تدمير مبان مجاورة لمنزله. يحاول عماد البحث عن منطقة آمنة ليست فيها أبراج أو مبان شاهقة. نزح في المرة الأولى إلى منطقة أبراج الصالحي في منطقة النصيرات، ثم اضطر إلى مغادرتها في وقت لاحق بسبب استهداف المناطق التي فيها أبراج. استشهدت والدة عماد خلال اليوم السابع من العدوان الإسرائيلي، بالإضافة إلى شقيقته وأبنائها في مخيم جباليا نتيجة إقامتهم في بيت من بيوت المخيم. وفي الوقت الحالي، يحاول البحث عن القليل من الأمان لأبنائه الأربعة، مع الإشارة إلى أن أحدهم من ذوي الإعاقة الحركية. 

يقول عماد لـ"العربي الجديد": "لا أمان في غزة وهذا أمر حتمي. لكننا لا نريد الموت. أريد أن يعيش أبنائي. في الوقت الحالي، نحاول البحث عن أماكن أو بيوت لا تجاور شيئاً في محاولة للحد من الأضرار. الاحتلال يرتكب مجازر وصواريخه تدمر كل شيء". يقيم عماد في منزل مكون من طابقين، ويشير إلى أن قصف الأبراج يرعب الغزيين منذ سنوات. لذلك، عزف كثيرون عن السكن في أبراج وفضلوا الإقامة في بيوت، لا سيما الطوابق السفلية. فالمعادلة مختلفة في قطاع غزة. السكن في الطابق الأول أو الثاني مهم بالنسبة للناس أكثر من الطوابق العالية. وفي بعض المناطق، فإن أسعار الشقق في الطابقين الأول والثاني أغلى من تلك في الطوابق العالية، والتي يفترض أنها كاشفة. 
من جهته، نزح كمال أبو جياب (50 عاماً) من أبراج المخابرات غرب مدينة غزة نحو وسط القطاع قبل 10 أيام من تهديد الأبراج وتدميرها. رأى منزله يدمر بالكامل أمام عينيه وهو عاجز عن الكلام. يقول: "الحمد لله، الحمد لله". نزح كمال برفقة جيرانه إلى مستشفى الشفاء، ثم نقلته شاحنة مع أسرته إلى مخيم النصيرات وسط القطاع.

الصورة
غزة (محمد الحجار)
الأبراج تعد أحد الحلول لمواجهة الكثافة السكانية الكبيرة (محمد الحجار)

وكان كمال قد نزح مع أبنائه للابتعاد عن الأبراج المهددة. وعلى الرغم من أنه قضى سنوات كثيرة من حياته يعيش في الأبراج، منها الكرامة شمالي القطاع، وتل الهوا بحي تل الهوا، وأخيراً أبراج المخابرات، لكنه يعتبرها اليوم خطراً كبيراً لأن الاحتلال يريد هدمها والقضاء على أي طابع حضاري ومتقدم في القطاع. يقول لـ"العربي الجديد": "لو منحوني خيمة في صحراء، أريد الإقامة فيها حالياً حتى تنتهي الحرب. أنجبت ابناً بعد 13 سنة من عدم الإنجاب. أريده أن يرى الحياة. وإن بقي لنا في العمر شيء، فأفضل العيش في منزل من الإسبست (مادة تشبه الزينكو) بدلاً من الأبراج. الاحتلال أباد أبراج غزة في هذا العدوان".
وأعاد الاحتلال الإسرائيلي تدمير برجين كان قد دمرهما في عدوانه السابق. دمر برج الأندلس في حي الكرامة شمال غزة في يناير/ كانون الثاني عام 2009، وأعاد تدميره بالكامل خلال العدوان الحالي. كما دمر برج الظافر "4"، والذي كان قد دمره في أغسطس/ آب عام 2014. وكان قد أعيد افتتاحه عام 2017، وقد انتظر سكانه ثلاث سنوات ريثما يتم الانتهاء من إعادة إعماره. كما دمر برج فلسطين، ويعد من أهم المباني السكنية في قطاع غزة، وأحد أكبر الأبراج السكنية والتجارية، ويتكون من 14 طابقاً، ويضم العديد من المؤسسات الإعلامية والعيادات والشقق السكنية.

وكان طيران الاحتلال الإسرائيلي قد استهدفه من قبل أثناء عدوانه على قطاع غزة في شهر أغسطس/ آب عام 2022، وأدى ذلك إلى تدمير ثمانية شقق سكنية فيه وتضرر عدد من المنازل المجاورة. وفي صيف 2014، دمر أبراجاً مركزية مهمة في قطاع غزة مثل برج الباشا وبرج المجمع الإيطالي. وزاد القلق عندما عاد لتدمير برج وسط شارع الصناعة خلال غارات مستمرة في مايو/ أيار 2019، ثم خلال عدوان عام 2021، دمر برجي الجلاء والشروق. وفي العدوان نفسه، دمرت الطائرات الإسرائيلية أجزاء كبيرة من برج الجوهرة في شارع الجلاء وسط مدينة غزة. ويتكون برج الجوهرة من 9 طوابق، وأدى قصفه إلى أضرار كبيرة في المنشآت القريبة منه، ويضم البرج شققاً سكنية وعدداً من المكاتب.

الصورة
غزة (محمد الحجار)
أعاد الاحتلال تدمير أبراج كان قد قصفها في حروب سابقة (محمد الحجار)

ويقع عدد من الأبراج المستهدفة في مدينة الزهراء التي بنيت في أواخر تسعينيات القرن الماضي على أرض خالية تماماً. وكانت أبنية وشوارع المدينة حديثة نسبياً، وتضم نحو ستين برجاً سكنياً يقطنها حوالي عشرة آلاف نسمة، كما تضم مؤسسات عامة وجامعات ومدارس.
ويعيد ما يحصل حالياً إلى الأذهان السياسة التي اتبعتها المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية منذ عام 2006، والتي تقوم على ضرب البنية التحتية في القطاع وتحقيق أضرار جسيمة على مستوى الأبراج الكبرى والبنايات المرتفعة، وهو ما حصل في حروب أعوام 2009 و2012 و2014 و2018 و2019 و2021 و2022 و2023. 
وبحسب وزارة الصحة في قطاع غزة، استشهد 5791 شخصاً بينهم 2360 طفلاً في غزة من جراء القصف (حتى ظهر أمس الاثنين). ويعاني سكان غزة من وضع إنساني وصحي كارثي، إذ نزح نحو 1.4 مليون نسمة من أصل 2.3 مليون من منازلهم، ومنعت إسرائيل عنهم إمدادات الغذاء والماء والأدوية والكهرباء، في ظل قصف مكثف.

المساهمون