أفغانستان غارقة في الفقر والمرض بعد عام من سيطرة "طالبان" على الحكم

أفغانستان غارقة في الفقر والمرض بعد عام من سيطرة "طالبان" على الحكم

10 اغسطس 2022
في مستشفى "بوست" بمدينة لشكركاه عاصمة إقليم هلمند (ليليان سوانرومفا/فرانس برس)
+ الخط -

تمثّل القاعات المزدحمة في المستشفى المتداعي في منطقة موسى قلعة جنوبي أفغانستان أحد أوجه الأزمة الإنسانية المأساوية التي تعصف بالبلاد، بعد عام على عودة حركة طالبان إلى السلطة. وفي الشهر الماضي، اضطر هذا المستشفى الواقع في إقليم هلمند إلى إقفال أبوابه، مستثنياً فقط الأشخاص الذين يُشتبه في إصابتهم بالكوليرا.

ويكثر المرضى الواهنون، على الرغم من عدم توفّر المعدّات اللازمة لتشخيص الإصابات بالكوليرا، وقد استُقبل نحو 550 مريضاً في غضون أيام. من جهته، يبدو رئيس المستشفى إحسان الله رودي مرهقاً، لا سيّما أنّه لا ينام إلا خمس ساعات في اليوم منذ بدء توافد المرضى. ويقول لوكالة فرانس برس: "هذا صعب جداً. لم نشهد ذلك في العام الماضي، ولا في أيّ وقت سابق".

وقد استحوذت حركة طالبان على السلطة في أفغانستان في 15 أغسطس/ آب 2021، بعد انسحاب سريع للقوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. وعلى الرغم من أنّ أعمال العنف انخفضت بشكل ملحوظ منذ ذلك الحين، فإنّ الأزمة الإنسانية في البلاد تعاظمت بسرعة.

"لا خبز"

وصل الفقر الذي يبدو أكثر حدّة في جنوب البلاد إلى مستويات حادة تفاقمت بسبب الجفاف وارتفاع الأسعار منذ الحرب الروسية الأوكرانية. وتقول امرأة تجلس على سرير مستشفى في لشكركاه عاصمة إقليم هلمند، بجوار حفيدها الذي يبلغ من العمر ستة أعوام ويعاني من سوء التغذية: "منذ وصلت الإمارة (طالبان) إلى السلطة، لم نعد نستطيع الحصول على الزيت حتّى". تضيف المرأة الثلاثينية التي يغطّي وشاح وجهها بالكامل أنّ "الفقراء يُسحقون تحت أقدامهم"، في إشارة إلى حركة طالبان.

ويتلقّى الحفيد العلاج للمرّة الخامسة في مستشفى "بوست" الذي يتألف من مجموعة من المباني تديرها وزارة الصحة الأفغانية ومنظمة أطباء بلا حدود بشكل مشترك. من جهتها، تقول بريشنا والدة إحدى المريضات: "لا يمكننا العثور على الخبز حتّى"، مضيفة أنّ "ليس لدينا ما نأكله منذ ثلاثة أو أربعة أيام".

وتلفت المشرفة المساعدة على الممرّضين هوميرا نوروزي إلى أنّ الموظفين "لا يرتاحون"، شارحة أنّ "لدينا مرضى كثيرين يصلون إلينا وهم في حالات حرجة"، لأنّ الأهالي لم يتمكّنوا من نقلهم في وقت أبكر. تضيف نوروزي التي تصرخ لإسماع صوتها وسط بكاء الرُضّع: "لا نعرف عدد الوفيات (...) في الأقاليم الأخرى" لأنّ أشخاصاً كثيرين "لا يقصدون المستشفى".

الصورة
أفغان أمام قسم مخصص لمرضى الكوليرا في أفغانستان (ليليان سوانرومفا/ فرانس برس)
هنا القسم المخصص للمصابين بالكوليرا في مستشفى موسى قلعة (ليليان سوانرومفا/ فرانس برس)

وقف المساعدات الإنسانية

وكانت المحنة الاقتصادية في أفغانستان قد بدأت قبل وقت طويل من استحواذ حركة طالبان على السلطة، لكنّ وصولها إلى الحكم دفع البلد الذي يبلغ عدد سكانه 38 مليون نسمة إلى حافة الهاوية. وقد جمّدت الولايات المتحدة الأميركية سبعة مليارات دولار أميركي من أصول البنك المركزي، كذلك انهار القطاع المصرفي وتوقّفت المساعدات الخارجية التي تمثّل 45 في المائة من المدخول الإجمالي للبلاد.

وفي هذا الإطار، تسأل روكسانا شابور التي تعمل في شبكة محلّلي أفغانستان (إيه إيه إن): "كيف يمكن تقديم المساعدة إلى بلد لا تعترف بحكومته؟". وتقول إنّ المساعدات الإنسانية في مواجهة الأزمات مثل الزلزال الذي ضرب البلاد في يونيو/ حزيران الماضي وأودى بحياة أكثر من ألف شخص وشرّد مئات الآلاف، تُعَدّ أمراً بسيطاً لأنّها معونة "غير سياسية... إنّها مساعدة حيوية".

بالإضافة إلى ذلك، تُرسَل الأموال جواً لتمويل المساعدات الغذائية والرعاية الصحية. لكنّ المساعدات المخصصة للمشاريع طويلة الأجل تُعَدّ أكثر تعقيداً. وترى شابور أنّه "إذا أتيتم إلى البلاد وقلتم إنّكم تريدون سداد جميع رواتب المعلّمين، فلا بأس بذلك"، متسائلة "لكن ما الذي سوف تفعله طالبان بالمال الذي لن تنفقه على رواتب المعلّمين؟". يُذكر أنّ النشاط الاقتصادي في موسى قلعة يقتصر على تصليح دراجات نارية وبيع الدجاج ومشروبات الطاقة المحفوظة في برّادات قذرة.

قضايا وناس
التحديثات الحية

"ليسوا على قدر المسؤولية"

وترتبط موسى قلعة التي شهدت بعضاً من أكثر الفصول دموية في حرب 2001-2021 بعاصمة هلمند من خلال درب يمتدّ على طول مجرى نهر جاف. ويعود الطريق المعبّد ليظهر جنوباً في اتجاه سانجين، حيث تضرّرت الجدران الطينية بشدّة من جرّاء نيران المدفعية لدرجة أنّها تنهار. وتقول ميمنة التي تعالج ابنتها آسيا البالغة من العمر ثمانية أعوام في موسى قلعة: "الآن، يمكننا الذهاب إلى المستشفى، ليلاً أو نهاراً". تضيف: "سابقاً، كانت ثمّة معارك وألغام، وكانت الطرقات مقطوعة".

من جهته، يقول مدير الصحة العامة في هلمند سيد أحمد لوكالة فرانس برس إنّ تدفّق المرضى الجدد يعني أنّ ثمّة "أماكن أقل" وأنّ "ثمّة عدداً أقل من الموظفين، وبالتالي ثمّة صعوبات". ومع ذلك، يصرّ هذا الطبيب الذي يمتلأ مكتبه بالكتب المتخصصة على أنّ "الوضع العام بات أفضل" ممّا كان عليه في ظل الحكومة السابقة، عندما كان الفساد مستشرياً.

ويرفرف علم طالبان علناً على مبانٍ نخرها الرصاص في هلمند. فبعد انتظار استمرّ لمدّة عقدَين، تولت الحركة قيادة البلاد فيما تعاني شبه إفلاس. ويقول رجل من لشكركاه فضّل عدم الكشف عن هويته: "ليسوا على قدر مسؤولية الحكم" في إشارة إلى حركة طالبان.

(فرانس برس)

المساهمون