خلّف قرار التخلي عن سياسة "صفر كوفيد" الحكومية في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، مئات الآلاف من العاطلين عن العمل في أنحاء الصين، إذ أغلقت معظم أكشاك الفحوص، ليصبح غالبية العمال في المجال الطبي وفنيو المختبرات والموظفون المؤقتون والحراس وغيرهم ممن كانوا يعملون ضمن نظام الاختبار الشامل عاطلين عن العمل بعد أن كانوا جزءاً لا يتجزأ من سياسة الصين الخاصة بمكافحة الوباء على مدار السنوات الثلاث الماضية، وبات هؤلاء يتدافعون للعثور على وظائف جديدة.
وقبل تفكيك النظام، كان لدى كل مدينة صينية موقع واحد على الأقل لفحص كل ثلاثة آلاف شخص، وكان ينبغي أن يحتوي كل موقع على خمسة أكشاك يعمل فيها من 8 إلى 10 فنيين لديهم أوراق اعتماد طبية، بالإضافة إلى أربعة أو خمسة مساعدين لإدارة الموقع.
كان الشاب الصيني جو فين حارساً في ملهى ليلي، قبل أن ينضم إلى اللجان الشعبية في حيه السكني بمقاطعة جيانغ شي، لتنظيم صفوف الفحوص اليومية أمام الأكشاك الصحية. يقول في حديث لـ "العربي الجديد": "مضى أكثر من عامين على عملي كمشرف على التزام الأفراد بالضوابط الخاصة بسياسة (صفر كوفيد)، ومن بينها متابعة أكوادهم الصحية، والتأكد من أنها سارية المفعول، وكذلك تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامات الطبية، وغيرها من الوظائف ذات الصلة، وقد تنقلت بين أكثر من منطقة، وكنت سعيداً بهذا العمل". يضيف فين: "بعد قرار السلطات وقف الفحوص الجماعية، أغلقت جميع الأكشاك، وبالتالي وجدت نفسي، ومعي عشرة زملاء من المشرفين، من دون عمل، فتواصلنا مع الجهات التي كانت تنظم عملنا، فقالوا إنهم لم يعودوا في حاجة إلى خدماتنا، وإنه يتوجب علينا العودة إلى أشغالنا السابقة، وهو أمر غير ممكن، لأنه مضى كثير من الوقت منذ تركت الوظيفة الأولى، ونسعى جميعاً إلى البحث عن وظائف جديدة، لكن يبدو أننا سنقضي وقتاً طويلاً في ظل حالة الترقب التي تشهدها البلاد منذ التخلي عن سياسة صفر كوفيد".
بدورها، تقول الصيدلانية لي تشون، وهي تعمل في مدينة تشنغداو بمقاطعة شاندونغ، في حديث مع "العربي الجديد": "خلال العام الماضي، كان لديّ تعاقد مع جهات صحية لتوفير المستلزمات الطبية الخاصة بالفحوص الجماعية التي تجرى في بعض أحياء المدينة، مثل أنابيب الاختبار، والأعواد القطنية الخاصة بمسحات الحلق، والقفازات المطاطية، والمواد المعقّمة، وكذلك الملابس الطبية الخاصة بالكوادر الصحية، وكنت مسؤولة عن توفير نحو 250 ألف أنبوبة اختبار يومياً، وعدد أقل من القفازات والمواد الأخرى". تتابع: "اضطررت إلى توظيف ثلاثة عمال للقيام بهذه المهام على مدار عام كامل، ولكن فجأة توقف كل شيء، وأغلقت الأكشاك، فتكدست لدينا أكوام من المعدات الطبية في المخازن، لذلك سرحت العمال، وأسعى حالياً إلى تصريف ما تكدس لدي عبر بيعه بنصف الثمن عبر منصات البيع الإلكتروني، وما زلت أجد صعوبة في ذلك، نظراً لتوقف الاختبارات اليومية في جميع أنحاء البلاد، وعدم الحاجة إلى مثل هذه المعدات خلال الفترة الحالية".
ويعتبر الباحث في معهد الدراسات والعلوم الإنسانية بمقاطعة فوجيان، تشين يونغ، أنه لا توجد مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق السلطات بسبب بقاء الملايين من الموظفين من دون عمل، ويوضح في حديث لـ "العربي الجديد"، أنه "بعد تخفيف القواعد ورفع القيود، لم تعد هناك حاجة لنتائج فحص كورونا، أو إبراز الرمز الصحي لدخول الأماكن العامة، وبالتالي تم إغلاق معظم مواقع الفحص في جميع أنحاء البلاد، باستثناء بعض المدن التي تم فيها تحويل الأكشاك إلى مراكز طبية لعلاج حالات الحمى من أجل تخفيف الضغط عن المستشفيات خلال الفترة الراهنة".
ويضيف يونغ: "هناك ملايين الأشخاص الذين كانوا يعملون في مواقع الاختبار، إذ لجأت السلطات الصحية إلى التعاقد مع عشرات آلاف الأشخاص بسبب معرفتهم أو خبرتهم في مجال الرعاية الصحية، وبعد انتهاء المهمة، وتمكن البلاد من تجاوز الفترة الحرجة، تم إنهاء التعاقد، وعلى هؤلاء العودة إلى ما كانوا يفعلونه قبل التعاون مع السلطات الصحية، سواء العودة إلى وظائفهم القديمة، أو البحث عن وظائف جديدة، فالمكان الطبيعي لهم هو سوق العمل، وليس مطالبة السلطات التي وفرت لهم عملاً مؤقتاً، بالبحث عن بدائل".
وحسب تقديرات محلية، خلّف قرار الحكومة وقف سياسة "صفر كوفيد" نحو 18 مليون عاطل عن العمل، ونحو 70 في المائة من هؤلاء ممن عملوا في اللجان الشعبية لمتابعة إجراءات التزام المواطنين في الأحياء السكنية بالسياسة الحكومية، بينما كانت معظم النسبة الباقية من الكوادر الطبية الذين لديهم خبرة طويلة في مجال الرعاية الصحية، غير أنّ هؤلاء أفضل حالاً من غيرهم لأنهم عادوا إلى وظائفهم الرئيسية في العيادات والمستشفيات الخاصة التي تواجه ضغوطاً كبيرة بسبب ذروة الإصابات بفيروس كورونا، فيما يتوجب على البقية البحث عن وظائف جديدة بأنفسهم.